21-أكتوبر-2022
مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في سوريا

أكجيمال ماغتيموفا

كشف تقريرٌ لوكالة الأسوسيتد برس عن الواقع الصادم والفساد الكبير المتفشّي في مكتب منظّمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في سوريا.

يكشف التقرير تفاصيل عن عن أنشطة مشبوهة وعلاقات فاسدة بمسؤولين في نظام الأسد قامت بها مديرة المكتب أكجيمال ماغتيموفا

يتمحور التقرير حول أنشطة مديرة المكتب، الدكتورة أكجيمال ماغتيموفا، حيث يكشف تفاصيل عن محاباتها وعلاقاتها الفاسدة بمسؤولين في نظام الأسد، وإقامتها لحفلات فارهةٍ بعشرات آلاف الدولارات، فضلاً عن سوء إداراتها لملايين الدولارات من التبرّعات وأموال المنظّمة، في الوقت الذي كانت فيه سوريا تواجه واحدةً من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.

Akjemal Magtymova
أكجيمال ماغتيموفا

ويستند التقرير الاستقصائي التي نشرته الوكالة على أكثر من 100 وثيقة سرية قامت بالحصول عليها، ومقابلاتٍ مختلفة مع عاملين (حاليين وسابقين) في منظّمة الصحة العالمية في سوريا.

يأتي التقرير أيضاً ضمن تحقيقٍ أوسع تُجريه المنظّمة نفسها بالمزاعم الموجّهة بحق ماغتيموفا بعد ورود شكاوى من عشرات الموظّفين أدّت إلى ما كان أحد أكبر التحقيقات الداخلية منذ سنوات، بحسب الوكالة، إذ أكّدت المنظّمة في تصريحاتها للأسوسيتد برس أن التحقيق "المعقّد والطويل" الذي امتد لعدة أشهر لا يزال جارياً مع الاستعانة بمحقّقين خارجين، إلا أنها اعتذرت عن التعليق على الادعاءات "صوناً للأمن والسرية واحتراماً للعمل الجاري."

من ناحيتها رفضت ماغتيموفا التعليق على هذه التهم "بحكم منصبها في المنظّمة"، واكتفت بوصف الادعاءات التي وردت بحقها بأنها "افترائية."

 

ويُذكر أن ماغتيموفا تسلّمت منصب مديرة مكتب منظّمة الصحة العالمية في سوريا في أيّار/مايو 2020 بعد عملها مع مكاتب المنظّمة في عُمان واليمن.

هدايا ومحسوبية لمسؤولين في نظام الأسد ولقاءات سرية مع الجيش الروسي

كشفت الوثائق والمقابلات التي أجرتها الوكالة أن ماغتيموفا، تركمانية الجنسية، جمعتها علاقةٌ فاسدة بمسؤولين في نظام الأسد اشتملت على إعطائهم هدايا كحواسيب وعملاتٍ ذهبية وسيارات، كما كشف التقرير أيضاً عن إجبار ماغتيموفا العاملين في المنظّمة على التوقيع على عقودٍ مع مسؤولين بمناصب عليا في النظام.

وقال التقرير أيضاً أن ستة عاملين في المنظّمة، طلبوا من الأسوستد برس عدم الكشف عن أسمائهم، قد كشفوا أن ماغتيموفا جلست في لقاءاتٍ سرية مع الجيش الروسي، وقدّمت "خدماتٍ" لمسؤولين رفيعين في النظام السوري، وهو ما يشكّل خرقاً لمبدأ الحياد الذي يُفترض أن تنتهجه هيئات الأمم المتحدة في الصراع السوري.

وفي رسالة شكوى أرسلها أحد العاملين إلى المدير العام لمنظّمة الصحة العالمية، قال أحد العاملين أن ماغتيموفا قد وظّفت أقارب لمسؤولين في نظام الأسد، والأفظع من ذلك أن بعضهم متهمون بارتكاب "عددٍ لا يُحصى من انتهاكات حقوق الإنسان" بحسب ذات التقرير. 

وذكرت ذات الشكوى أن "الدكتورة ماغتيموفا وتصرّفاتها العدوانية تؤثّر سلباً على عمل منظّمة الصحة العالمية في سوريا في دعمها للشعب السوري. لقد حُرم السوريون المحتاجون الشيء الكثير، وكل ذلك بسبب المحسوبية والاحتيالات والفضائح التي تسبّبت بها، ودعمتها، الدكتورة ماغتيموفا، وهو ما يُذيب كل الثقة وينفّر المتبرّعين."

من الجدير بالذكر في هذا السياق أن الأمم المتحدة قد لاقت الكثير من النقد بسبب علاقتها وتمويلها غير المباشر لمؤسّسات النظام، ومن ذلك عمل نظام الأسد على الاستيلاء وتحويل عشرات ملايين الدولارات من أموال الإغاثات، وقدرته على السيطرة والهيمنة على المؤسّسات الإغاثية في سوريا، بدعمٍ من روسيا، إضافةً إلى استخدامه لعددٍ من الواجهات لجذب التمويل وإلباس نفسه صورةً مدنية تُخفي طبيعته الوحشية، وأهم هذه الواجهات هي الأمانة السورية للتنمية التي ترأس مجلس إدارتها أسماء الأسد.

ويُضاف إلى ذلك أيضاً عقود مناقصة وشراء وقّعت عليها الأمم المتحدة مع مسؤولين متهمين بانتهاكات حقوق الإنسان في نظام الأسد، بل إن الأمم المتحدة تضغط بنفسها على المتبرّعين للسماح لها بالتعامل وتوقيع العقود مع نظام الأسد بالرغم من العقوبات المفروضة عليه,

إهدار ملايين الدولارات على حفلات فارهة واستجابة كارثية لكورونا

 يكشف التقرير أيضاً عن إهدار مكتب منظّمة الصحة العالمية للأموال، ووجود فسادٍ مالي تحت إمرة ماغتيموفا أثار قلق مسؤولين رفيعين في المنظّمة، حيث تكشف رسالةٌ من منظّمة الصحة العالمية لماغتيموفا عن مطالبتهم بشرح عدم تطابقٍ بين الوُصول المدفوعة مع كميات الأدوية الموجودة فعلاً في أحد المشاريع في شمال سوريا، وغير ذلك من المعدات الطبية كالكراسي المتحرّكة، وتذكر الرسالة أن المبنى الذي كان يُفترض أن يكون مستودعاً لهذه المعدات الطبية كان فارغاً.

وكشف مسؤولون آخرون للمحقّقين أن ماغتيموفا متورّطةٌ بعددٍ من العقود المشبوهة، منها صفقة نقلٍ حصل بموجبها أحد المورّدين على ملايين الدولارات، ويذكر التقرير أن هذا المورّد كانت تجمعه علاقةٌ شخصيةٌ بماغتيموفا، وفي مناسبةٍ أخرى استلمت ماغتيموفا مبلغ 20 ألف دولار نقداً لـ"شراء أدوية" دون وجود أي طلبٍ لشراء أدوية من الحكومة السورية.

كشف التقرير عن حفلةٍ أقامتها ماغتيموفا على شرفها كانت تكلفتها 11 ألف دولار

كما ويكشف التقرير عن حفلةٍ أقامتها ماغتيموفا على شرفها كانت تكلفتها 11 ألف دولار. وشمل برنامج الحفل كلمةً لوزير الصحة في نظام الأسد، ويكشف التقرير عن البذخ والأطعمة الفارهة التي كانت حاضرةً في الحفل، مع الاستعانة بشركةٍ لتصوير الحفل، وكان ذلك جزءً من مناسباتٍ جماعيةٍ أخرى كانت تنظّمها ماغتيموفا رغم إجراءات الحظر، بل إن خمس عاملين على الأقل اشتكوا من قدوم ماغتيموفا إلى مكتبها للعمل وهي مصابةٌ بكورونا دون ارتدائها لقناع، ولم تشجّع العاملين على العمل عن بعد.

تقيم ماغتيموفا، كغيرها من عمال المنظّمات الدولية، في فندق الفور سيزونز في العاصمة السورية دمشق، ولكن الفرق أن ماغتيموفا اختارت لنفسها جناحاً فارهاً حصلت عليه بسعرٍ مخفّض. ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد فرضت عقوباتٍ على هذا الفندق لدوره في تمويل نظام الأسد، في حين يقدّر التقرير أن الأمم المتحدة قد أنفقت 70 مليون دولار على هذا الفندق منذ 2014.

يقدّر التقرير أن الأمم المتحدة قد أنفقت 70 مليون دولار على هذا الفندق الذي تقيم فيه ماغتيموفا منذ 2014

يأتي كل ذلك في الوقت الذي تعيش فيه سوريا والشعب السوري أزمةً إنسانية عصيبةً، فاقمتها جائحة كورونا والاستجابة الكارثية لماغتيموفا وفريقها للأزمة، وهو ما أثار استياء عاملي المنظّمة أنفسهم حيث صرّح أحد العاملين السابقين: "كان الوضع في سوريا بائساً خلال الجائحة. لم تكن المنظّمة تقدّم المعونة الكافية للسوريين. كانت المعدات الطبية تركّز على دمشق دون أن تغطّي المناطق الأخرى في سوريا" على الرغم من النقص الحاد في المعدات والأدوية في مختلف أنحاء البلاد.