24-مارس-2022
تركيا

"Getty"

فجأة، وبغير وجه حق، يقول اللاجئ السوري أحمد الصالح إنه تلقّى رسالة من رئاسة الهجرة التركية، تفيد بإيقاف بطاقة الحماية المؤقتة "الكملك" الخاصة به، بسبب عدم وجوده أثناء زيارة الشرطة للمنزل للتأكد من مكان إقامته، على الرغم من تثبيته قبل أشهر لسكنه الحالي في دائرة النفوس، لكن أحمد لم يكن السوري الوحيد الذي اتخذ بحقه هذا الإجراء، إذ صُدم آخرون بعد تلقيهم الرسالة نفسها، ما أثار تخوّفات عن مصير المتضررين، خصوصًا من كان مريضًا أو لديه عمل أو أبناؤه يدرسون، لأن كل تفصيل بحياة اللاجئ السوري مرتبط بشكل وثيق مع "الكملك" الخاص به.

تركيا

ونصّت الرسالة التي وصلت من قبل دائرة الهجرة التركية إلى بعض السوريين، على أنه "تم إلغاء الحماية المؤقتة الخاصة بك، لأن العنوان الذي أعلنته لإدارة الهجرة ليس محدّثًا، أو لم تكن في المنزل أثناء زيارة الشرطة للتحقق من وجودك في العنوان، تعال إلى المديرية الإقليمية لإدارة الهجرة، شعبة الأجانب، الأمنيات في ولايتك الأصلية عن طريق تحديد موعد في أقرب وقت ممكن".

بدورها، وضّحت دائرة الهجرة التركية عبر موقعها، أنه إذا قدم المتضرر إلى مديرية المحافظة لإدارة الهجرة في مكان تسجيله الأصلي، فسيتم تحديث معلومات عنوانه وتنشيط تسجيل الحماية المؤقتة من جديد.

بدأت "الهجرة التركية" خلال الشهرين الماضيين حملة لتأكيد العناوين المسجلة للسوريين في قيودهم، عن طريق توجّه عناصر من الشرطة إلى العنوان المسجل في القيد، والتحقق من تطابق الاسم المسجل مع أسماء المقيمين في العنوان.

دوّامة تثبيت النفوس

رغم طمأنة إدارة الهجرة التركية للسوريين عبر إمكانية تفعيل الكملك مرة أخرى، عن طريق تحديث البيانات وتثبيت النفوس، إلا أن الخوف والقلق يكبران لديهم، خصوصًا أن هناك من حدّثوا بياناتهم، وكانوا متواجدين أثناء تحقق الشرطة من مكان إقامتهم، إلا أن بطاقة الحماية توقفت، هذا ما أكده الصالح لموقع ألترا صوت.

ويقول اللاجئ السوري إنه يحاول حاليًا أخذ موعد لتحديث بياناته أملًا بإعادة تفعيل الكملك، إلا أنه يواجه صعوبة في ذلك، فالموعد يتطلب وقتًا يمتد لأشهر للتمكّن من الحصول عليه، وهذه عقبة تواجه ملايين السوريين اليوم، الذين يسعون لتخليص أوضاعهم القانونية، إذ يُطلب منهم تثبيت نفوسهم، لكن لا يعطَون مواعيد لذلك، لافتًا إلى استعداده رفع دعوى ضد دائرة الهجرة بعد الإجراءات التعسفية المتعلقة بإبطال بطاقة حمايته المؤقّتة.

يعدّ الإجراء الأخير للحكومة التركية انتهاكًا للقانون التركي المتعلق بالحماية المؤقتة، إذ تنص المادة 12 على إنهاء أو إلغاء الحماية المؤقتة على أساس فردي، لأسباب محددة وهي: مغادرة تركيا طوعيًا، الاستفادة من الحماية في دولة ثالثة، الذهاب إلى دولة ثالثة لأسباب إنسانية أو لإعادة الاستيطان، والموت، إلى جانب ارتكاب الجرائم، وهو ما لم يحدث مع اللاجئين المتضررين أخيرًا.

عودة طوعية - قسرية

تُعزى الإجراءات الأخيرة من قبل الحكومة التركية إلى تنظيم وضع اللاجئين السوريين في البلاد، خصوصًا أن هناك لاجئين تحت الحماية المؤقتة قد غادروا تركيا إلى أوروبا مثلًا، فضلًا عن وجود آخرين في عناوين وهمية، قدّموها للحصول على كملك ولاية معينة أو منطقة سكنية محددة، وهو ما تسعى لمكافحته السلطات، ضمن حملتها التي بدأتها منذ سنوات، والرامية إلى توزيع وتنظيم السوريين على شتى المحافظات، دون أن يتركّزوا ببعضها على حساب أخرى.

لكن الناشط الحقوقي في قضايا اللاجئين طه الغازي رفض اعتبار ما يجري حاليًا من "إجراءات تعسفية" من قبل الحكومة التركية عملية تنظيمية، إذ أشار إلى أن تنظيم مسألة الحماية المؤقتة للسوريين تكون عند منحهم الكملك، وليس بعد هذه السنوات الطويلة من إصداره، مضيفًا أن تركيا لم تحلّ مشكلة تمركز السوريين في مناطق معينة، إنما نقلتها من منطقة إلى أخرى، فمثلًا هناك من يحملون كملك غازي عنتاب ومتواجدين في إسطنبول، فإن أرادوا العودة إلى ولايتهم وتثبيت سكنهم، فسيواجهون مشكلة في ذلك، نظرًا لنسبة السوريين الكبيرة في غازي عنتاب.

ولفت الغازي إلى أن أبرز مشكلة يعاني منها السوريون في الفترة الحالية ضمن تركيا، هي تحديث بيانات السكن، خصوصًا أن قرارات جديدة قضت بألا تتجاوز نسبة السوريين في أي حي الـ25% من إجمالي سكانه، فضلًا عن توقّف ولايات عن منح "كمالك" جديدة، وهذا يجعل السوريين في معضلة حقيقية لا حل لها.

وعن الهدف من وراء التعقيدات لمعاملات السوريين، يوضّح الناشط الحقوقي أن الهدف هو حرمان السوري من شعور الاستقرار، ودفعه إلى الانتقال لولاية يتواجد فيها السوريون بنسبة ضئيلة، أو حتى إلى مغادرة تركيا بشكل مرجح أكثر، تحت مظلّة العودة الطوعية "القسرية"، والتي اتفقت عليها ضمنيًا مؤخرًا، الدول المجاورة لسوريا، حيث يعيش نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين.

ردّ دائرة الهجرة

دائرة الهجرة خرجت عم صمتها اليوم الخميس، فقال مدير الهجرة بيرام يالنسو في تصريح لموقع تلفزيون سوريا إن الدائرة جمّدت القيود ولم تلغها، وذلك لسببين رئيسيين، إمّا أن اللاجئ لم يحدّث عنوان سكنه، أو أنه حدّث عنوانه لكنه لا يسكن به.

وبيّن يالنسو أنه يمكن للاجئ الاستفادة من الخدمات الطبية في المشافي خلال فترة انتظار موعد تحديث عنوان سكنه، كما طمأن أصحاب الأمراض المزمنة، من سرطان وكُلى وغيرها، أن إيقاف القيد لن يؤثر على تلقيهم العلاج، وأضاف، "سنعمل على تفعيل وثائقهم مباشرة ومن دون موعد إذا ما كانوا يحملون تقريراً يثبت حالتهم".

فوضى الإجراءات

السوريون تفاعلوا بشكل كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي مع الحدث، بين من قال إنه وقع ضحية إبطال الكملك، وبين غاضب لعشوائية وفوضى الإجراءات التركية بحق السوريين، إضافة إلى المتخوّفين من أن يطالهم الضرر، بعد أن أصبح العديد من السوريين عرضة للترحيل إلى سوريا في أي وقت ولأي سبب.

المغرّد أحمد الخالدي رأى عبر تغريدة له في تويتر، أن الكراهية ضد السوريين موجودة لدى كل الأطراف الساعية للحكم في تركيا، وأن هذه الاجراءات تأتي بظل الصراع الانتخابي الرامي إلى ترحيل السوريين وإعادتهم إلى بلدهم، فـ"مشروع ترحيل السوريين دخل مرحلة ممنهجة".

الصحفي عبد الله الموسى تحدّث عبر تويتر، عن حالة التعجيز والتعقيد التي يواجها السوري في كل مكان بتركيا، فكتب "استعادة الكملك بحاجة لتحديث البيانات والحجز يحتاج تثبيت عنوان وتثبيت العنوان يحتاج كملك والكملك ملغى، هذه الدوامة المتكررة تعني التفرغ لأيام لإيجاد حل، بعد أن تنتهي من المشكلة يطردك صاحب العمل لغيابك المتكرر".

من جانبه، قال المحامي غزوان قرنفل عبر منشور له في فيسبوك، إنه تلقى رسالة تفيد بإلغاء الحماية عنه، بسبب عدم تحديثه عنوان سكنه، رغم أنه خارج الحماية المؤقتة أساسًا، إذ كتب "للتأكيد على فوضى ابطال الكيمليك وتثبيت العناوين بطريقة اعتباطية... وصلتني رسالة من إدارة الهجرة يبلغوني فيها أنه تم إلغاء الحماية عني ... أولا أنا ما كنت تحت الحماية أصلًا منذ دخولي تركيا عندي إقامة سياحية  .. وثانيا أنا من حوالي 3 سنوات صرت مواطن تركي" يسخر قرنفل.

 

للتأكيد على فوضى ابطال الكيمليك وتثبيت العناوين بطريقة اعتباطية : قبل خمس دقائق وصلتني رسالة على جوالي من إدارة الهجرة...

Posted by Ghazwan Koronful on Wednesday, March 23, 2022

وكان وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، كشف مؤخرًا أنه "نتيجة للدراسات التي أجراها ضباط إنفاذ القانون، فقد تقرر أن 80% من اللاجئين يعيشون في العناوين التي حددوها، وحملة التدقيق مستمرة لتصل إلى معدل 90%"، مشيرًا إلى أن ما بين 120 و130 ألف سوري لم يتم العثور عليهم في عناوينهم خلال هذه الحملة.