08-أكتوبر-2021

رسم متخيل للشاعر

ألترا صوت – فريق التحرير

لا تنطبق مواصفات هذه الزاوية على قصيدة ابن زريق الشهيرة "لا تعذليه فإن العذل يولعه"، حيث إنها ليست قصيدة من ديوان صاحبها، فابن زريق كما عُرف عنه لم يكتب سوى هذه القصيدة، أو لم تُعرف له سواها، ولأجل هذا عدّ من أصحاب الواحدة.

أبو الحسن علي أبو عبد الله الشهير بـ ابن زريق البغدادي هو شاعرٌ معروف بقصيدته اليتيمة التي تحظى القصيدة بمكانة خاصة في تاريخ الشعر العربي، ولا يزال القراء العرب يتداولونها فيما بينهم بما هي: مأساة تنطق.

تقول الروايات التاريخية المتداولة، إن الشاعر غادر مدينته بغداد باتجاه الأندلس، طالبًا الرزق وساعيًا خلف ما ينهي فقره هو وزوجته التي عارضت سفره، وحاولت إقناعه بالعدول عن رأيه، غير أنه أصرّ على خوض غمار تلك الرحلة التي انتهت بوفاته في الأندلس، بعدما اشتد به المرض وأضناه.

وبحسب الروايات نفسها، وجُدت هذه القصيدة جواره عند وفاته. وفيها، يخاطب ابن زريق زوجته في بغداد تزامنًا مع سرده لتفاصيل رحلته، وما آلت إليه أحواله في الغربة التي توفي فيها نادمًا على تركه لمدينته وزوجته.


لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

قَد قَلتِ حَقًا وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ

 

جاوَزتِ فِي لَومهُ حَدًا أَضَرَّ بِهِ

مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ

 

فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلًا

مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ

 

قَد كانَ مُضطَلَعًا بِالخَطبِ يَحمِلُهُ

فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ

 

يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ

مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ

 

ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ

رَأيٌ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ

 

كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ

مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ

 

إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً

وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ

 

تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه

للرزق كدًا وكم ممن يودعُهُ

 

وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ

رزقًا وَلا دَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ

 

قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ

لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ

 

لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصًا فلَستَ تَرى

مُستَرزِقًا وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ

 

وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت

بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ

 

وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه

إِرثًا وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ

 

اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَرًا

بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ

 

وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي

صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ

 

وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً

وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ

 

لا أَكُذب اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ

عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ

 

إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ

بِالبينِ عِنهُ وَقلبي لا يُوَسِّعُهُ

 

رُزِقتُ مُلكًا فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ

وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ

 

وَمَن غَدا لابِسًا ثَوبَ النَعِيم بِلا

شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

 

اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ

كَأسًا أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

 

كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ

الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ

 

أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ

لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ

 

إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها

بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ

 

بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ

بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ

 

لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا

لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ

 

ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي

بِهِ وَلا أَن بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ

 

حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ

عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ

 

بالله يا منزل القصف الذي درست

آثاره وعفت مذ غبت أرُبعه

 

هل الزمان معيد فيك لذتنا

أم الليالي التي مرت وترجعه

 

فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ

وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ

 

مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ

كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ

 

وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا

جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ

 

لَأَصبِرَنَّ لِدهرٍ لا يُمَتِّعُنِي

بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ

 

عِلمًا بِأَنَّ اصطِباري مُعقِبُ فَرَجًا

فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ

 

عَل اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا

جِسمي سَتَجمَعُنِي يَومًا وَتَجمَعُهُ

 

وَإِن تُنلُّ أَحَدًا مِنّا مَنيَّتَهُ

فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أبو البقاء الرندي: لكُل شيءٍ إذا ما تم نُقصانُ

المعتمد بن عباد: قبر الغريب