13-أغسطس-2020

تسعى الإمارات إلى دور إقليمي من خلال تطبيع علاقتها مع إسرائيل (تويتر)

لم يكن إعلان الإدارة الأمريكية توقيع اتفاقية لتطبيع كافة العلاقات بين الإمارات وإسرائيل مفاجئًا، فقد جاء بعد سنوات طويلة من التطبيع ثم التحالف شبه الرسمي في جل الملفات الإقليمية والدولية، غير أن أهم ما يميز الخطوة، التي اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنها جاءت في "يوم تاريخي"، هو أنها تأتي منفصلة انفصالًا كاملًا عن مسار اتفاقيات التسوية التي وقعتها دول عربية سابقًا مع إسرائيل.

 الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي تجاوز زمن التطبيع أو التسوية، ولا ينتمي بالتأكيد إلى زمن "كامب ديفد" و"وادي عربة"

قد نجد في بيان الاتفاق ملامح متفرقة من مشاريع التسوية العربية تلك، مثل افتراض أن الخطوة ستكون مدخلًا سحريًا لانفتاح اقتصادي وازدهار شامل، أو من ناحية أنها "ستحمي" بعض الأراضي، في إشارة إلى تعليق "الإعلان عن فرض السيادة الإسرائيلية" على بعض مناطق الضفة الغربية. لكنها كلها تفاصيل باهتة تعجز عن إخفاء العنوان الرئيس. وهو أن ما يحدث قد تجاوز زمن التطبيع أو التسوية، وأنه لا ينتمي بالتأكيد إلى زمن "كامب ديفد" و"وادي عربة".

اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. العلاقات الإسرائيلية الإماراتية إلى العلن

لم يأت الاتفاق بعد صراع عسكري، ولم يتضمن قبولًا حتى بعلاقات الأمر الواقع التي فرضتها نتيجة حرب ما. والقول إنها اتفاقية سلام، حسب تعبير بيان الإعلان الرسمي عنها، لا يبدو دقيقًا، كما أنها لم تكن "تسوية" بقدر ما هي مبادرة، ربما لتنظيم تحالف كان قد تجاوز مفهوم التطبيع من فترة، ووصل إلى بناء حلف، وتصميم خارطة مشتركة من الأعداء والأصدقاء.

كان اللافت أن بيان الاتفاق جاء مفسرًا نفسه، وأشار بوضوح إلى دور إماراتي في إحداث اختراق دبلوماسي في المنطقة، وفتح المجال أمام تسويات "تاريخية" جديدة، ومساهمة "الدول الإسلامية المعتدلة"، في إنجاز قبول عام بإسرائيل في العالم العربي والإسلامي. وهو دور لا يتعلق فقط بالتصالح الكامل مع الأمر الواقع، الذي تفرضه إسرائيل بالقوة، ولا بإعادة قراءة الرواية الصهيونية في المنطقة، ولكنه أبعد من ذلك، يذهب إلى تعزيز دور ترى فيه الإمارات على ما يبدو جزءًا من وجودها الإقليمي في المنطقة، وتسعى من خلاله لاكتساب موقع رائد، بمباركة أمريكية إسرائيلية بطبيعة الحال.

لم يقدم الإعلان عن التطبيع الشامل للعلاقات، جديدًا، مثله مثل كل الحديث عن "إعلان" السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية. إنها خطوات تتعلق بالبيان أو الكشف رسميًا عن أشياء تحدث على الأرض بالفعل. فالتحالف بين أبوظبي وإسرائيل ليس سرًا، والسيطرة الإسرائيلية على الأرض مستمرة، بما في ذلك في الأراضي التي تم "تعليق" ضمها. لكن الإفصاح عن الأشياء، يحظى في عالم السياسية اليوم بأهمية الأشياء نفسها.

وكما كانت البروبغاندا الإسرائيلية بشأن ضم أراض تسيطر عليها تل أبيب أصلًا وتدير كل متر مربع فيها، جزءًا من الطريقة التي خاطب فيها نتنياهو مؤيديه في لحظة ما، ومن المسار السياسي الذي بدأه على ما يبدو وتفاعل فيه مع الأزمات التي واجهها، فإن خطوة الإعلان عن المعلن، أي عما يحدث أصلًا من تحالف بين أبوظبي وإسرائيل، تكتسب قيمة ما، تتعلق على الأرجح بتدشين عهد جديد، قد يصح وصفه بأنه عهد ما بعد التطبيع.

إن دور الإمارات الجديد، الذي أفصح البيان عنه بوضوح للمفارقة، ينطوي على شرعية كاملة تسعى الدولة الخليجية المناهضة للديمقراطية إلى الحصول عليها، لتعزيز دورها في زمن ما بعد التطبيع هذا، فالعلاقة مع إسرائيل ليست خطوة عابرة، ولا حتى خضوعًا لضغوط أمريكية، وإنما هي خطوة تقع في قلب المشروع الإماراتي الإقليمي.

من ضمن أشياء قليلة وصفها، كان البيان محقًا بشأن المخاوف الإسرائيلية الإماراتية المشتركة، لكن الأمر لا يتعلق بإيران ولا بالإرهاب، وإنما هو خوف مشترك بالأساس من زمن عربي بدأ ينفلت من الحسابات الإماراتية الإسرائيلية، يقوده توق متقطع لكنه موجود دائمًا إلى التغيير. وأمام هذا الواقع، فإن دور الإمارات سيكون بالتأكيد مرتبطًا بـ"تلقف" المستبدين الخائفين، ومنحهم شبكة من العلاقات الإقليمية الدولية، التي لا تقوم على شرعية سوى شرعية "الود" مع إسرائيل والإدارة الأمريكية، إضافة إلى منحهم تذكرة الدخول إلى مظلة "الاعتدال" الجديد.



اقرأ/ي أيضًا:

 كيف نفهم التطبيع اليوم من خلال أفكار عزمي بشارة؟

نحو تصور ديمقراطي في رفض التطبيع