28-أكتوبر-2022
صورة متخيلة لابن الرومي مع ديوانه

صورة متخيلة لابن الرومي مع ديوانه

ابن الرّوميّ من أهم شعراء العصر العبّاسيّ. اسمه أبو الحسن علي بن العباس بن جريج، ويكنّى بابن الرّوميّ نسبة لوالده، وهو مولى عبد الله بن عيسى، ولد في بغداد عام 221هـ- 836م، وبها نشأ وترعرع، كان مسلمًا مواليًا للعباسيّين، من طبقة بشّار والمتنبي، فقد اجتمع لنسب ابن الرّوميّ ثلاث أمم؛ حيث كان مولده في البيئة العربيّة، وسليل أبوّة يونانيّة، وأمومة فارسيّة. عُرفت حياته بالمآسي والأحزان لما ابتلي فيه، من فقد لوالده ثمّ بعد ذلك لأخيه الأكبر، ثمّ لأمّه ممّا جعله ناقمًا ويائسًا ومزاجيّا وسيء الحظّ، ولا يكفيه ذلك فقد كان منبوذًا اجتماعيًّا ومحسودًا، ممّا زاده ذلك انغلاقًا على نفسه، ومن المحن التي عصفت بالشّاعر ابن الرّومي بعد زواجه وفاة زوجته وأبنائه الثّلاثة، فقد كانت المصائب تنزل به تباعًا، ولم يكن ابن الرّوميّ سيئ الحظّ فقط، بل كان سيء الطّباع أيضًا، حادّ المزاج مضطربًا، ولذلك خرج للعالم بقصائد تنوح وتبكي.

عشق ابن الرومي المغنية وحيد، وهي أشهر مغنيات العصر العباسي، وقد امتلكت هذه المغنية بالإضافة لجمال الصوت، جمال الوجه وفتنته، فهام بها ابن الرومي حبًّا، ونظم فيها واحدة من أجمل قصائده والتي تألقت فيها قدرته على التصوير والتجسيد والوصف الدقيق لمحبوبته بحركاتها وطريقة غنائها، فيكشف في قصيدته مدى حبه وتعلقه بها.


يا خَلِيلَيَّ تَيَّمَتْني وَحيدُ

فَفُؤادي بها مُعَنَّىً عَمِيدُ

 

غادةٌ زانها من الغُصْن قَدٌّ

ومن الظَّبي مُقلتان وجِيدُ

 

وزهاها من فَرْعِها ومن الخد

ديْنِ ذاك السَّوادُ والتَّوْريدُ

 

أوقد الحسْنُ نارَه من وحيدٍ

فوق خدٍّ ما شَانَهُ تخْدِيدُ

 

فَهْيَ برْدٌ بخدِّها وسلامٌ

وهي للعاشقين جُهْدٌ جهيدُ

 

لم تَضِرْ قَطُّ وجهها وهْو ماءٌ

وتُذيبُ القلوبَ وهْيَ حديدُ

 

ما لما تصطليه من وجنتَيْها

غير تَرْشافِ رِيقِها تَبْريدُ

 

مثْلُ ذاك الرضابِ أطفأ ذاك ال

وَجد لَوْلا الإباءُ والتَّصرِيدُ

 

وغَريرٍ بحسنها قال صِفْها

قلت أمْران هَيِّنٌ وشديدُ

 

يسهل القول إنها أحسن الأشْ

ياءِ طُرّاً ويعْسرُ التحديدُ

 

شمسُ دَجْنٍ كِلا المنيرَيْن من شم

سٍ وبدْرٍ من نُورها يستفيدُ

 

تتجلَّى للناظرين إليها

فَشَقيٌّ بحسنها وسعيدُ

 

ظبيةٌ تسكن القلوب وترعا

ها وُقمْرِيَّةٌ لها تغريدُ

 

تتغنَّى كأنها لا تُغَنِّي

من سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ

 

لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ

لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ

 

من هُدُوٍّ وليس فيه انْقِطاعٌ

وشُجُوٍّ وما به تبليدُ

 

مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كا

فٍ كأنفاس عاشقيها مَديدُ

 

وأرقَّ الدلالُ والغُنْجُ منه

وبَراهُ الشَّجا فكاد يبيدُ

 

فتراه يموت طَوْراً ويحيا

مُسْتَلَذّاً بَسِيطُهُ والنَّشِيدُ

 

فيه وَشْيٌ وفيه حَلْيٌ من النَّغْ

مِ مَصوغٌ يختال فيه القصيدُ

 

طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه

كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ

 

ثَغَبٌ يَنْقَعُ الصَّدَى وغِناءٌ

عنده يوجد السرورُ الفقيدُ

 

فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ

ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ

 

في هوى مثْلِها يَخفُّ حَليمٌ

راجح حلْمُهُ ويَغْوى رشيدُ

 

ما تُعاطِي القلوبَ إلا أصابتْ

بهواها منهُنَّ حيْثُ تُرِيدُ

 

وَتَرُ العَزْفِ في يَدَيْها مُضَاهٍ

وَتَرَ الزَّحْف فِيهِ سهمٌ شَديدُ

 

وإذا أنْبَضَتْهُ للشَّرْبِ يوماً

أيقنَ القومُ أنها ستَصيدُ

 

مَعْبَدٌ في الغناء وابن سُرَيْج

وَهْيَ في الضَّرْبِ زَلْزَلٌ وعَقيدُ

 

عَيْبُها أنَّها إذا غَنَّتِ الأحْ

رَار ظلُّوا وهُمْ لديها عَبيدُ

 

واستزادتْ قلوبَهم من هواها

بِرُقاها وما لَدَيْهِمْ مَزيدُ

 

وحسانٍ عَرَضْنَ لي قلتُ مهلاً

عن وحيدٍ فحقُّها التَّوْحِيدُ

 

حُسْنُها في العيون حسْنٌ وحيدٌ

فلها في القلوب حبٌّ وحيدُ

 

ونَصيحٍ يلومُني في هواها

ضَلَّ عنه التوفيقُ والتسديدُ

 

لو رأى من يلُوم فيه لأضحى

وهو المسْتَريثُ والمسْتَزيدُ

 

ضلَّةً للفُؤاد يَحْنُو عليها

وهي تَزْهُو حَياتَه وتَكيدُ

 

سَحرَتْهُ بمقْلتيْها فأضحتْ

عنده والذميمُ منها حميدُ

 

خُلِقَتْ فِتْنةً غِناءً وحُسْناً

ما لها فيهما جميعاً نَدِيدُ

 

فَهْيَ نُعْمَى يميدُ منها كَبيرٌ

وهْيَ بلْوى يشيب منها وليدُ

 

لِيَ حيْث انصرَفتُ عنها رفيقٌ

من هواها وحيث حَلَّتْ قَعِيدُ

 

عن يميني وعن شمالي وقُدّا

مي وخلفي فأين عنه أحيدُ

 

سدَّ شيطانُ حُبِّها كلَّ فَجٍّ

إنَّ شيطان حبِّها لَمَرِيدُ

 

ليت شعري إذا أدام إليها

كَرَّةَ الطَّرْف مُبدىءٌ ومعيدُ

 

أهْيَ شيء لا تسأم العين منه

أم لها كلَّ ساعة تجْديدُ

 

بل هي العيش لا يزال متى استُعْ

رض يملي غرائباً ويُفِيدُ

 

مَنْظَرٌ مَسْمَعٌ مَعانٌ من اللَّهْ

وِ عَتادٌ لما نُحبُّ عَتيدُ

 

لا يَدبُّ الملالُ فيها ولا يَنْ

قُص من عَقْد سحْرِها تَوْكيدُ

 

حُسْنها في العيون حُسْنٌ جديدٌ

فلها في القلوب حُبٌّ جديدُ

 

أخذ اللّه يا وحيدُ لقلبي

منك ما يأخذ المُدِيلُ المُقِيدُ

 

حَظُّ غيري من وصلكُمْ قُرَّةُ العيْ

ن وحظيِّ البكاءُ والتَّسْهيدُ

 

غير أني مُعَلِّلٌ منك نفسي

بِعِداتٍ خلالَهُنَّ وَعيدُ

 

ما تزالينَ نظرةٌ منك مَوْتٌ

لي مُمِيتٌ ونظرةٌ تخليدُ

 

نتلاقى فلحْظَةٌ منك وعْدٌ

بوصال ولحظةٌ تهديدُ

 

قد تركْتِ الصِّحاح مرْضى يميدُو

ن نُحولاً وأنت خُوطٌ يميدُ

 

والهوى لا يزال فيه ضعيفٌ

بين ألحاظِهِ صريعٌ جليدُ

 

ضافَنِي حُبُّك الغريبُ فألوى

بالرُّقادِ النَّسيبِ فهو طريدُ

 

عجباً لي أنَّ الغريب مُقيم

بيْن جَنْبَيَّ والنسيبُ شريدُ

 

قَد مَلَلْنا من ستر شيءٍ مليح

نشتهيه فهلْ له تجريدُ

 

هو في القلب وهو أبعد من نج

م الثريّا فهو القريب البعيدُ