14-مارس-2023
getty

الاتفاق جاء بعد مفاوضات سرية رعتها الصين (Getty)

بعد سنوات من القطيعة والتوترات بين السعودية وإيران، تم الاتفاق بين البلدين على استئناف العلاقات وتجاوز الخلافات، وذلك بعد مباحثات سرية عقدت برعاية صينية استمرت لمدة أربعة أيام. 

صدر بيان ثلاثي مشترك عن السعودية وإيران والصين، أعلن فيه عن استئناف العلاقات الدبلوماسية والعمل على افتتاح السفارات واحترام سيادة الدول

وصدر بيان ثلاثي مشترك عن السعودية وإيران والصين، أعلن فيه عن استئناف العلاقات الدبلوماسية والعمل على افتتاح السفارات، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ونص الاتفاق على إعادة تفعيل الاتفاقية الأمنية المبرمة عام 2001، والمرتبطة بمراقبة الحدود ومكافحة الإرهاب، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة المبرمة عام 1998. وفي تعليقهم على الاتفاق، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إن "استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وإيران يأتي انطلاقًا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار"، فيما أشار وزير الخارجية السعودية إلى أن الاتفاق لا يعني حل كافة الخلافات القائمة، وإنما هو دليل على الرغبة بحل جميع الخلافات عبر الحوار.

getty

أما وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، فقال، إن "سياسة حسن الجوار التي تنتهجها حكومة إبراهيم رئيسي تسير في الاتجاه الصحيح". واعتبر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أنّ الاتفاق مع السعودية سيعود بالنفع على الأمن والاستقرار في المنطقة وقضاياها.

ترحيب وحذر

وحصل الاتفاق على ترحيب واسع عربيًا، وأشادت به كافة الدول العربية، نظرًا لانعكاساته على المنطقة والاستقرار فيها. كما رحب فيه الاتحاد الأوروبي، باعتبار أنه سينعكس أيضًا بشكلٍ كبير على الاستقرار في الشرق الأوسط. من جهتها، هنّأت روسيا على لسان نائب وزير خارجيتها، ميخائيل بوجدانوف، "إيران والسعودية والصين على التوصل إلى اتفاق عودة العلاقات بين الرياض وطهران"، وأضاف بوجدانوف أن "عودة العلاقات تتماشى مع المبادرات الروسية الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الاقتصادي العالمي".

أما الولايات المتحدة التي رحبت بالاتفاق، فقد شككت في "رغبة إيران بالمشاركة فعليًا في خفض التصعيد"، وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، "سنرى إذا كان الإيرانيون سيحترمون جانبهم من الاتفاق، فهذا ليس نظامًا يفي بكلامه عادةً". أما المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، فقالت خلال مؤتمر صحفي، "نحن على دراية بالتقارير بشأن الاتفاق بين إيران والسعودية، وبشكل عام، نحن نرحب بأي جهود للمساعدة في إنهاء الحرب في اليمن وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط".

قلق إسرائيلي

وفي أول رد فعل رسمي إسرائيلي على الاتفاق، اعتبر مسؤول إسرائيلي في تصريح رسمي أن "الاتفاق بين الطرفين سيؤثر على إمكانية تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب"، وأضاف أن "قوة الغرب في موقفه من إيران ستقلل من أهمية تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران". ووصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، الاتفاق بأنه "فشل ذريع وخطير للسياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو".

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت، فأكد أن "تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، هو تطور خطير بالنسبة لإسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران"، معتبرًا استئناف العلاقات الإيرانية السعودية يشكل "ضربةً قاضيةً لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران"، وشدد على أن ذلك "فشل ذريع لحكومة نتنياهو، نجم عن مزيج بين الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد".

ووجه نتنياهو اللوم على الاتفاق إلى الحكومة السابقة، التي لم تتخذ موقفًا واضحًا من المفاوضات بين إيران والسعودية عندما بدأت في وقت سابق من العام الماضي. وينظر إلى اتفاق طهران والرياض، بأنه قوض أحلام تل أبيب في إقامة تحالف أمني واسع من أجل مواجهة إيران.

getty

تنامي نفوذ الصين

بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فإن الصين تخطط لعقد قمة إقليمية خلال العام الحالي في بكين، وهذه إشارة جديدة إلى تنامي نفوذ الصين، التي تصبح لاعبًا بارزًا في المنطقة. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن حراك الصين الدبلوماسي في المنطقة يظهر أن شي جين بينغ يرى أن للصين دورًا مركزيًا في المنطقة، باعتبارها وسيطًا جديدًا، ويتحدى النفوذ الأمريكي الحصري لسنوات طويلة فيها.

ويقول خبير في شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان إن الصفقة تسمح للقادة الصينيين "بتطوير تصوراتهم لدورهم العالمي، وهم يقوضون زعم ​​الولايات المتحدة بأن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة هو الخيار الوحيد الذي يمكن للحكومات اتخاذه، والطريقة الوحيدة لتعزيز الأمن"، بحسب ما جاء في وول ستريت جورنال. وحول دوافع الصين، قال الباحث في برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي بواشنطن جوناثان فولتون، "الصين تريد الاستقرار في المنطقة، حيث يحصلون على أكثر من 40% من طاقتهم من الخليج، والتوتر بين إيران والسعودية يهدد مصالحهم".

وقالت نائبة مدير الأبحاث في مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية إيمي هوثورن: "لا توجد طريقة للالتفاف حولها- إنها صفقة كبيرة. نعم، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في مثل هذه الصفقة الآن مع إيران على وجه التحديد، حيث لا توجد لدينا علاقات. ولكن بالمعنى الأكبر، فإن الإنجاز المرموق للصين يدمجها في اتحاد جديد دبلوماسيًا ويتفوق على أي شيء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ أن تولى بايدن منصبه"، بحسب تصريحات لـ"نيويورك تايمز".

ويرى السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل ومصر والذي يعمل في جامعة برينستون حاليًا دانييل كيرتزر، خلال حديثه لـ"نيويورك تايمز"، أن الديناميكيات المتغيرة التي يمثلها الاتفاق الذي توسطت فيه الصين تشكل تحديًا لإدارة بايدن عندما تفضل التركيز على مكان آخر، مضيفًا "أنها علامة على خفة الحركة الصينية للاستفادة من بعض الغضب الموجه للولايات المتحدة من قبل السعودية والقليل من الفراغ هناك".

وتعتبر غالبية التحليلات أن الاتفاق الذي رعته الصين يظهر تناميًا في نفوذها بالمنطقة، وتحديًا للنفوذ الأمريكي فيها الذي استمر لسنوات طويلة، فيما ستظهر قيمة هذا النفوذ الفعلي مع التطورات التي ستنتج عن الاتفاق الذي رعته بكين، ومدى تقدمه على صعيد التطبيق.

انعكاسات الاتفاق

يتجاوز الإعلان عن استئناف العلاقات بين طهران والرياض البلدين بشكلٍ كبير، ومن المتوقع أن ينعكس على عدة دول في المنطقة، خاصةً تلك التي كانت مناطق صراع بالوكالة بين طهران والرياض. وتشير التوقعات إلى أن الاتفاق سيمضي بشكلٍ بطيء نسبيًا، لكنه سيسفر عن تحقق انفراجات متنوعة، على المدى الأطول.

كانت اليمن هي أبرز المناطق التي ظهر الحديث عنها عقب الاتفاق، حيث تخوض الرياض حربًا فيها منذ 2015، لمواجهة الحوثيين الذين يحصلون على دعم إيراني. وكان التوتر في اليمن من أبرز نقاط المواجهة المتبادلة خاصةً مع شن الحوثيين هجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المُسيّرة على السعودية، استهدفت منشآت إنتاج النفط عام 2019. ومع استمرار الجمود على جبهات القتال، عقدت الرياض والحوثيين محادثات مباشرة نهاية العام الماضي بدعم من سلطنة عُمان بعد هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة، وانتهت الهدنة في تشرين الأول/أكتوبر، ولا زالت صامدة رغم بعض الخروقات وعدم تجديدها بشكلٍ رسمي.

ومن شأن عودة العلاقات بين الرياض وطهران أن تسهل من إبرام اتفاق نهائي بين السعودية والحوثيين، خاصة بعد ترحيب الجماعة بعودة العلاقات بين البلدين. كما أن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة اعتبرت أن الاتفاق "سيسرع التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن، وإطلاق الحوارات اليمنية، وتشكيل حكومة يمنية شاملة في هذا البلد". فيما أشار وزير الخارجية الإيرانية إلى أن الاتفاقية ستنعكس على اليمن.

getty

في سياق آخر، يترافق الاتفاق مع سعي عدة دول عربية لتعويم نظام الأسد، وإعادة تطبيع العلاقات معه، وبالأخص من جانب الجزائر والإمارات. وقبل أيام قال وزير الخارجية السعودي إن "زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية". وفي السياق نفسه رحبت وزارة خارجية النظام السوري بالاتفاق ووصفته بأنه "خطوة مهمة من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي". 

وفي ساحة أخرى، يتوقع أن ينعكس الاتفاق على لبنان، ولو بدرجة أقل من المناطق الأخرى، خاصةً بعد الأزمة السياسية التي ضربت علاقة السعودية ولبنان عام 2021، بعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي عن الحرب في اليمن. ورغم انتهاء الأزمة قبل أشهر، واستقالة قرداحي تمهيدًا إلى حلها، لكن جوهرها كان الحديث السعودي عن هيمنة حزب الله، المدعوم إيرانيًا، على الدولة في لبنان. ويترافق الاتفاق مع أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، مما يفتح السؤال حول إن كان التقارب الإقليمي سيساهم في حلحلة هذا الملف. وقد صرح رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن "القراءة الإيجابية للأنباء يجب أن تدفع السياسيين اللبنانيين إلى انتخاب رئيس على وجه السرعة"، فيما وصف حزب الله الاتفاق بأنه "تحول جيد"، لكنه حذر من أن "تداعياته الكاملة لا تزال غير واضحة".

عراقيًا، ساهمت بغداد على مدار الأشهر الماضية في جهود الوساطة بين طهران والرياض، كما أنها استضافت جزءًا من المحادثات، ورحبت رسميًا بالاتفاق، بالإضافة لشكرها ضمن البيان الثلاثي الذي صدر بعد الاتفاق في الصين، على جهودها بالوساطة.

الإعلان عن استئناف العلاقات بين طهران والرياض، يتجاوز البلدين بشكلٍ كبير، ومن المتوقع أن ينعكس على عدة دول في المنطقة

ورغم المواقف العراقية المتباينة داخل الأحزاب المتنوعة، والتي تمتلك إيران نفوذًا واسعًا في بعضها، إلّا أن التحليلات تشير إلى أن الاتفاق قد يساهم في التقليل من حدة الاستقطاب، وإن بشكل محدود.