اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا.. موطئ قدم لواشنطن في جنوب القوقاز يثير مخاوف موسكو
9 أغسطس 2025
وقّعت أذربيجان وأرمينيا، أمس الجمعة، اتفاقية سلام بوساطة أميركية خلال لقاء في البيت الأبيض جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنظيريه الأذري إلهام علييف والأرميني نيكول باشينيان. وينص الاتفاق على تطبيع كامل للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، منهياً عقودًا من الصراع في جنوب القوقاز، المنطقة التي عانت من حدود مغلقة وصراعات عرقية متجذرة.
كما يرفع الاتفاق القيود على التعاون الدفاعي بين أذربيجان والولايات المتحدة، ويمنح واشنطن حضورًا حيويًا في القوقاز من خلال شراكات اقتصادية واستراتيجية مع الطرفين.
وإذا صمد الاتفاق، فسيُعد إنجازًا بارزًا لإدارة ترامب، إذ يمنح الولايات المتحدة موطئ قدم في نطاق تعتبره روسيا حيويًا. وعلى مدى عقود، كانت موسكو الوسيط الأبرز في النزاع، لكن يبدو أن باكو ويريفان فضّلتا هذه المرة الرعاية الأميركية على المقترحات الروسية، التي كانت تراعي مصالح موسكو، وفق تقرير لشبكة "بي بي سي".
يُنهي اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا عقودًا من الصراع بين البلدين
وخلال حفل توقيع اتفاق السلام في البيت الأبيض، قال ترامب، الذي كان محاطًا بالرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان: "لقد خاضا حربًا طويلة استمرت 35 عامًا، والآن أصبحا صديقين، وسيظلان صديقين لفترة طويلة"، وفق تعبيره.
ويعود الصراع الأرميني الأذري إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حين انفصل إقليم ناغورنو كاراباخ — وهو منطقة جبلية أذربيجانية يقطنها غالبية أرمنية — عن أذربيجان بدعم من أرمينيا، قبل أن تستعيد باكو السيطرة الكاملة عليه عام 2023، ما دفع نحو 100 ألف أرمني إلى النزوح إلى أرمينيا.
وبحسب تصريحات الرئيس ترامب، التزم البلدان في الاتفاق الجديد بوقف القتال، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية، واحترام سلامة أراضي كل منهما.
حقوق حصرية أميركية
تتضمن الاتفاقية بين أذربيجان وأرمينيا حقوقًا حصرية للولايات المتحدة، أبرزها إنشاء "ممر عبور استراتيجي عبر جنوب القوقاز"، قال البيت الأبيض إنه "سيسهل زيادة صادرات الطاقة والموارد الأخرى"، وسيُطلق عليه اسم "ممر ترامب للسلام والازدهار الدوليين". وسيصل هذا الممر أذربيجان بجمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي، بعدما كانت تفصل بينهما أراضٍ أرمينية. وكان الرئيس الأذري إلهام علييف قد طلب سابقًا من أرمينيا ممرًا للسكك الحديدية إلى نخجوان، لكن يريفان اشترطت السيطرة على الطريق، ما دفع علييف إلى التهديد بالاستيلاء عليه بالقوة، الأمر الذي جمد مفاوضات السلام حينها.
وكشف ترامب أن الولايات المتحدة وقعت اتفاقيات منفصلة مع أذربيجان وأرمينيا لتوسيع التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، دون أن يكشف تفاصيل تلك الصفقات، مؤكدًا أن "شركات أميركية ستستثمر في أذربيجان وأرمينيا بمبالغ كبيرة، وهذا سينعكس إيجابًا على وضع البلدين"، وفق تعبيره.
كما أعلن الرئيس الأميركي رفع القيود المفروضة على التعاون الدفاعي بين أذربيجان والولايات المتحدة، وهو تطور قد يثير قلق موسكو أيضًا، بحسب وكالة "رويترز".
تشديد الخناق على روسيا
يرى خبراء تحدثوا لـ"رويترز" أن اتفاق السلام الموقّع بين أرمينيا وأذربيجان يمكن أن يُحدث تحولًا استراتيجيًا في منطقة جنوب القوقاز، المجاورة لروسيا وأوروبا وتركيا وإيران، والتي تمر عبرها خطوط أنابيب نفط وغاز مهمة.
وفي هذا السياق، قال بريت إريكسون، الخبير في مجال العقوبات ومستشار كلية الحقوق بجامعة لويولا في شيكاغو، إن الاتفاق سيساعد الغرب على التصدي لمحاولات روسيا التهرب من العقوبات، مضيفًا: "لطالما كانت القوقاز نقطة ضعف في سياسة العقوبات، وإن السلام الرسمي يُهيئ منصةً للغرب للتواصل مع أرمينيا وأذربيجان، لإغلاق خطوط أنابيب التهرب".
من جانبها، ترى تينا دولبايا، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في لندن، أن هناك العديد من الأسئلة العالقة حول الاتفاق، مثل الشركات الأمريكية المحتمل أن تتولى إدارة الممر الجديد، ومدى مشاركة أرمينيا وأذربيجان في بنائه. وأكدت أن روسيا "ستغضب على الأرجح من استبعادها من الاتفاقية، ومن الدور الأمريكي في الممر"، لكنها حذّرت من الإفراط في التفاؤل، مشيرةً إلى أن البلدين سبق أن وقّعا اتفاقيات سلام ثم تراجعا عنها.
ترحيب إيراني بالاتفاق
رحّبت وزارة الخارجية الإيرانية باتفاق السلام بين باكو ويريفان، واصفةً إياه بأنه "خطوة مهمة نحو سلام إقليمي دائم"، لكنها حذّرت من أي تدخل أجنبي قرب حدودها قد "يقوّض أمن المنطقة واستقرارها".
وفي بيان نُشر على منصة "إكس"، أكدت الخارجية الإيرانية استعداد طهران للعمل مع البلدين عبر القنوات الثنائية والأطر الإقليمية.
ترامب ونوبل للسلام
أشاد كل من الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بدور ترامب في إنهاء الصراع بين بلديهما، وأعلنا عزمهما ترشيحه لجائزة نوبل للسلام. ويسعى ترامب، منذ بداية ولايته الرئاسية الثانية، إلى ترسيخ صورته كـ"صانع سلام عالمي"، وينسب إليه البيت الأبيض التوسط لوقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند، وإبرام اتفاقيات سلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكذلك بين باكستان والهند.
ومع ذلك، لم يتمكن من إنهاء الحرب الروسية ـ الأوكرانية المستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف، كما لم يوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بل بدا في مواقفه منسجمًا مع أهداف حكومة نتنياهو لإطالة أمد الصراع وتوسيع نطاقه، بما في ذلك دعمه الضمني لخطة الاحتلال الكامل للقطاع، رغم تحذيرات الأمم المتحدة من تداعياتها الكارثية.