احتجاجات "جيل زد" في المغرب.. صوت الشباب يصدح رغم المنع والاعتقالات
1 أكتوبر 2025
تواصلت احتجاجات شباب ما بات يُعرف بــ"جيل زد 212" في مجموعة من المدن المغرب، خصوصًا في العاصمة الرباط والدار البيضاء كبرى حواضر المملكة، أمس (الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر) لليوم الرابع على التوالي، رغم منع السلطات المغربية كل أشكال الاحتجاج.
وتحوّلت احتجاجات الشباب في بعض المدن المغربيةـ، إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين الشباب وقوات الأمن المغربية. وتداولت منصات التواصل الاجتماعي، مساء الثلاثاء، مقاطع مصورة توثق مشاهد فوضى في بلدة أيت عميرة بإقليم شتوكة أيت باها ومدينتي إنزكان ( وسط) ووجدة (شرق)، وإضرام النار في سيارات تابعة للدرك الملكي والأمن الوطني.
ورفع مئات الشباب شعارات مطالِبة بتحسين وضعية قطاعي الصحة والتعليم، باعتبارهما المدخل الأساس لعدالة اجتماعية غائبة، إضافة إلى مطالب بمحاربة الفساد، في أول تحرّك احتجاجي منسّق منذ السبت 27 أيلول/سبتمبر 2025.
اعتقالات ومتابعات قضائية
شهدت العاصمة الرباط اعتقال مجموعة من المحتجين، إذ توبع في الرباط (إلى حدود مساء الثلاثاء) ثلاثة شبان في حالة اعتقال، و34 آخرين في حالة سراح بكفالة مالية. وأفادت مصادر من هيئة الدفاع، أن الموقوفين وُجّهت لهم تهم تتعلق أساسا بـ"العصيان، والمشاركة في تجمهر غير مسلح".
رفع مئات الشباب شعارات مطالِبة بتحسين وضعية قطاعي الصحة والتعليم، باعتبارهما المدخل الأساس لعدالة اجتماعية غائبة
وفي مدينة الدار البيضاء، أعلنت النيابة العامة، في بيان، تقديم "ملتمس بإجراء تحقيق مع 18 شابًا على خلفية الاحتجاجات، إذ يتابع هؤلاء بالاشتباه في ارتكابهم جناية عرقلة سير الناقلات بغرض تعطيل المرور ومضايقته، إلى جانب استهلاك المخدرات بالنسبة للبعض، مع التماس إيداعهم السجن فيما تمت إحالة القاصرين البالغ عددهم 6 على المستشار المكلف بالأحداث".
موقف الحركة الشبابية
في المقابل، أدانت حركة "جيل زد 212"، ما اعتبرته "اعتقالات تعسفية" طالت عددًا من المشاركين في الاحتجاجات، مؤكدة أن التوقيفات "تمت دون أي مبرّر قانوني واضح". وطالبت السلطات بـ"الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين دون قيد أو شرط، ووقف كل أشكال التضييق على حرية التعبير وحق المواطنين في الاحتجاج السلمي".
كما عبرت الحركة الشبابية، في بيان عممته على حسابتها على مواقع التواصل الاجتماعي، عن "أسفها لوقوع بعض أعمال الشغب أو التخريب التي مسّت ممتلكات عامة أو خاصة"، داعية المحتجّين إلى "الالتزام بالسلمية الكاملة، وتجنب أي تصرف قد يُستغل لتشويه المطالب العادلة".
حركة بطابع جيلي
ورغم محاولات المنع والتضييق، أصرّ الشباب على الاستمرار في الاحتجاج في كثير من المدن المغربية، وهو جعل الأكاديمي والفاعل الحقوقي خالد البكاري، يميل إلى اعتباره "محاولة أساسية لكسر جدار الخوف، أكثر منه وعيا مختلفا عن الأجيال السابقة".
ويرى البكاري في حديثه لـ"الترا صوت"، أن "ما يميّز هذه الحركة هو طابعها الجيلي، بخلاف احتجاجات سابقة راوحت بين المناطقية والفئوية والسياسية، لكن مطالبها في عمومياتها مرتبطة بالقطاعات الاجتماعية التي تعاني الأسر يوميًا من تردي خدماتها. الواقع اليومي هو الذي خلق الوعي بضرورة الاحتجاج لقول: كفى".
وأوضح الفاعل الحقوقي، أن "التركيز على قضايا الصحة والتعليم والشغل، يعكس قدرتها على التعبئة الشعبية العابرة للأجيال والإيديولوجيات، في مقابل خفوت قضايا الديموقراطية ونزاهة الانتخابات وتغيير الدستور التي تُعد عادة نخبوية رغم اتصالها المباشر بالمعيش اليومي".
مع ذلك، يشير البكاري، إلى إشارات سياسية ذكية ظهرت في احتجاجات "جيل زد "، مثل "الدعوة إلى مقاطعة صحافة التشهير، أو المقارنة بين وضعية المستشفيات المتردّية والاستثمارات الضخمة في ملاعب الكرة التي ستحتضن المونديال".
"أغورا" الفضاء الرقمي
وبرزت طريقة التنظيم كأحد أبرز سمات هذه الحركة الاحتجاجية الشبابية، إذ اعتمد الشباب على التنسيق عبر مجموعات رقمية مغلقة ومفتوحة جمعتهم تحت وسم "GENZ212"، في إشارة إلى رمز الهاتف الدولي للمغرب، وإلى شعور بالانتماء لجيل رقمي عالمي يتجاوز الحدود الجغرافية.
تسجل الأكاديمية والفاعلة في مجال الشباب، رقية أشمال، أن "احتجاجات "جيل زد" تشبه غيرها من الحركات المنتمية للجيل الرقمي، من حيث تأثرها بسياق يوفر إمكانات تواصلية واسعة ومرنة؛ إذ يسمح هذا السياق بالاستثمار في عنصر الزمن عبر آنية التواصل، إلى جانب مجانية الرسائل وانسيابيتها، ما يمنح الشباب قدرة على التحرك السريع ونقل المضامين بسير وسلاسة".
برزت طريقة التنظيم كأحد أبرز سمات هذه الحركة الاحتجاجية الشبابية، إذ اعتمد الشباب على التنسيق عبر مجموعات رقمية مغلقة ومفتوحة جمعتهم تحت وسم "GENZ212"
وأضافت أشمال في تصريح لـ"الترا صوت"، أن هذه "الوفرة الرقمية تعفي المحتجين من الحاجة إلى منسقين بالمعنى الكلاسيكي، إذ يتم الاعتماد على آليات بديلة للتعبئة والتنسيق والتواصل. فالأدوات السيبرانية تتيح نقل الخطوات والجهود من الفضاء الافتراضي إلى الفضاء العمومي الواقعي بشكل مباشر وسلس".
وتصف المتحدثة هذه الظاهرة بكونها "دينامية شبابية سائلة، رقمية وواقعية في آن واحد"، مشيرة إلى أنها "تفرض على المؤسسات الدستورية ضرورة استعجال احتضان الحركة الاجتماعية، والتفاعل الجدي مع مطالبها ورسائلها".
في أول ردّ رسمي بعد ثلاثة أيام من احتجاجات " جيل زد "، أظهرت هيئة رئاسة الأغلبية الحكومية، برئاسة عزيز أخنوش، مساء الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر، عن انفتاحها على أصوات الشباب، معلنة " تفهمها للمطالب الاجتماعية واستعدادها للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها، عبر الحوار والنقاش داخل المؤسسات والفضاءات العمومية".
وأكدت الهيئة، التي تضم الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، في بيان، أن "المقاربة المبنية على الحوار والنقاش هي السبيل الوحيد لمعالجة مختلف الإشكالات التي تواجهها بلادنا"، مشيدة بـ"التفاعل المتوازن للسلطات الأمنية طبقا للمساطر القانونية ذات الصلة".
وبدا واضحًا، وفق المصدر ذاته، أن الحكومة تحاول وضع الاحتجاجات في خانة "المطالب الإصلاحية" القابلة للالتقاط داخل أجندتها، معتبرة أن طموحات المحتجين تلتقي مع مشاريعها الجارية، مثل إحداث المجموعات الصحية الترابية وتأهيل المستشفيات.