تثار العديد من الأسئلة حول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، فثمّة من يتساءل عن مدى التغييرات التي أحدثها في القرار 1701 الذي أنهى حرب 2006، وثمّة من يثير أسئلة أخرى لا تقل أهميةً عن الأضرار التي لحقت بالطرفين ومدى قدرة الاتفاق الحالي على الصمود في ظل اختلال معادلات الردع؟
تجدر الإشارة إلى أنّ الحرب التي وضعت أوزارها بين إسرائيل وحزب الله تسببت في مقتل حوالي 4000 لبناني ونزوح أكثر من مليون شخص، وفي الطرف الآخر قُتل 100 إسرائيلي ونزح نحو 60 ألف من منازلهم.
يرى الباحث في جامعة جورج تاون، دانييل بايمان، في مقالٍ له على مجلة "فورين بوليسي" أنّ الفكرة المركزية في اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان تتمثل في نشر الجيش اللبناني في الجنوب، لخلق حاجز يفصل بين إسرائيل وحزب الله، ولعلّ ذلك ما يفسّر أنّ وحدات الجيش ستتضاعف بشكلٍ كبير في تلك المنطقة خلال الأيام القليلة المقبلة. لكنّ هذا الإجراء لوحده قد لا يكون كافيًا في السيطرة على الأوضاع، في ظلّ توقعات أن تتواصل الضربات المحدودة دون أن تُطيح بالاتفاق الذي يبدو أنّه صمّم ليستمر، حيث لم يمنح إسرائيل حرية العمل في لبنان كما تريد، وإن كانت مصادر إسرائيلية تحدثت عن ضمانات أميركية لإسرائيل بالقيام بذلك متى علمت بوجود انتهاك.
الفكرة المركزية في اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان تتمثل في نشر الجيش اللبناني في الجنوب
سؤال الأضرار وتداعياتها:
التحق حزب الله اللبناني بالحرب على غزة في دور الإسناد منذ أكثر من عام، وتشير التقديرات حينها إلى أنّ حزب الله كان يعدّ أحد أقوى الجماعات المسلحة في العالم بترسانة من الصواريخ والقذائف تقدّر بنحو 150 ألف، ونحو 30 ألف مقاتل يعملون بدوام كامل ومثلهم تقريبًا في الاحتياط، هذا فضلًا عن تحصينات ممتدة على كامل التراب اللبناني وقيادة تحظى بثقة واحترام جنودها.
وتزعم دوائر تحليل غربية أنّ الهجمات الإسرائيلية على حزب الله قلّصت من قوته بشكل كبير، بدءًا من تفجيرات البيجر وتخريب أجهزة الحاسوب المحمولة التابعة للحزب، وصولًا إلى الاغتيال المنهجي لقادة الحزب وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله وخليفته.
وتدّعي إسرائيل وحليفها الأميركي أنّ نصف ترسانة حزب الله من الصواريخ والقذائف جرى تدميرها، وأنّ العملية البرية على طول الحدود نجحت في تدمير مواقع لوجستية مهمة للحزب وخاصةً الأنفاق.
لكنّ هذا ليس شيئًا يمكن البناء عليه للجزم بأن إسرائيل انتصرت وأن حزب الله قد خسر، فكما نجح الحزب بعد حرب 2006 في بناء قوته من جديد وتطوير ترسانته، يتوقع أن يركّز الحزب في الفترة المقبلة على رفع جودة أنظمته وترتيب صفوفه وتجاوز أضراره، دافعه في ذلك ليس مواجهة إسرائيل فقط، وإنما إبقاء وضعه في لبنان كأقوى قوة عسكرية.
وترى "فورين بوليسي" أن تلك المهمة لن تكون صعبةً، فإيران التي تعتبر حزب الله رأس حربة في الصراع مع إسرائيل ستوفر للحزب دعمًا إضافيًا نوعيًا لا يضمن تعافيه فقط، وإنما يرفع جاهزيته، من خلال تزويده بأنظمة توجيه دقيقة وأسلحة أكثر فعالية.
بل إنّ الباحث دانييل بايمان لا يستبعد أن تدخل روسيا على خط الداعمين، لأنها تعمل مع حزب الله في سوريا، وبالتالي قد "تقرر في إطار سياستها الخارجية المناهضة للولايات المتحدة، زيادة مساعداتها لإيران، وهي تعلم أن بعض ما تقدمه سيصل إلى لبنان".
وقد لا تقتصر التداعيات عند هذا المستوى، فإيران على افتراض أنّ "حلفاءها أو وكلاؤها" قد تضرّروا على نحوٍ كبير، وبالنظر إلى عودة ترامب الذي يتبنّى نهجًا عدائيًا ضدّها، قد تجد إيران نفسها ترد على هذه التحديات بـ"تطوير سلاح نووي، وهي بالفعل قريبة من القيام بذلك" حسب "فورين بوليسي".
يشار، في هذا السياق، إلى أنّ التقييم الذي أصدرته الاستخبارات الأميركية تموز/يوليو الماضي، خلص إلى أنّ "إيران تواصل زيادة حجم مخزونها من اليورانيوم، وقدرتها على التخصيب وتطوير وتصنيع وتشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، كما أن طهران تتمتع بالبنية الأساسية والخبرة اللازمة لإنتاج اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة بسرعة، في منشآت متعددة إذا اختارت القيام بذلك".
سؤال تكرار الحرب:
على الرغم مما ينطوي عليه اتفاق وقف إطلاق النار من نقاط ضعف وما يحيط به من تهديدات، إلّا أنّ الراجح هو صموده لأطول فترة ممكنة، وذلك على غرار اتفاق 2006 الذي صمد 18 عامًا على الرغم من أنّ الأداء العسكري الإسرائيلي حينها كان أضعف بكثير مقارنةً مع الحرب الأخيرة، وبالتالي من المرجّح أن يمتنع حزب الله عن مهاجمة إسرائيل لأطول فترة ممكنة حسب التوقعات الأميركية والإسرائيلية.
لكن ما لا يمكن ضمانُه هو التزام إسرائيل بالاتفاق وعدم توجيه ضربات ضدّ حزب الله في الأمد الزمني القريب، إذ من المستبعد أن توكِل تل أبيب "أمنها" إلى انتشار الجيش اللبناني على الحدود. وعليه لا تستبعد "فورين بوليسي" أن تُقدم دولة الاحتلال على ضرب "أنظمة أسلحة الحزب ومخابئه التي تعتبرها تهديدًا متجاهلة وقف إطلاق النار".