02-مايو-2018

أرضية قصر هشام

بدأتُ أزاوج، منذ مدّة، بين حسين علامة السّجود وبوعلام هبهابة. أشتري الكتب من كليهما، والباقي على النّاس. وقد رفض "علامة السجود" في البداية أن يسمح لي بالانتقاء، بحيث رفضت بعض العناوين التي أراها بعيدة عن الواقع الجزائري.

قال: يا أخي هل تؤمن ببعض الكتاب، وتكفر ببعض؟!

ـ الجزائري ليس هو السعودي أو الأفغاني أو المصري يا حسين!

ـ لكن دين الله واحد.

ـ أتحدّث عن خصوصيات التطبيق. فالعرف واحد من مصادر التشريع.

ـ أنت صوفيّ إذًا.

ـ تماسكنا قرونًا بالمذهب الواحد، وتفتّحنا على غيره فترةً، ففتِحتْ علينا أبواب جهنم. أنا أريد أن نتحاور يا حسين. أنت تنظر إلي بنصف عين، وأنا أنظر إليك بنصف، والنتيجة أن كلّ واحد يعرف عن الآخر نصف الحقيقة فقط، فيصدّقه هنا، ويكذّبه هناك، ثم يغلب وازع التكذيب على وازع التصديق، فيسري التشنج في الأرواح، ثم يصعد إلى العقول، فالألسنة، فالأيدي، ويحدث ما قلت إنك كتبته في مذكّراتك "بكاء جهنم". لماذا لا تدخل جنة الدنيا يا علامة السجود؟

ـ الصّلاة؟

ـ لذة الصلاة في أنك تتواصل بها مع الخالق كما هو، إنما أتحدث عن لذة أخرى: أن تتواصل مع الخلق كما هم. من حقك أن ترى الآخرين على خطأ، فتلك عينك التي لم تأت من فراغ على كل حال، لكن من حقهم عليك ألا تتجاوز معهم في ردّ الفعل أن تحاورهم، وما وراء ذلك، فمتروك لعيونهم التي لم تأت هي الأخرى من فراغ. صدقني إذا قلت لك إنني أمتعض عندما أرى بعض الناس يسخرون من لباسك ولحيتك.

ـ ربي يهديهم.

ـ هناك هدىً من السّماء، وآخرُ من الأرض.

ـ الهدي من الله وحده.

ـ أنا معك إذا كنت تعني هدى الروح، إذ كيف تعرف الروح ربها إذا لم يمدّ لها يدَه؟ أما هدى الحركة فلا بد له من إرادة الإنسان. هل بُنيَت الحضارات بالأيدي والعقول المؤمنة فقط؟ أم بالأيدي والعقول التي قد لا تعرف الله أيضًا؟

فجأة شقّنا منصف البلاقجي، فأمسك علامة السجود من ذراع، وأمسكني من ذراع: قيل لكما إن اللقلق نفحت له في أن يجاور النسر ذات ربيع، والنسر يا صديقيَّ طير لا يأكل إلا الحي من أسماكٍ وأرانبَ برية، ولا يبني عشه إلا في متناول المستحيل، عكس اللقلق الذي يأكل الحشرات، ويبني عشه في متناول الأشقياء من الأطفال. ورأى النسر أن يختبر الجار الجديد، فقال له إنني راغب في أن أحجّ هذا العام، وإني أطمع في أن تتكفل بفراخي؟

طار اللقلق من الفرح لأنه سيتمكن بهذه المهمة التي لم يكن ينتظرها من أن يبرهن لجاره العتيد على جدارته بالجوار السعيد.

عاد النسر بعد شهر، فوجد فراخه يوشكون على الهلاك لأن اللقلق كان يجلب لهم الحشرات، وهم يزهدون فيها. انتفض من الغضب قائلًا للقلق: لو كنتَ في مستوى الخليفة لأطعمتهم ممّا ألفوا أن يُطعَمُوه، وقد أنصفتك في الأولى بالاختبار، وسأنصفك في هذه بأن نحلّق في الهواء، ومن يتمكن من الآخر فليقضِ عليه.

لم يكد اللقلق يحرّك جناحيه حتى كان النسر في الأعالي، وهوى عليه بالتمزيق من العنق إلى حيث يُفترض أن قلبه موجود في صدره، فلم يصح: آه قلبي، فأجهز عليه حتى وصل إلى مؤخرته، فقال اللقلق آه قلبي. هناك توقف النسر عن التمزيق: لو كنت أعلم أن قلبك في مؤخرتك ما طرت من أجلك هذه الطيرة.

اختفى منصف البلاقجي يمسح عينيه.

ها هي جنة الدنيا تفيض منها أنهار الحمكة، فلماذا لا نستمع إليها حتى نفهمها، فندخل فيها بدون تشنج؟. مفتاح جنة الآخرة أن تكون صادقًا، ومفتاح جنة الدنيا أن تفهم يا حسين.

ـ رأس الحكمة مخافة الله.

ـ متى تأتيني بكتابك؟

ـ أخاف أن تنشره في الصّحافة.

ـ أعدك ألا أفعل، لكن أين المانع من ذلك؟

ـ كتبته لنفسي.

ـ يا حسين.. أنت صعدت إلى الجبل، وعلت ما فعلت، ثم ظهر لك أن تنزل فنزلت. ومعظم هؤلاء الذين ترى قالوا نعم للمصالحة، أفليس من حقهم أن يعرفوا ما كنت تفعل هناك؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدنيا غرفة عاهرة

الحبس بتهمة الضحك