1. قول

اتفاق شرم الشيخ.. هدوء هش فوق رماد غزة

14 أكتوبر 2025
احتفالات غزة
احتفالات الفلسطينيين في غزة بوقف إطلاق النار (منصة إكس)
أغيد حجازي أغيد حجازي

رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، وتبادل الأسرى، وخطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكنيست الذي أعلن فيه "نهاية الحرب"، ثم التوقيع في مؤتمر شرم الشيخ على وثيقة شاملة بمشاركة أكثر من 31 قائدًا من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، لا تزال الشكوك تحيط بمستقبل هذا الاتفاق.

الجيش الإسرائيلي انسحب إلى الخط الأصفر المتفق عليه، غير أن الانتهاكات لم تتوقف تمامًا، إذ استُشهد ستة فلسطينيين مدنيين منذ بدء سريان الهدنة، نتيجة استهدافات بطائرات "الكواد كوبتر" وقذائف الدبابات وإطلاق النار المباشر من قبل جنود الاحتلال.

كما قررت الحكومة الإسرائيلية عدم فتح معبر رفح، غدًا الأربعاء، وتقليص دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل كبير، بذريعة أن حركة حماس تماطل في تسليم جثث المحتجزين الإسرائيليين داخل القطاع.

وهو ما يثير تساؤلاتٍ جوهرية ما زالت مطروحة حول مدى التزام إسرائيل ببنود الاتفاق، والأهم حول طبيعته وحدوده السياسية، إذ يبدو أقرب إلى هدنةٍ مؤقتةٍ منه إلى تسويةٍ استراتيجيةٍ شاملة. فلا وجود حتى الآن لأي حديثٍ واضح عن المرحلة الثانية التي ما زالت تفاصيلها غامضة، ولا عن مستقبل الدولة الفلسطينية، أو آلية إدارة غزة، أو مصير سلاح المقاومة، أو حتى الأسرى الذين ما زالوا في سجون الاحتلال.

الجيش الإسرائيلي انسحب إلى الخط الأصفر المتفق عليه، غير أن الانتهاكات لم تتوقف تمامًا

وهكذا، يقف الاتفاق عند حدودٍ ضبابية تمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة، وتترك الفلسطينيين أمام واقعٍ سياسي معلّق، لا يضمن سيادةً ولا يحقّق عدالةً، بل يعلّق مصيرهم على مرحلةٍ قادمة لم تتضح ملامحها بعد، في مشهدٍ يعيد إنتاج الدوائر ذاتها من "السلام المؤقت" الذي طالما استخدمته إسرائيل لتثبيت وقائع جديدة على الأرض.

سلاح المقاومة: المعضلة المؤجلة

أبرز القضايا التي تُهدّد استمرار الاتفاق هي مسألة سلاح المقاومة الفلسطينية. فإسرائيل تشترط أن الانتقال من الخط الأصفر إلى الخط الأحمر، أي استكمال الانسحاب من غزة، يتوقف على "نزع سلاح المقاومة بالكامل".

لكن هذا الشرط يفتح الباب أمام تساؤلات معقدة: من هي الجهة التي ستتولى سحب السلاح؟ ومن سيشرف على التنفيذ؟ وبحسب ما تطرحه المقاومة، فإن السلاح سيُسلّم إلى الإدارة الفلسطينية المعنية بإدارة غزة، غير أن هذه الإدارة لم يُتفق بعد على أعضائها أو صلاحياتها، كما لم يتضح ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستقبلان بها أو ستفرضان أسماء بعينها.

ثم إن السؤال الأهم يبقى: ما هو المعيار الذي سيُعتمد لتحديد أن السلاح قد سُحب فعلًا؟ ومن سيصدر القرار النهائي بذلك؟ فإسرائيل على سبيل المثال تعتبر الأنفاق جزءًا من منظومة السلاح، ما يثير الشكوك حول نيتها في استخدام هذا الملف ذريعة لتعطيل الانتقال إلى المرحلة الثانية وإبقاء قواتها داخل الخط الأصفر، أي في نحو نصف مساحة قطاع غزة.

بهذا الشكل، تكون إسرائيل قد أبقت لنفسها موطئ قدم في القطاع، فيما يظهر ترامب بمظهر "المنتصر" الذي أنهى الحرب، وتُوضع المقاومة في موقف حرج يمنعها من أي تحرك عسكري لتحرير ما تبقى من الأراضي، خشية اتهامها بخرق وقف إطلاق النار، رغم أحقّيتها القانونية والوطنية في ذلك.

مصير القضية الفلسطينية: غياب الحل واستبداله بالوصاية

القضية الفلسطينية تدخل اليوم واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ عام 1948. فالاتفاق الأخير لم يتطرق إلى الحل النهائي، بل جاء ليكرّس واقعًا جديدًا يُخرج غزة من معادلة "الدولة الفلسطينية"، ويجعلها تحت إدارة دولية وفقًا لرؤية ترامب، الذي سبق أن أعلن اعترافه بالقدس تحت السيادة الإسرائيلية.

الإصرار الإسرائيلي الأميركي على تجاوز "حل الدولتين" يعكس توجهًا واضحًا نحو فرض تسوية مبنية على الإخضاع بدل العدالة، وعلى الأمن الإسرائيلي بدل الحقوق الفلسطينية. وفي ظل تدمير البنية التحتية للفصائل المقاومة في غزة والمطالبات بإخراج قياداتها من القطاع، يبدو أن الهدف هو إنهاء أي شكل من أشكال النضال المسلح وتجريد القضية من أدوات قوتها.

وثيقة شرم الشيخ التي نشرها البيت الأبيض تبدو مليئة بالعبارات المنمقة حول "السلام والكرامة والازدهار"، إذ نصت على أن "السلام الدائم هو ذلك الذي يتمكن فيه كل من الفلسطينيين والإسرائيليين من الازدهار مع ضمان حقوقهم الإنسانية الأساسية وحماية أمنهم وصون كرامتهم".

لكن هذا الخطاب، الذي يدّعي المثالية والتسامح، يصلح في "المدينة الفاضلة" في أحلام افلاطون، ولا يعكس واقع غزة التي دُمّرت على رؤوس سكانها، وعشرات الآلاف من الشهداء ومئات آلاف الجرحى والمفقودين.

يبدو أن تل أبيب تسعى، من خلال الغموض المقصود والقبول بالوثائق المليئة بالعبارات المنمّقة، إلى تحويل اتفاق شرم الشيخ إلى نسخةٍ مكررةٍ من اتفاق أوسلو الذي وُصف آنذاك بأنه بداية السلام، لكنه انتهى إلى واحدةٍ من أكثر مراحل الاحتلال رسوخًا. والنتيجة: حيلٌ إسرائيليةٌ جديدة تُعيد إنتاج الوعود الشكلية ذاتها، وتُستخدم لتجميل واقع الاحتلال وتثبيته لا لإنهائه.

الإصرار الإسرائيلي الأميركي على تجاوز "حل الدولتين" يعكس توجهًا واضحًا نحو فرض تسوية مبنية على الإخضاع بدل العدالة

الأسرى الفلسطينيون: الفرصة التي ضاعت

كان من الممكن أن يشكّل الاتفاق فرصة تاريخية لإنهاء مأساة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. لكن حرب الإبادة الجماعية التي فرضت على غزة، والضغوط الدولية التي رافقت المفاوضات، جعلت صفقة التبادل محدودة، من دون أن تشمل جميع الأسرى.

وبغياب أي آلية واضحة أو ضمانات دولية لاستكمال عمليات الإفراج، يبقى مصير آلاف الأسرى الفلسطينيين مجهولًا. وهكذا، تتحول قضيتهم من ملفٍّ كان قابلًا للتحقيق — كما حدث في اتفاقات سابقة — إلى ملفٍّ أُفرغ من مضمونه مع مرور الوقت، ثم أُرجئ إلى أجلٍ غير مسمّى.

اتفاق شرم الشيخ، بكل ما حمله من ضجيج دبلوماسي واحتفاء إعلامي، لا يبدو أكثر من هدنة سياسية معلّقة على شروط القوة. فإسرائيل ما زالت تحتفظ بنصف قطاع غزة، وواشنطن تسوّق ما تعتبره "نهاية الحرب" كإنجاز انتخابي لترامب، بينما يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقعٍ جديد: لا حرب كاملة، ولا سلام حقيقي.

في المحصلة، لم يكن اتفاق شرم الشيخ سوى محطة أخرى في سلسلة طويلة من الاتفاقات التي تؤجل الصراع بدل أن تُنهيه، وتُعيد إنتاج معادلة مختلّة تجعل من الفلسطينيين الطرف الوحيد المطالب دائمًا بتقديم التنازلات، في حين تبقى إسرائيل القوة التي تكتب شروط "السلام" على أنقاض المدن المدمرة.

كلمات مفتاحية
كوليج دو فرانس

"كوليج دو فرانس" إذ ينقلب على نفسه

أن يلغي "كوليج دو فرانس"، مؤتمرًا عن فلسطين مع المركز العربي للأبحاث تحت ضغط لوبيات يمينية وإسرائيلية، فهذا خبر يستحق التوقف

محمد عبد الكريم

هل تعرفون عازف بزق عربيًا اسمه محمد عبد الكريم؟

حلمتُ مرةً أن عازفًا سوريًا اسمه محمد عبد الكريم

ساذج نصار

في مديح امرأة فلسطينية قوية

اسمها ساذج نصّار (1900-1970)، وُلدت في الناصرة وماتت في دمشق، من أصول إيرانية، والدها بديع الدين بهائي كان مقيمًا في عكا

حرب السودان
سياق متصل

السودان.. جدل المبادرة الرباعية وتحديات العمل الانساني في زمن الحرب

تشهد العاصمة الإدارية بورتسودان حراكًا مكثفًا، حيث استقبلت وفدًا من مسؤولي الأمم المتحدة من نيويورك، بالإضافة إلى وزير الخارجية المصري

فرقة رولينغ ستونز (شبكات تواصل اجتماعي)
نشرة ثقافية

بيع مقتنيات نادرة لفرقة رولينغ ستونز في مزاد علني

مزاد علني لمقتنيات فرقة رولينغ ستونز

العراق
سياق متصل

الانتخابات العراقية: ارتفاع المشاركة وبدء الفرز وسط ترقب للنتائج الأولية

تتوجه الأنظار في العراق نحو الإعلان المرتقب للنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي أجريت يومي الاثنين والثلاثاء

معرض كايروكوميكس (الترا صوت)
فنون

قرن من الرسوم: مهرجان "كايروكوميكس" يعيد اكتشاف جذور الإبداع المصري

مهرجان "كايروكوميكس"