22-أغسطس-2015

الثقافة الموريتانية لا تجد من يقوم عليها ويبرزها للعالم

بقلم رصاص لا يفارق يمناها، ودفتر صغير الحجم في يسراها، وذاكرة بصرية متوثبة، ترصد الفنانة البرتغالية إيزابيل فياديرو، أدق تفاصيل الحياة اليومية في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

توثق فياديرو مشاهد الحياة البسيطة التي تعتقد أنها ستختفي مع مرور الزمن

بمجرد اقتناص المشاهد الثمينة، تعود فياديرو إلى ورشة صغيرة داخل منزلها، لتحويل بعض الرسوم إلى لوحات فنية، لعرضها أمام الجمهور في معرض خاص أسسته عام 2012، إضافة إلى نشرها باقي الرسوم على مدونتها الإلكترونية، وعلى بوابة تجمع الرسامين في العالم، التي حصلت على عضويتها ضمن ثلاثة أفارقة، بينهم الرسام الموريتاني عمر بال. ولذلك، ترى فياديرو بأن "الرسامين لم يستفيدوا بشكل كامل من وجود الإنترنت للترويج لأعمالهم عكس محترفي التصوير مثلا".

من غير ميعاد

بمحض الصدفة، وصلت فياديرو إلى موريتانيا مطلع عام 2004، في رحلة سياحية عادية، لم تكن الفنانة البرتغالية البالغة من العمر 52 عامًا، تعلم أنها ستكون بداية مشوار جديد، عادت فيه إلى ممارسة فن الرسم بانتظام، بعد أن كانت قد اعتزلته منذ عام 2000.

بين أزقة نواكشوط القديمة، وعلى أرصفة شوارعها، توثق فياديرو فوضى الألوان، وتناقض مشاهد الحياة البسيطة، التي تعتقد أنها ستختفي مع مرور الزمن، لذا فهي تسعى للاحتفاظ بنسخة منها، لتكون ذاكرة مجتمعية.

لا تكتفي برسم تفاصيل الحياة الحضرية، بل نظمت أكثر من رحلة إلى المناطق النائية في البلاد، وزارت الصحراء الغربية، لرصد أوجه التشابه بين ثقافة سكانها، وسكان موريتانيا. تتحدث السيدة فياديرو اللهجة الحسانية بصعوبة، لكنها درست اللغة الفرنسية، للتكيف مع الواقع الجديد، والتواصل مع محيطها.


ثقافة غنية ولكن

تقول السيدة فياديرو إنها تمارس الرسم من أجل "تسجيل تفاصيل المشاهد التي تختفي حتمًا"، لكن البعد الثقافي حاضر بقوة في تجربتها المثيرة، حيث إن "عشقها للثقافة الموريتانية الغنية بالتنوع الاثني، هو ما دفعها للاستقرار في هذا البلد". تعتقد فياديرو أن "الثقافة الموريتانية لا تجد من يقوم عليها ويبرزها للعالم"، وتصف ممارسي الرسم بأنهم "قلة وتقتصر أعمالهم في الغالب على لوحات لأشياء بسيطة"، والسبب في ذلك هو "غياب أماكن للعرض، وعدم وجود علاقة مباشرة مع الجمهور".

بدايات في أقسام الشرطة

تتذكر فياديرو كيف تعرضت للاستجواب مرتين، خلال الأيام الأولى لتجربتها الفنية في موريتانيا عام 2004، إبان فترة حكم الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع. تجربة الاعتقال الأولى، حدثت بينما ترسم لوحات عن شارع محاذ لإحدى القواعد العسكرية في نواكشوط، حين اقتادها رجال الشرطة إلى إحدى المفوضيات لاستجوابها، ومصادرة أدواتها واحتجازها فترة قصيرة، قبل أن "يتدخل بعض أصدقائها لإزالة سوء الفهم الحاصل".

طموح لا حدود له

استطاعت الفنانة فياديرو، بناء شبكة علاقات واسعة في المحيط الثقافي والاجتماعي، وباتت تدعى لحضور أغلب التظاهرات الثقافية في موريتانيا، ويتم بيع لوحاتها لزبائن من داخل موريتانيا وخارجها أيضًا. كما أنها تمكنت من تنظيم معارض منتظمة، بالتعاون مع المعهد الفرنسي في نواكشوط، والمركز الثقافي المغربي، وفنانين آخرين، بالإضافة لمشاركتها في معارض دولية مثل معرض برشلونة. تطمح فياديرو لتحويل فن الرسم الحضري الدخيل على موريتانيا، إلى الفن الأكثر شعبية في البلاد، وتحلم بتطوير هذا الفن ليواكب التحديث الحاصل عليه عالميًا.