27-فبراير-2022

(WIRED)

ليست هذه هي المرّة الأولى التي تنقل فيها منصات التواصل الاجتماعي مجريات الحروب والنزاعات والثورات، إلا أن الحرب الروسية على أوكرانيا تمثّل من بين أمور عديدة أخرى، سابقة فريدة في الطريقة التي يشاهد بها العالم الحرب عبر الإنترنت، وذلك بسبب تطبيق واحد، ألا وهو تيك توك.

 لهذه الحرب طبيعة هجينة لا يعدّ السلاح هو العامل الفارق الوحيد فيها، بل يؤثر في مجرياتها وتحولاتها العديد من العوامل الأخرى، ومن بينها المجال الرقمي

فالحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا متعددة الجبهات، ولا شكّ أن الجبهة القتالية هي الأكثر دموية وقدرة على الحسم، إلا أن ثمة جبهات أخرى للاستحواذ على الأذهان والتأثير في الرأي العام العالم، وهي معارك تعدّ منصات التواصل الاجتماعي ميدانها الرئيسي، ولعل هذا هو الميدان الذي يستنزف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من أي ميدان آخر، لأنه يدرك أنه يخوض فيه معركة خاسرة، لا يملك التحكّم المطلق بها، ولو بقوّة أعتى الأسلحة. 

 

@martavasyuta Spread awareness and support Ukraine-------- #ukraine ♬ bringing the era back yall - chuuyas gf

 

فتلك المقاطع المصوّرة على الهواتف المحمولة والتي يظهر فيها أوكرانيون نازحون، تبدو عليهم علامات الإنهاك والجوع، ويتنقلون مشيًا على الأقدام لمسافات طويلة في أوضاع إنسانية بائسة، تحمل من القوّة التفجيرية ما لا تستطيع الأسلحة كتمه. وقد ساعدت هذه المقاطع على تعزيز حالة من التعاطف العالمي مع أوكرانيا، ضد الاجتياح الروسي، خاصة مع تزايد احتمالات لجوء روسيا إلى استخدام أسلحة محرمة دوليًا في سعيها لإخضاع أوكرانيا والإطاحة بالحكومة المنتخبة فيها.

 

 

وقد أدرك الرئيس الأوكراني زيلينسكي أهمّية وسائل التواصل الاجتماعي في معادلة التعاطف العالمي، فأخذ الرجل الموضوع على محمل الجدّ، ونفّذ ببراعة الممثّل، مجموعة من المقاطع المصوّرة بعناية، يظهر فيها رثّ الهيئة، كأنّه لم يعد من رجال السياسة والدبلوماسية، وصار من رجال الحرب، وذلك لبثّ الروح المعنوية بين الناس، وحثهم على مقاومة الاحتلال الروسي.

 

@skynews President #Zelenskyy insists #Ukrainians are ‘not afraid to defend their county’ as #Russian #troops enter #Kyiv #Russia #Ukraine #RussianInvasion ♬ original sound - Sky News

 

لكن المنصّة الأبرز تأثيرًا وحضورًا في هذه الحرب هي منصّة "تيك توك"، والتي حوّلت أبرز المؤثرين العالميين فيها من أصحاب حسابات معنية بالتسويق والاستعراض الفارغ، إلى شخصيات مهتمة بالشأن العام والتعاطف مع قضيّة يرون أنها عادلة وتستحق التضحية ورفع من الصوت من أجلها. فالعديد من أبرز مؤثر "تيك توك"، وهي المنصّة المملوكة للعملاق الصيني "بايت دانس"، ويبلغ عدد المستخدمين النشطين فيها قرابة مليار مستخدم شهريًا، شنّوا هجمة إعلامية ضدّ الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وانتقدوا فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما الحسابات الأوكرانية على المنصّة، فبدأت ببث مقاطع فيديو توثّق تقدّم القوات الروسية وتواجدها في الشوارع الأوكرانية وتوثّق ما يجري ارتكابه من انتهاكات بحق المدنيين بسبب الهجمات الصاروخية الروسية التي استهدفت العديد من المناطق في أوكرانيا.

من هؤلاء حساب للناشط نيكي بروشين، وهو شاب روسي يبلغ من العمر 27 عامًا، ويتابع حسابه 750,000 متابع، وقد بدأ ببث مقاطع فيديو يوثق فيها الاجتياح الروسي لأوكرانيا واللحظات الأولى لعبور القوات الروسية حدود جارتها. وبما أنّه روسي، فقد تعرض بروشين لوابل من الأسئلة حول موقفه من الحرب، فردّ بمقطع فيديو آخر يعبّر فيه عن معارضته الشديدة للحرب، وعن غضبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإصراره على شنّ الحرب ضد أوكرانيا. ثمّ عاد بروشين وبثّ مقطعًا آخر من سانت بطرسبرغ الروسية، حيث تجمع المئات من الروس للتعبير عن معارضتهم لحرب بلادهم على أوكرانيا.

 

@natashasrussia “No to war!”Right now in saint Petersburg. I'm with @nikiproshin ♬ original sound - Natasha from Russia

 

 

@nikiproshin

Bits of my LIVE from St.Petersburg: regular Russian people are against the violence. Many people are brave enough to go protesting (many get arrested)

♬ original sound - Niki Proshin

 

وقد بدا واضحًا من التفاعل مع الفيديوهات المناهضة للحرب أن الضحيّة أعلى صوتًا من الجلّاد على وسائل التواصل الاجتماعي، فلا أحد يصدّق الفيديوهات التي تنشرها الحسابات الموالية لروسيا والتي تحاول تسويغ الاجتياح العسكري لأوكرانيا، بينما يشتعل التفاعل على مقاطع الفيديو التي ينشرها الضحايا أو المتعاطفون معهم، وهو ما يشكّل تهديدًا واضحًا للبروباغاندا الروسية، ويساعد على تقويض سمعة الرئيس الروسي وتسخيف الادعاءات التي يسوقها لتبرير العدوان على أوكرانيا.

إعلام الحرب. هنا تيك توك

خلال الحرب العالمية الأولى، لم يكن بالإمكان معرفة أية معلومات عن الحرب وأحداثها إلا عبر الصحيفة المحليّة، لو توفّرت للقلّة القليلة التي تقرأ، في المدن التي تطبع الجرائد وتوزّعها. أما في الحرب العالمية الثانية، فكان المذياع هو رفيق الباحثين عن أخبار الحرب وتطوراتها، ثم جاء عصر التلفاز ونشرات الأخبار المسائية، قبل أن يتحوّل العالم مع حرب الخليج الثانية إلى خدمات الكابل والبثّ المباشر للأخبار. وفي كلّ مرحلة من هذه المراحل، كان الثابت الوحيد هو المراسل الصحفيّ، الذي يعمل صالح قناة تلفزة مختصّة بالأخبار، رسميّة أو شبه رسميّة، قلّما تكون بمنجًى عن التحيّز.

 

 

إلا أنّ ذلك كلّه تغيّر ويبدو من الماضي البعيد، في ظل السيطرة المطلقة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي باتت تتحوّل هي الأخرى وتتنافس، في تفوّق واضح في الآونة الأخيرة لمنصّة تيك توك، التي هدّدت المنصّات التي كانت سائدة قبلها، وفي مقدمتها فيسبوك وإنستغرام، وهي المنصّة التي كان لها في الحرب الأخيرة أن تحشد جيشًا من المؤثرين، سيكون الأكثر فعالية في خلق جبهة عالمية ضدّ بوتين ومطامعه التوسّعية في أوكرانيا.

فالغالبية العظمى من الشباب اليوم يستقون الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، وجزء متعاظم منهم يحصلون على وجبة الأخبار اليومية من تيك توك بشكل شبه حصري، ولاسيما مع التفضيل المتزايد لمحتوى الفيديو، رغم كل المحاذير التي يمكن أن ترتبط بالتعرف على الأخبار عبر السوشال ميديا، وبالأخص عبر تيك توك.

الغالبية العظمى من الشباب اليوم يستقون الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، وجزء متعاظم منهم يحصلون على وجبة الأخبار اليومية من تيك توك بشكل شبه حصري

فليست كل الفيديوهات تشتمل على معلومات دقيقة، بل كثير منها يمكن تصنيفه تحت خانة المضلل أو المغلوط أو المفبرك، وهو ما يعبّر عن الطبيعة الهجينة لهذه الحرب، والتي لا يعدّ السلاح هو العامل الفارق الوحيد فيها، بل يؤثر في مجرياتها وتحولاتها العديد من العوامل الأخرى، كالاقتصاد والهجمات السيبرانية والمجال الرقمي والشركات العالمية الكبرى، مثل فيسبوك وجوجل وتويتر وسبيس أكس، والتي أعلنت موقفها بوضوح بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، واتخذت خطوات عمليّة من شأنها أن تؤثّر على مسار الحرب لصالح أوكرانيا، أو بما يضمن حرمان روسيا من تحقيق كافة أهدافها المرجوّة من وراء هذا التحرّك العسكري.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفودكا الروسية.. خاسر غير متوقّع في الحرب الأوكرانية

​7 أفلام أوكرانية.. سينما من بلاد تحترق