12-ديسمبر-2019

اشترطت فرنسا على لبنان الإسراع في تشكيل حكومة للإفراج عن المساعدات (أرشيفية/ أ.ف.ب)

مع قرب دخول الانتفاضة اللبنانية شهرها الثالث، وفي ظل فشل المجموعة الحاكمة في إدارة الأزمة مع استمرار تأجيل الاستشارات النيابية، ليبقى لبنان بلا رئيس وزراء لأكثر من شهر، في سابقة لم تشهدها البلاد حتى خلال الحرب الأهلية؛ لجأت السلطة لسبيل المؤتمرات الدولية لتوسّل المال، وما يعنيه ذلك من تكدس الديون، في محاولة لتأجيل انهيار وشيك، بانتهاج نفس السياسات.

لجأت السلطة في لبنان إلى سبيل المؤتمرات الدولية لتوسل المال، وما يعنيه ذلك من تكدس الديون، في محاولة لتأجيل الانهيار الوشيك

يأتي ذلك في وقت يشهد فيه لبنان أزمة حادة في السيولة النقدية سواءً في الدولار الأمريكي أو حتى الليرة اللبنانية، فيما تحتجز المصارف ودائع المواطنين ورواتبهم، وتضع سقفًا للقيمة التي يمكن سحبها أسبوعيًا.

اقرأ/ي أيضًا: الانتفاضة اللبنانية بعيون الأحزاب.. الكثير من التخوين القليل من التأييد

تعويم السلطة وفرض خيار سعد الحريري

في الوقت الذي استمرت فيه لعبة حرق الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، والتي بدت مناورةً من سعد الحريري كي يعود إلى السراي مرة أخرى لكن بشروطه؛ كان الحريري نفسه يبعث برسائل إلى عدد من الدول العربية والعالمية، يناشدهم فيها بفتح اعتمادات حسابات في لبنان، لتمويل استيراد المواد الغذائية الأساسية، في ظل شح الدولار.

وعلى وقع انقسام اللبنانيين حول الموضوع، عُقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان في العاصمة الفرنسية باريس، برئاسة مشتركة بين فرنسا ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة بلبنان.

اجتماع باريس
من الجلسة الختامية لاجتماع باريس

وشارك في الاجتماع ممثلون عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة إلى عدد من الدول الأخرى مثل ألمانيا وإيطاليا والكويت والسعودية. وكان لافتًا تسريب مسودة للبيان الختامي للاجتماع قبل عقده، ما يشي بكونه اجتماعًا شكليًا، وبأن ما ورد فيه لم يكن إلا مقررًا بشكل مسبق.

ومن أبرز بنود مسودة البيان، إقرار المجتمعين بأن لبنان يواجه أزمة من شأنها تعريض البلاد للخطر والفوضى، والتأكيد على ضرورة تطبيق مجموعة من السياسات الشاملة لاستعادة الاستقرار المالي، ومعالجة الخلل البنيوي الطويل في الاقتصاد اللبناني.

وبحسب المسودة، يدعو البيان السلطاتَ اللبنانية إلى إقرار موازنة عام 2020، وإجراء إصلاحات عاجلة في قطاع الكهرباء، وإقرار قوانين لمكافحة الفساد وللإصلاح القضائي في هذا الشأن، وتحسين الحوكمة وبيئة الأعمال بإقرار قانون المشتريات.

"ارتهان" السلطة للخارج

يعيش لبنان اليوم مفارقة ارتداد اتهامات السلطة للانتفاضة بـ"ارتهانها لأجندات خارجية"، إلى السلطة نفسها، التي يرى المتظاهرون أنها باجتماع باريس، وضعت نفسها رهنًا للشروط الخارجية، استجداءً للدعم واسترجاءً للمال.

وكان وزير الخارجية الفرنسي، قد اشترط على اللبنانيين تشكيل حكومة "إصلاحية" في أسرع وقت، للإفراج عن المساعدات المالية والعينية للبنان، في الوقت الذي يتمسك فيه المنتفضون بمطلب الحكومة المستقلة غير المسيّسة، ما قد يعني أن فرنسا ومن خلفها المجتمع الدولي، أو الدول في اجتماع باريس على الأقل، يدفعون باتجاه تشكيل حكومة بأي طريقة، دون اعتبار لمطالب المنتفضين في الساحات والشوارع.

مظاهرات اللبنانيين في فرنسا
تظاهرة للبنانيين أمام وزارة الخارجية في باريس

يرى مراقبون أن في هذه الدعوة محاولةٌ ضمنية لتشويه الانتفاضة اللبنانية، إذا بقيت على تمسكها بتجاوز حكومات المحاصصة إلى الحكومة المستقلة، ما سيظهرها في موقف المعرقل لوصول المساعدات إلى لبنان، في حين أن مزيدًا من المساعدات الدولية، يعني مزيدًا من الديون المتراكمة على الدولة.

يأس السلطة

وكان لافتًا أنه على غير العادة في الاختلاف حول كل شيء، أجمعت أحزاب السلطة في لبنان هذه المرة، على التفاؤل من اجتماع باريس، ما يعكس حالة اليأس التي وصلت إليها المجموعة الحاكمة في البلاد، وتمسكهم بالقشة المحتملة لتجاوز الأزمة التي وضعتهم في مواجهة الشعب.

يعيش لبنان اليوم مفارقة ارتداد اتهامات السلطة للانتفاضة بـ"ارتهانها لأجندات خارجية"، إلى السلطة نفسها على إثر اجتماع باريس

في المقابل، كان مئات اللبنانيين يتظاهرون في فرنسا أمام مبنى وزارة الخارجية أثناء انعقاد الاجتماع، تأكيدًا على رفضهم دخول أي مغامرات جديدة تغرق بلادهم في مزيد من الديون، ملاقين في ذلك المتظاهرين في الساحات اللبنانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مع الشعب من مقام السلطة.. مواقف المؤسسات الدينية من الانتفاضة اللبنانية

خيال الثنائي الشيعي يكتشف الزراعة حلًا في لبنان!