29-نوفمبر-2022
إيرين غيرو

الشاعرة إيرين غيرو

إيرين غيرو شاعرة وروائية ومترجمة ومدرّسة أدب مقارَن في جامعة السوربون. صدر لها أربعة دواوين شعرية، رواية، وترجمات عن الإيطالية والإسبانية، أهمها "الأناشيد الأورفية" للشاعر الإيطالي دينو كامبانا سنة 2016، ومن الإسبانية/تشيلي في 2021 مختارات للشاعرة الحائزة على جائزة نوبل غابرييلا ميسترال.

هذه المقتطفات المترجمة هي من ديوان "تيفرا"، عن دار النشر الفرنسية Al Manar سنة 2019، وقد تمت كتابته في إطار إقامة إبداعية في "مخبر علوم المناخ والبيئة". جاء في التقديم على غلافه من قبل الناقد هيرفي غيلو: "رجل العلم يحاول الوصول إلى أبعد من حدود المعرفة حتى ولو شعر بالضياع أو شعر بالدوّار، الشاعر يذهب إلى ما هو أبعد من المعيشيّ. ومن دون شك، هو يشعر بالدوّار ذاته".

مفردة تيفرا هي كلمة لاتينية تشير لحجر ناشئ عن تفاعلات بركانية، وهي متحدرة عن كلمة يونانية بما معناه "رماد"، وفي هذه المقتطفات المترجمة ثمة ثلاثة مقاطع تحاول السرد الشعري لتشكّل الجليد في قلب الجيولوجيا الحجرية البركانية، تيفرا. هذه القراءة الشعرية تتناوب بين وقتين: لحظات هذا التشكل التي تبقى هائمة من دون قدرة على تحديد موقعها في الخط الزماني، ولحظات الإحساس بالعناصر، إنه زمن الشاعرة وأدواتها ومحاولتها جعل "يدها" صلة وصل مع تلك الأوقات التي لم يبق منها سوى مواد زاخرة بالإبداعات الجيولوجية، وكذا الشعرية. ليس فقط يدها، بل أجزاء أخرى نابضة بالدم الساخن والمواد العضوية من الجسد الذي يقدر على صناعة الشعر حين يدخل في تركيبة العناصر كقارئ ومبدع وأداة قياس.

قد ننشر لاحقًا أجزاء أخرى مترجمة من هذا الكتاب ومتعلقة بالتحولات الأخرى التي يعيشها الحجر البركاني حتى يصل إلينا كما هو عليه، فعليًا كما شعريًا من وجهة نظر الشاعرة. وفي هذه المختارات اخترنا عمل الصقيع.


عملُ الصقيع 

 

1

يعبرُ حاجزٌ المكان.

أحيانًا، يظهر بشكل بارز

الحجر الذي يحدّ حوافه.

في قاع إحدى الحفر، نبعٌ من الآزوت السّائل

مُحتجَزٌ خلف جليده، منبثِقٌ منه

بينما قطراته المتجمدة

الحارقة

صنعت في التراب شرخًا طويلًا

ما زلنا نتوجّس قبل عبوره.

...

في حقب فائتة

كانت تمسك بي يد حارّة وأخرى من جليد.

 

والآن، أفكّك أصابعها المكرمشة

متشبثّةً بالحافّة،

على الخطّ المُطعّم بالمسامات، ويفصُلني، بشكل رديء جدًا

عن البرد.

 

2

نلبس ثيابًا سميكة

نضع قماطات حتى نعبر.

لا يمكن سبر الهواء الجليدي بسهولة؛

يقسّي الأيدي

الأعين

الحنجرة؛

ويُنهض في كل مكان حيطانًا من جليد.

 

تتقدم امرأة بإيماءات صارمة، بكلمات مثلّجة على طرف شفتيها

إنها ناطورة الثلج

وهي تحرس.

...

 

لا شيء يحميني من البرد الذي

يجرّحني ويشكّلني

حتى من قبل الذكريات

إلا أنا نفسي.

 

أراقبُ حتى وأنا

محبوسةٌ في التربة "دائمة التصقّع"؛

معقوفةٌ في مفكّ إيثاق الهواء البارد،

وأبحث في الجليد، عن قوة الحرق.

 

3

 

هي أيضًا تحمل عبء الزمن.

 

في يديها المكففتين تكوّر ثلوجًا

سيبيرية، قطبية، وباتاغونية

مسنّنةً مثل سهام.

 

شفافةٌ داخل الشفافية،

كانت فقاعاتُ الهواء داخل الجليد، وتنفحُ

من أجلها، عصرَ الأنهار الجليدية.

...

بيدين عاريتين

أداعب التصقّع

الآتي من أمكنة بعيدة

أو من المكان

الأقرب إليّ

وُلد مع النهر المتجمد

هناك حيث أُخذِت على حين غرّة

بعض جرعات الهواء.

 

في كل عبور

يذوب قليلًا

يتدفق في دمع

نفّاذ

يفكّك ماضيَّ عن بعضه البعض

كاشفًا لي

إياه.