31-يناير-2020

أجمعت الصحافة العالمية على أن توقيت إعلان صفقة القرن غرضه إنقاذ ترامب ونتنياهو (السفارة الأمريكية بتل أبيب)

إعداد: مها عمر وسفيان البالي

اختلفت المنابر الإعلامية والصحفية العالمية في تغطيتها لصفقة القرن منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن بنودها، في 28 كانون الثاني/يناير الجاري، لكن بدا أن جزءًا كبيرًا منها اختار الوقوف على الجانب المعارض لما أسماها ترامب بـ"خطة السلام". في السطور التالية، نرصد تغطيات عددٍ من الصحف العالمية لبنود صفقة القرن.

بدا أن جزءًا كبيرًا من المنابر الصحفية العالمية، اختارت الوقوف على الجانب المعارض لخطة ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن"

الصحافة الإسبانية: الفلسطينيون يضعون خلافاتهم جانبًا أمام صفقة القرن

صحيفة إلباييس الأوسع انتشارًا في إسبانيا، كتبت تحت عنوان عريض: "الفلسطينيون ينحون خلافاتهم جانبًا ليقفوا صفًا واحدًا في مواجهة صفقة القرن". وركزت الصحيفة الإسبانية في متن حديثها على تبيان المشهد الكبير بتفاصيله، والجوانب المعيبة في خطة ترامب، مشيرةً إلى توحد الجبهات في الداخل الفلسطيني، كما رصدت ما أسمته "حالة الاشتعال" في الداخل الفلسطيني على خلفية الإعلان عن بنود صفقة القرن.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب يعمق الانقسام السياسي في الولايات المتحدة بصفقة القرن

أما صحيفة الكونفيدنشيال الإسبانية أيضًا، فكانت أكثر وضوحًا وتحديدًا في موقفها تجاه الصفقة، فقد نشرت تحت عنوان "فلسطين ترفض صفقة القرن من الولايات المتحدة بينما إسرائيل تمضي في خريطة الطريق"، تقريرًا رصد الموقف الرسمي المتردد لكل من إسبانيا وألمانيا، اللتان قالتا إنهما بصدد دراسة خطة ترامب.

صفقة القرن
تظاهرة في غزة ضد إعلان بنود صفقة القرن

وأوردت الصحيفة في تغطيتها تصريحًا صحفيًا لوزارة الشؤون الخارجية الأوروبية، جاء فيه: "إنه لمن الضروري أن يتفاوض كل من الفسطينيون والإسرائيليون وممثليهم على اتفاق يراعي طموحاتهم. كما يجب أن تتم مفاوضات مباشرة وحقيقية بين الطرفين".

كما أوردت الكونفيدنشيال وصف محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، لخطة ترامب بـ"صفعة القرن"، وتناولت موقف الأطراف الفلسطينية الرافض للصفقة، مشيرةً إلى تعليق نزار فرسخ، المستشار السابق لرئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض، والذي قال فيه: "بأي حال من الأحوال فإنه بمقارنة الخطة مع موقف وزارة الخارجية الفلسطينية المنشور على موقعهم الإلكتروني، لوجدته عكس ما يريده الفلسطينيون تمامًا".

وذكرت الصحيفة أيضًا رأي الخبير الجيوسياسي ورئيس مجموعة أوراسيا، إيان بريمر، بأن "الخارطة الجغرافية التي اقترحها البيت الأبيض تجعل من الدولة الفلسطينية المقترحة دولة مجزأة وممزقة ومحاطة بإسرائيل بالكامل".

الصحافة اللاتينية: صفقة تنكر حق الفلسطينيين في كل شيء

صحيفة التيليسور اللاتينية، اختارت عنوانها للحدث: "ترامب يقدم صفقة القرن التي رفضها الفلسطينيون". وبينما تحدثت الصحيفة الإلكترونية اللاتينية بشكل عام عن صفقة القرن، إلا أن العنوان بدا معبرًا عن الاتجاه العام في القارة تجاه الصفقة، وهو ما ظهر في صحيفة لاتيرثيرا التشيلية من خلال مقالة أنور مخلوف، تحت عنوان "ترامب يقدم للعالم صفقة القرن التي تنفي الوجود الفلسطيني".

وكتب مخلوف، المحامي والمدير التنفيذي للجالية الفلسطينية في تشيلي: "عادة ما تعني الصفقة اتفاقًا ما بين طرفين أو عدة أطراف وجهات فاعلة، وهو ما يعني أن الاتفاق يمثل الإرادات المختلفة لتلك الجهات، وبالتالي يكون عليها جميعًا احترام نتائجها، وتنفيذها من أجل المنفعة المتبادلة".

وبناءً على ما سبق، يرى مخلوف أن الصفقة التي انتفى فيها وجود الفلسطينيين كطرف أساسي متأثر بها بالضرورة، "تشي بعبثية المشهد ككل"، فهي، أي الصفقة، "لا تحول الفلسطينيين إلى غير مرئيين فحسب، بل تعيد إنكار حقهم في الوجود التاريخي والسياسي والقانوني".

من جهتها، نشرت صحيفة الفينانثييرو المكسيكية، تغطية للقضية، اختارات لها عنوان: "فلسطين تقول لا لصفقة القرن"، فيما أوردت صحيفة الموسترادور التشيلية صورة لأعلام سوداء علقها أعضاء النادي الرياضي الفلسطيني في تشيلي، كعلامة احتجاج ورفض لخطة ترامب، كما قام النادي بإصدار بيان يعادل ما جاء في مقال أنور مخلوف في لاتيرثيرا، حول إلغاء الصفقة للوجود الفلسطيني، وإنكارها لحقوق الفلسطينيين بكل أنواعها.

كما اعتبر النادي أن الصفقة ليست سوى مجرد دعاية سياسية لإدارة بنيامين نتنياهو الذي فشل في تشكيل حكومته. وأخيرًا دعا أعضاء النادي في بيانهم الحكومة التشيلية إلى "التنديد القوي بالصفقة التي تقوض مصداقية  شرعية القانون الدولي مما يتسبب في خرق لا مثيل له لأسس ميثاق الأمم المتحدة، ويضع العقبات أمام حل الدولتين الذي طال الحديث عنه والذي تدعمه تشيلي والمجتمع الدولي".

صفقة القرن
أعلام سوداء على النادي الرياضي الفلسطيني في تشيلي

"اتفاق القرن أم عار القرن؟"، هكذا هكذا كتبت صحيفة لاخورنادا المكسيكية عن صفقة القرن، قائلةً إن الغرض الرئيسي من الاتفاق هو أن يتخلى المجتمع الدولي تمامًا عن الفسطينيين. كما وصفت الصحيفة الصفقة بأنها "لا اتفاق ولا خطة سلام، بل مهزلة تم إعدادها وفقًا لمزاج اليمين المتطرف الإسرائيلي".

واعتبرت الصحيفة أن خطة ترامب تهدف إلى دعم اللوبي الصهيوني كنوع من المناورة السياسية التي تهدف إلى إطالة عمر حكومة نتنياهو . وكانت الصحيفة أكثر وضوحًا في تأكيدها على أن الحل الوحيد الذي يقبله الفلسطينيون هو العودة إلى أراضي ما قبل احتلال 1967، وحل الدولتين، وأن أي مقاربة أخرى لحل الأزمة هي "خروج كاذب نتائجه متوقعة"، على حد تعبيرها.

الصحافة الفرنسية: شكوك حول نجاح خطة ترامب

يلحظ المتابع للصحافة الفرنسية خلال اليومين الماضيين، وتغطيتها لإعلان ترامب بنود ما أسماها "خطة السلام"، تباينًا عميقًا في الآراء، يصل إلى حد التضارب، فيما يبقى المشترك الأوضح هو التشكيك عمومًا في نجاح تطبيق الخطة، وتناقضها مع الموقف الذي عبرت عنه الدبلوماسية الفرنسية.

وهكذا عنونت صحيفة "L’OBS" افتتاحيتها لعدد 30 كانون الثاني/يناير الجاري بـ"مخطط ترامب للسلام.. هذه الغلطة الثانية"، والتي جاء فيها: "لا أحد كان يتخيل أن ترامب سيذهب بعيدًا بمخططه، إلى حد رسم الخريطة المستقبلية لدولة فلسطين، في حين أن نتنياهو ذات نفسه لم يمتلك الجرأة لفعل ذلك".

وتسترسل الصحيفة بوصف ما فعله ترامب بـ"الخطوة المتهورة، فضلًا عن كونها مدانة من قبل المراقبين الدوليين"، منتقدةً الموقف السعودي الذي وصفته بـ"المعيب، والذي يضرب في خطة السلام السابقة" التي اقترحها الملك الراحل عبدالله آل سعود، واحتضنتها الجامعة العربية.

بدوره نشر موقع "Mediapart" مقالًا مطولًا عن صفقة القرن، عنونه بـ"تهريج ترامب"، حيث يعتبر كاتبه، رينيه باكمان، أن ما أقدم عليه ترامب يعد "سابقة خطيرة، بما يحمله من شرعنه للاحتلال ومصادرة الأراضي بالقوة، ورميه لكل المواثيق الدولية ومخرجات المفاوضات بين طرفي النزاع إلى مزبلة التاريخ".

وأشار الكاتب أيضًا إلى أن خطة ترامب "عبارة عن هدية انتخابية أهداها لنتنياهو واليمين الإسرائيلي". وفي ختام مقاله، أعرب باكمان عن استغرابه من تقدير الدبلوماسية الفرنسية "للجهود الأمريكية"، كما أبدى تعجبه من الانقسام العربي وعدم الاصطفاف مع القضية الفلسطينية، ناقلًا على لسان السفير الأمريكي السابق في تل أبيب، مارتن إنديك، قوله: "ليس هذا بمخطط سلام، بل تهريج من أوله إلى آخره".

من جانبه، اعتبر موقع "Orient XXI"، في مقال بعنوان "صفقة القرن في خدمة اليمين الإسرائيلي"، أن خطة ترامب مبنية بالأساس حسب توجهات الشريحة الإنجيلية في الولايات المتحدة، والتي تمثل عشرات الملايين من الناخبين الذين يعتمد ترامب على أصواتهم، ويوافقون تمامًا على سياسات اليمين الإسرائيلي. واستدل الموقع على ذلك، بوجود أسماء مقربة لليمين الإسرائيلي، لعبت دور عرابة صفقة القرن، هي: جاريد كوشنر، جيسون غرينبلات، ديفيد فريدمان.

كما تضمن المقال عرضًا لما تضمنته الصفقة من زيفٍ الغرض منه تصفية الحق الفلسيطيني في الأرض، وتأبيد منطق القوة والفصل العنصري لدولة الاحتلال، وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، وتهويد القدس، وشرعنة المستوطنات، وضم ضفة نهر الأردن لسيادة الدولة العبرية، معتبرةً أن كل هذا بمثابة "دعم لليمين الإسرائيلي في الانتخابات التي سيخوضها في آذار/مارس القادم".

صفقة القرن
"صفقة القرن في خدمة اليمين الإسرائيلي"، عنوان تغطية موقع "Orient XXI" الفرنسي

ونشرت مجلة "Politis" الفرنسية، في عددها الصادر مقالًا بعنوان "سلام الجبناء"، هاجمت فيه خطة ترامب، واصفة إياها بـ"مخطط السلام الذي سيخلد في التاريخ على أنه الأقل أحقية بوصف السلام"، مؤكدة على أنه دعم صريح وتواطؤ مع اليمين الإسرائيلي، كما هو حماية لترامب من العزل، ولنتتياهو من السجن.

وعلى نفس المجلة، نشر مقال آخر بعنوان "ابتزاز دونالد ترامب الحقير"، يقول كاتبه إن "إستراتيجية الإدارة الأمريكية واضحة، وهي تركيع الشعب الفلسطيني"، مستعرضًا كل أدوات المحاصرة الاقتصادية والضغط السياسي التي يسعى من خلالها ترامب إلى فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، واصفًا هذه الخطوة بـ"احتقار صريح وإهانة للقوانين الدولية والمجتمع الدولي".

هذا الموقف المتشكك إلى حد المعارضة، الذي طبع تغطية الصحف الفرنسية لبنود خطة ترامب، لم يكن حصرًا على الصحف المعروفة بدعمها للقضية الفلسطينية، بل حتى التي كان خطها التحريري على الطرف الآخر من القضية، مثل صحيفة "Le Figaro" التي انتقدت في افتتاحيتها، خطة ترامب، معتبرة إياها، وكما يتضح في العنوان، "رهان سلام من طرف واحد"، قالت إنه يصعب تصديقه بالنظر إلى سياسات ترامب المجحفة تجاه الفلسطينيين، وقد يترتب عليه انعطاف خطير في مسار القضية.

وكما يتضح، يأتي موقف الصحافة الفرنسية على شقاق مع ما عبرت عنه الدبلوماسية الفرنسية التي "تقدر الجهود الأمريكية في إحلال السلام بالشرق الأوسط"، كما جاء في بيانها. وفي تصريح لـ"الترا صوت"، وصف المؤرخ والكاتب الفرنسي، دومينيك فيدال، بيان الخارجية الفرنسية، بقوله: "لم نشهد من قبل موقفًا انبطاحيًا للدبلوماسية الفرنسية كالذي عبر عنه البيان"، مضيفًا أن "الصحافة الفرنسية لم تعد تأخذ البيانات الرسمية على محمل الجد، وهو ما عبرت عنه عبر انتقادها لصفقة القرن".

فاينانشال تايمز البريطانية: خطة ترامب ليست طريقًا للسلام

"خطة ترامب ليست طريقًا للسلام في الشرق الأوسط"، هكذا عنونت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، تعليقها على صفقة القرن، والذي قال فيه إن "عرض ترامب الذي يزعم كونه خطة لإحلال السلام بالمنطقة، ليس إلا محاولة فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين. وما يدعيه بأنه حلّ للدولتين، هو في الحقيقة حل لدولة واحدة هي إسرائيل المستفيد الوحيد من بنود الخطة".

ويؤكد المقال ما يبدو أن ثمة إجماع عليه، من أن إعلان ترامب عن بنود خطته في هذا التوقيت، إنما غرضه التشويش على التحقيقات التي يجريها الكونغرس لعزله، ويصب في مصلحة نتنياهو الذي يواجه محاكمة في قضايا فساد، وسباقًا انتخابيًا بعد شهر.

جاء موقف الصحافة الفرنسية من صفقة القرن على شقاق مع بيان الخارجية الفرنسية، برفضها لخطة ترامب وتشكيكها في نجاح تطبيقها

كما انتقد المقال السلطة الفلسطينية، محملًا إياه جزءًا من المسؤولية، قائلًا إنها "لم تعمل على تجديد نفسها وإجراء انتخابات طوال العشر سنوات الماضية، ما جعلها في حالة عزلة دولية يستفرد بها الثنائي ترامب ونتانياهو".

 

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة القرن.. انقسام عربي أمام مشروع تصفية القضية الفلسطينية

الغائب عن "صفقة القرن"