22-ديسمبر-2016

حكمت داوود/ سوريا

أعتقد أن هذه الحرب لم تترك رجلًا واحدًا بعينين
ثمة عين واحدة
صرنا مسوخًا
ومليئين بالريش
لهذا نفرح أو نتبلل بالدم لكل كسرٍ؛
أو هزجٍ.
ضاقت أنفاسنا.
*

كنا في حفرة
قررنا الذهاب لحفرة أعمق منها لنرى كيف يُصنع الجليد
لم نرغب بالذهاب للشمس
قُلنا نفعل هذا بعد سنة أو أكثر.
سنة ضوئية.
*

أصدقائي هنا يتذكرونني بشكل منتظم
كلما سمعوا خبرًا عن سوريا في الإعلام
بينما أنا هنا
لا أموت ولا أعيش
ربما أصبحُ لوحة يومًا ما.
سيئٌ الندب على الدم
لكنْ
صوتي مازال ينبض
ماذا أفعل؟
 *

كان لدي بلد
طويتُه
مليئًا بالدم
متكدسًا
كنت صخرةً أراقبه كيف يتكسّر
قميصي المطوي هو.
كان لدي بلد
فردتُه
تركتُ العصافير تنقرُ الثقوب
نمتُ تحت الورق الذي يصنع موسقياه
كنا سلّمًا موسيقيًا
لخرَسه..
 *

أكتبُ قصائد
جُملًا
وأُلبسه إياها.
قصيدةُ خاتمٍ لإصبعه، قصيدةٌ أكحل بها عينيه
قصيدةٌ حول ساعته تصيبها بالكدمات
.. أُلبسُه ذهبًا لا يراه
فالرجال لا يرون الذهب عليهم
ومع هذا فإنه كلما دخل من الباب
يلمع.
*

اليوم
الضباب يلتف مع دخان المدافئ في تولوز
لم أخرجْ من غرفتي
كنتُ "عودة" كبريت
وأخرجتُ رأسي من النافذة برأس أحمر
أشعلَني القمر
جارتي واضحة، جسدٌ أنثوي وفم يضحك
تقلّبُ طبقًا ساخنًا في المقلاة
ربما كان دجاجًا أو سمكًا مقطّعًا
رائحته لم تصل مع الضباب
أشعر بالجوع لكني لم أعد أشعر بالروائح
وفي رأسي مسنناتٌ للحرب
إنه الضباب.
*

مِن قبل الحرب كانت قصائدي مليئة بالدم
ربما كنتُ فيما مضى قاتلةً، أو مقتولة
ومن ثم ربما كان عاديًا
لقد جئنا لهذي البلاد الموشومة بالجراح،
فيما سبقَنا وفيما كان سيأتي
وأتى
في منتصفنا تمامًا، أو على مسافات متقاربة.
*

اسمعْ صوت تخزيقَ ورقة
تخيّلْهُ نهارًا ينتهي وأنت تخرج منه
حطّمْ كل صمت وخزِّق ورقة
بيضاء أو عليها كتابات لا تعني لك شيئًا
هذا ليس وقت التخلص من الدمار.
اسمعْ صوت تكسّرِ طائرة
تخيل نفسك مَقعدًا تخرج منها هلِعًا
اسمعْ صوتَ قذيفةٍ يتفجر
تخيّل أرضًا تتحول تحتَه إلى زمنٍ
تخيّلْ الأصابع
فقط الأصابع
واذهب بعيدًا في الباخرة.
*

مثل بناية في مدينة ساحلية
لكنها لا تطل على البحر
أحاول سماع صوت السيارات التي تمرّ قربي كأنها صفيرُ باخرة
مثل بناية في مدينة قريبة من الحرب
ولا تلمسُها
أسمع صوت الغرق في الحرائق
مثل طريق مرمي بين واديين
على حافتهِ شريط أسود
والبحر يرتجف في الأفق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الكرنك" القرمزي

في الحقل المهجور.. وحيدًا