10-يونيو-2020

إزالة تمثال ليوبولد الثاني (رويترز)

ألترا صوت – فريق التحرير

تحولت حادثة وفاة الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد الذي قضى اختناقًا على يد شرطي أبيض من مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا إلى قضية رأي عام عالمية، خرج على إثرها عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف المدن والعواصم العالمية للاحتجاج على عنصرية أفراد الشرطة البيض، وعنفهم المفرط أثناء اعتقالهم للمشتبه بهم من إثنيات أخرى.

تحولت حادثة وفاة الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد الذي قضى اختناقًا على يد شرطي أبيض من مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا إلى قضية رأي عام عالمية

ووجه المتظاهرون الذي شاركوا في الاحتجاجات غضيهم على تماثيل ونصب تذكارية شيدت في الساحات العامة لشخصيات كان لها دور كبير في تأجيج المشاعر العنصرية ضد الأفارقة قبل أكثر من 300 عام تقريبًا، وشاركت بجرائم تطهير عرقي ضدهم، حيثُ قام المتظاهرون بتخريب واقتلاع تماثيل الشخصيات من مكانها، في حملة منظمة ينفذها المحتجون على تماثيل شخصيات مرتبطة برسم سياسات التمييز العنصري والعبودية.

اقرأ/ي أيضًا: مكارثية جديدة.. ما هي تداعيات تصنيف أنتيفا كـ"منظمة إرهابية"؟

ليوبولد الثاني.. مهندس الإبادة الجماعية

تحت ضغط الاحتجاجات التي خرجت في العاصمة البلجيكية بروكسيل، قررت السلطات المحلية إزالة تمثال الملك البلجيكي ليوبولد الثاني (1835 – 1909) من منطقة أكاران ونقله إلى مستودع أحد المتاحف، لترميمه وعرضه بعد ذلك في المتحف، وذلك على خلفية تخريبه من قبل المحتجين على مقتل الأمريكي فلويد، فيما كتب محتجون غاضبون آخر الكلمات التي أطلقها فلويد قبل وفاته: "لا أستطيع التنفس" على تمثال آخر الملك البلجيكي.

وكانت السلطات البلجيكية قد قررت في عام 2018 مراجعة تاريخها الاستعماري في أفريقيا، وخاصة في الكونغو التي تعامل معها ليوبولد الثاني على أنها ملكية خاصة، وارتكب فيها وفقًا لما يصفه مؤرخون أمريكيون وبريطانيون أفظع جرائم الاستعمار و"أول إبادة جماعية في التاريخ الحديث".

وتشير التقارير الواردة بهذا الشأن إلى أن رجال الملك كانوا يطلبون من كل مزارع حصة كبيرة من محصوله، وفي حال فشل في تأمين المحصول يتمّ قطع يده أو يد أحد أفراد عائلته، وكان عدد سكان الكونغو عندما استعمرتها بلجيكا في عام 1885 يقدر بـ20 مليون شخص، في حين أظهرت إحصائية أعدت في عام 1924 انخفاض عدد سكانها إلى 50 بالمائة ما يعادل 10 ملايين شخص، دون أن تسجل الدول المجاورة أي عمليات نزوح أو لجوء.

محتجو لندن يطالبون بإزالة تماثيل مهندسي حقبة الاستعمار البريطاني

وفي بريطانيا طالب المحتجون الذين خرجوا للتضامن مع احتجاجات أمريكا ضد التنمر والعنصرية بإزالة تماثيل شخصيات تاريخية ساهمت بشكل كبير بهندسة التوسع الاستعماري البريطاني وسياسة الفصل العنصري التي أدت لإبادة الآلاف من سكان القارة الأفريقية وأمريكا اللاتينية.

وبدأت أول موجة لاستهداف تماثيل الشخصيات، التي تذكر البريطانيين بحقبة سوداء من تاريخ العنصرية ضد الأفارقة، بإسقاط تمثال تاجر الرق إدوارد كولستون (1636 – 1721) في مدينة بريستول، قبل أن يقوموا بإلقائه في النهر بعد سحله بالشارع.

وكان كولستون أحد تجار الرق البريطانيين البارزين في القرن الـ17 يتاجر بالبشر باعتبارهم متاعًا تعود ملكيتهم لبريطانيا العظمى، التي يحق لها أن تصادر حريتهم وكرامتهم ليعملوا بالسخرة في مستعمراتها المنتشرة وراء البحار، ثم يعود إلى مسقط رأسه في بريستول ليمنح تبرعات مالية لبناء المدارس والمستشفيات.

وأعلن عمدة لندن صادق خان في وقت سابق عن إجراء مراجعة لجميع التماثيل وأسماء الشوارع الموجودة في المدينة، مشيرًا إلى أنه يجب إزالة أي تمثال أو اسم شارع له علاقة بالعبودية. يأتي ذلك في وقت أعلن متحف لندن دوكلاندز، أحد أشهر متاحف العاصمة البريطانية، إزلة تمثال تاجر الرق الشهير روبرت ميليغان (1746 – 1809) الذي كان يمتلك مصنعين للسكر في جامايكا وأكثر من 526 عبدًا.

كما تجمع الآلاف أمام مبنى جامعة أوكسفورد العريقة للمطالبة بإزالة تمثال رئيس مستعمرة الكاب ما بين عامي 1890 – 1896 سيسيل رودس (1853 – 1902)، والذي يوصف بأنه أحد أبرز مهندسي التوسع الاستعماري البريطاني في أفريقيا الجنوبية.

مدن أمريكية تبدأ بإزالة تماثيل القادة المتهمين بالعنصرية

لطالما أثار نواب ومشرعون ديمقراطيون خلال السنوات الماضية موضوع النصب التذكارية للولايات الكونفدرالية الأمريكية التي كانت مؤلفة من ولايات الرقيق الجنوبية بعد إعلان انفصالها عن الولايات المتحدة في عام 1861، الأمر الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال بقيادة الرئيس إبراهام لينكولن والجنوب، وانتهت في عام 1865 بإعادة لينكولن توحيد الولايات الأمريكية مجددًا.

فقد أعلن حاكم ولاية فرجينيا رالف نورثام إزالة تمثال الجنرال الكونفدرالي روبرت إي لي (1807 – 1870) من مكانه وسط مدينة ريتشموند عاصمة الولاية، وفيما حظي قرار إزالة التمثال من قبل النشطاء الأفارقة وحلفائهم بالترحيب، فضلًا عن دعم الديمقراطيين لهذا القرار، فإن الأصوات الجمهورية في المدينة سجلت معارضتها على ذلك، كما الحال مع باقي المدن الأخرى التي سارت على نهج فرجينيا.

ويعتبر الجنرال لي واحدًا من أبرز رموز الحرب الأهلية الأمريكية، ويتهم بأنه كان عنصريًا مؤيدًا للعبودية، وكان قائدًا لجنود ولاية فرجينيا التي أعلنت تأييدها للولايات الكونفدرالية، وعيّن فيما بعد قائدًا عامًا لجيوش الكونفدراليين الجنوبيين قبل أن يعلن استسلامه أمام الجيوش التي كان يقودها لينكولن، وبدأ سريان القانون الذي سنه الرئيس الأمريكي بإلغاء العبودية في الولايات الأمريكية المتحدة.

وفي مدينة ديربورن في مقاطعة وين بولاية ميشيغان قام المحتجون بتدمير تمثال عمدة المدينة السابق أورفيل هوبارد (1903 – 1982) المعروف عنه بآرائه العنصرية، ووفقًا لما ذكر نشطاء حقوق الإنسان ومسؤولي المدينة، فقد كان هوبارد خلال فترة توليه منصبه يؤيد سياسات الفصل العنصري باستبعاد السكان الأفارقة من المدينة، ويروج في تصريحاته لأن اختلاط الأعراق فيما بينهم يؤدي لسقوط الحضارات، ووصفت السلطات المحلية تمثال هوبارد بأنه "رمز للانقسام.. لا للوحدة".

اقرأ/ي أيضًا: ولايات أمريكية تفرض حظرًا للتجول.. والاحتجاجات تمتد لأكثر من 75 مدينة

وعلى خطى مدينة ديربورن، اتخذت مدينة فيلادلفيا أكبر مدن ولاية بينسلفينيا قرارًا بإزالة تمثال مفوض الشرطة والعمدة السابق فرانك ريزو (1920 – 1991) بهدوء، دون أن يتعرض لعمليات تخريب واقتلاع على غرار ما حصل في باقي التماثيل المشيدة في الولايات الجنوبية.

 تجمع الآلاف أمام مبنى جامعة أوكسفورد العريقة للمطالبة بإزالة تمثال رئيس مستعمرة الكاب ما بين عامي 1890 – 1896 سيسيل رودس (1853 – 1902)، والذي يوصف بأنه أحد أبرز مهندسي التوسع الاستعماري 

واتسم نهج ريزو كمفوض للشرطة في ستينات وسبعينات القرن الماضي بالعداء الشديد للأمريكيين من أصل أفريقي، ومجتمع LGBT في المدينة، فضلًا عن دعوته الناخبين "للتصويت الأبيض" عندما كان يريد الترشح لولاية ثالثة في منصب العمدة، غير أن العديد حينها احتفوا ريزو لاتخاذه إجراءات صارمة تقمع الأصوات المعارضة، وتقوم بإبعاد الأمريكيين الأفارقة عن أحياء الطبفة الوسطى في المدينة.