03-يوليو-2018

أندريا يوتشيني/ الغارديان

طبقت شهرة الكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي الآفاق بسلسلتها الروائية "صديقتي المذهلة"، مع أن اسمها مستعار، ومع أنه ما من أحد يعرف وجهها سوى ناشرها الإيطالي. في المقال المترجم الآتي عن الغارديان البريطانية نقف على جانب تقني في تفكير فيرانتي وكتابتها، من خلال ملاحظاتها حول الإضمار والحذف. 


لدي عدة ملاحظات متحفظة حول استخدام أسلوب الإضمار والحذف وعدم إتمام الجمل. لا شك أنها تبعث السرور. فهي أشبه بتلك الصخور الناتئة من المياه، وما يصاحب القفز عليها لدى عبورك فوق جدول مائي دون الابتلال من مخاطرة ممتعة.

إيلينا فيرانتي: أصبح لعلامات الإضمار والحذف تلك قوة إيحاء لدرجة أننا نضعها بشكل مفرط في رسائلنا

في الوقت الراهن، وخاصةً في رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصية، أصبح لعلامات الإضمار والحذف تلك قوة إيحاء لدرجة أننا نضعها بشكل مفرط في رسائلنا. بل إن الثلاث نقاط المعيارية لم تعد كافية بعد الآن؛ هناك أربعة أو خمسة أو حتى ستة نقاط. كأن يراسلك أحدهم قائلًا: "أنا هنا..... أشعر بالأسى.... يا هل ترى أين أنت..... أفكر فيك..... أود أن أراك ثانيةً ولكن.....". إذ يتبع كل كلمتين حفنة من النقاط!

اقرأ/ي أيضًا: "صديقتي المذهلة": فندق فقراء نابولي

تُستخدم هذه النقاط بشكل كثيف للغاية، وتشير إلى أشياء كثيرة، مثل القلق، أو الإحراج، أو التردد، أو الشك، اقرأ/ي أيضًا:

أو للتعبير عن الألم من قول شيء ما أو عدم قوله، وعندما نكون على وشك المبالغة في أمر ما ثم نتغاضى عن ذلك، أو حتى عند مجرد التوقف عن الكلام.

لقد اعتدت على استخدامها بكثرة؛ أما الآن لا أستخدمها على الإطلاق. ومع ذلك، فأنا أحب تلك النقاط، إذ لا تزعجني الإضمارات عندما يستخدمها الآخرون في كتاباتهم، حتى عندما أجد صفًا مكون من عشر نقاط متتالية بدلًا من ثلاثة. لكن في لحظة معينة، تبدأ عيني في التحليق فوق تلك النقاط وتجاوزها، وأنتقل إلى محاولة إمساك الكلمات في أسرع وقت ممكن. ولكن في كتاباتي الخاصة، بدأت أشعر أنها -الإضمارات- بمثابة فتاة لعوب، تغمز بعينيها في غنج، وفمها مفتوح قليلًا في تعجبٍ مُختلق. باختصار، تحتوي على الكثير من التعليقات المُتغامزة اللطيفة.

توقفت عن استخدامها نهائيًا عندما أصبحت -كنتيجة لتجربة شخصية- مقتنعةً بأنه لا يجب التعليق على أي خطاب، بمجرد أن يبدأ. أتحدث هنا عن التواصل الشفهي: إذا ما أخذت على عاتقك مسؤولية بدء جملة ما، فعليك أن تنهيها؛ حتى لو صرخ الآخرون في وجهك، وحتى لو تعرضت للإهانة، وشعرت بالندم على بدئك في الكلام، وبدأت تتلعثم، وتفقد الثقة، ولم تعد الكلمات تسعفك.

لم يكن لقراري أي علاقة بالكتابة، وربما ليست له حتى أي علاقة بالحذف والإضمار. بل كان له علاقة بفكرة التعليق. في بعض الأحيان، نلتزم بالصمت للحفاظ على السلام، وأحياناً يكون ذلك لمجرد تحقيق المصلحة الذاتية، عندما نُدرك أنه لا يجب أن نتكلم وإلا سينهار كل شيء. لكن في أغلب الأحيان نصمت بدافع الخوف، وبدافع التواطؤ. يمكن أن يُنتقد صمتك، ولكن يبقى أن لديه ميزة كونه اختيارًا واضحًا. عندما نقرر خرق ذلك الصمت ونتحدث، فلا بد أن نكمل حديثنا حتى النهاية دون تملص، ودون اللجوء إلى الإضمار والحذف.

إيلينا فيرانتي: يجب تدارك الموقف من خلال تعلم الدخول في صلب الموضوع، وكيفية الوصول إلى النقطة المنشودة

اقرأ/ي أيضًا: إيلينا فيرانتي: "الكتابة موجودة دائمًا.. ملحّة دائمًا"

بالنسبة لي، وعلى مر السنين تغير نزوع قديم لديَّ من الانسحاب التدريجي إلى النفور من المراوغة، وإلى الرسالة الكتومة. أقول لنفسي، إذا كان عليكِ التحدث تحدثي إذًا، ولكن واصلي حديثك حتى النهاية. حتى عندما يفرض الحوار إضمارًا ما -في الروايات، يخرج الأمر عن السيطرة- أفعل كل شيء لتجنب الخوض فيه. إذا لم أستطع، فأنا أفضل تخفيضهم من ثلاث نقاط إلى واحدة، وهذا يعد توقفًا مفاجئًا -لذلك بدلًا من كتابة "أود أن أراك ثانيةً ولكن ..."، أفضل كتابتها على هذا النحو "أرغب في رؤيتك ثانيةً ولكن.". يجب أن تدفع الثمن في شكل جملٍ مبتورة، لاحظ بشاعتها، لذا يجب تدارك الموقف من خلال تعلم الدخول في صلب الموضوع، وكيفية الوصول إلى النقطة المنشودة، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالكلمات.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رواية "أنشودة المقهى الحزين".. مستضعفو الحب الوحشي

رواية "لعبة الملاك".. الغموض والبوليسية في تاريخ برشلونة