11-ديسمبر-2019

زعماء حلف شمال الأطلسي في القمة الأخيرة بلندن (رويترز)

في الثالث من كانون الأول/ديسمبر الجاري، عقد في العاصمة البريطانية لندن، اللقاء الدوري لقادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ذكرى تأسيسه الـ70.

التوترات التي سبقت قمة زعماء دول حلف الناتو الأخيرة، جعلت نتائج هذه القمة موضع تشكيك حتى قبل انعقادها

وتكمن أهمية الحدث في أن العالم قادر على التنبأ، من خلال الأولويات والمهام التي يتبناها زعماء الناتو، الوجهة التي سوف تسير بها الأحداث في العالم. لكن التوترات التي سبقت توافد زعماء دول الناتو، للتأكيد على تماسك وفعالية هذا التحالف العسكري، هي ما جعلت نتائج هذا القمة موضع تساؤل وتشكيك حتى قبل أن تعقد.

اقرأ/ي أيضًا: الناتو يتأرجح.. خلافات عسكرية ومالية وسياسية تخيم على علاقات الحلفاء

التشكيك سيد الموقف

قبيل القمة علق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الوضع العام لحلف الناتو، معتبرًا أنه "في حالة موت سريري"، مدللًا على ذلك بالتدخل العسكري التركي في شمال شرق سوريا، دون تنسيق وموافقة مسبقة من حلفائها في الناتو، ومستهدفًا (أي التدخل العسكري التركي) حلفاءهم الذين واجهوا بهم تنظيم داعش، ألا وهم قوات سورية الديمقراطية (قسد)، التي يتم اختصارها اليوم بكل وضوح بـ"الحلفاء الأكراد".

ماكرون وترامب
وصف ماكرون الناتو بأنه "في حالة موتٍ سريري"

يأتي هذا التعليق من قبل الرئيس الفرنسي وهو لا يزال يؤكد في أروقة الاتحاد الاوروبي على مشروعه الخاص بـ"جيش أوروبي"، وهو ما عبر عنه بقوله: "من الجوهري، من جهة، قيام أوروبا الدفاعية، حيث تمنح نفسها استقلالية إستراتيجية وعلى صعيد القدرات في المجال العسكري، ومن جهة أخرى إعادة فتح حوار إستراتيجي مع روسيا، حوارٍ خال من أي سذاجة وهو أمر سيستغرق وقتا".

يأتي هذا في وقت تغيرت فيه التموضعات التي فرضت إقامة الناتو، بعد نهاية الحرب الباردة، الأمر الذي تجلى بتأكيد ماكرون بأن روسيا لم تعد اليوم التهديد الرئيسي الذي يواجه الناتو، بل هو خطر "الإرهاب الإسلامي".

هذا التعليق استفز المدفعية الخطابية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناصحًا الرئيس الفرنسي بضرورة مراجعة عيادة للتأكد من عدم موته هو سريريًا!

وهكذا أوحت الأجواء بأن هذا اللقاء سوف يكون ساحة للمواجهة الكلامية ما بين الرئيسين، خصوصًا وأن كلاهما أكد قبيل مغادرته بلاده للتوجه إلى هذه القمة، على تمسكه بموقفه، كما أكد كلاهما بأنهما سوف يواجهان بعضهما البعض بهذه الحقائق وجهًا لوجه، على طريقة أفلام الكاوبوي الأمريكية.

دونالد ترامب يخطف الأضواء

بيد أن الأجواء المشحونة ما كانت لتمنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من بذل الكثير من الجهد لاستعادة الأضواء، خاصةً وأنه قبل المؤتمر كان قد شارك الرئيس التركي استنكاره لتصريحات الرئيس الفرنسي. إلا أن الضجيج الذي أحدثه قبيل القمة السابقة في 2018، حول نية بلاده مغادرة هذا التحالف "نتيجة عدم فعاليته" بالنسبة للولايات المتحدة، على خلفية التوترات الكلامية مع ألمانيا قبيل القمة؛ حال دون تصعيده لهذا الموقف المؤيد لتركيا.

يضاف إلى ذلك أن ترامب جاء من خضم أزمة بطعم الفضيحة تجتاح مؤسسته الرئاسية أمام مجلس النواب الأمريكي، في سياق المحاكمة التي وصلت إلى مرحلة دقيقة من زاوية الإجراءات والنتائج، حيث ترافقت مجريات اللقاءات التمهيدية قبل القمة الرسمية مع إعلان اللجنة المكلفة بالتحقيق أن الرئيس الأمريكي قد استغل منصبه لأهداف شخصية وانتخابية تضر بمصلحة الولايات المتحدة.

تسريب بنكهة الخلاص

في ظل هذه الأجواء عقد ترامب وماكرون مؤتمرًا صحفيًا، أبدى فيه ترامب رغبته بأن توجه الأسئلة للرئيس الفرنسي الذي أبدع في تذكيرنا برئيس النظام السوري بشار الأسد، من زاوية  تأكيده بأن المشكلة مع الجانب التركي هي مشكلة خلاف حول تعريف الإرهاب، وبأن لقاءً سوف يجمع كل من الرئيس الأيراني والرئيس الأمريكي قريبًا الأمر الذي حاول الرئيس الأمريكي عدم إعطائه صيغة اليقين رغم احتمال حدوثه الكبير.

واستمر هذا المؤتمر لما يقارب  40 دقيقة، حاول خلالها ترامب أن يبدو بصورة الرئيس الرصين، متحدثًا باقتضاب على غير عادته. فيما شغل أغلب وقت المؤتمر الرئيس الفرنسي، وقد كان باديًا للعيان رغبته الكبيرة في استثمار هذه الفرصة.

وكان ملفتًا إنصات ترامب لتصريحات الرئيس الفرنسي، والتي كانت في كثير من تفاصيلها تُقوّل الرئيس الأمريكي ما لارغبة له في قوله، لكن اضطراره للعب دور رجل الدولة أكثر من تاجر العقارات، ألزمه الصمت.

في أعقاب هذا المؤتمر، فيما يبدو أنه لقاء في كواليس مؤتمر الناتو، التقطت إحدى الكاميرات حوارًا بين كل من رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو ووزير خارجية هولندا، بالإضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهم يتبادلون المزاح حول مجريات اللقاء الذي جمع كل من ترامب وماكرون.

لم يرق الأمر للرئيس دونالد ترامب، فغارد لندن في أعقاب التسريب، معلقًا في تغريدة عبر حسابه على"تويتر": "عندما تنتهي اجتماعات اليوم، سأعود إلى واشنطن، لن أعقد أي مؤتمرات صحفية في ختام الناتو، لأننا فعلنا الكثير خلال اليومين الماضيين. سفر آمن للجميع".

يشعر مراقبون بالقلق والدهشة من الخفة التي تُناقش بها مشاكل العالم، ممن يفترض بأنهم زعماء أقوى الدول، أي قادة الناتو

يبدو أن المهتمين في متابعة هذه الأحداث السياسية والتي يأملون من خلالها فهم الواقع السياسي والجهة التي سوف تسير بها الأحداث بناء على التوافقات التي تتمخض عن هكذا مؤتمرات؛ يشعرون بشديد القلق والدهشة نتيجة هذه الخفة التي تناقش من خلالها مشاكل العالم، ممن يفترض بأنهم زعماء أقوى الدول، الأمر الذي يدفع الكثير من المراقبين لتمني ألا نضطر لمتابعة مجريات لا مؤتمر الناتو ولا أي مؤتمر آخر على شاكلته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف سينتهي حلف الناتو؟

حول زيارة أردوغان لواشنطن.. خفّة "ترامبية" تسود العالم