04-أغسطس-2018

أنهت التفاهمات الروسية الإسرائيلية وجود إيران في الجنوب السوري (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

دخلت الحرب السورية مرحلة جديدة بعدما استعاد النظام السوري السيطرة على كامل محافظة درعا والمعابر الحدودية مع الأردن، بالإضافة لمناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في حوض اليرموك، فيما لا يزال يحتفظ مقاتلوه ببضعة جيوب صغيرة في في منطقة البادية شرقي السويداء، رافقها حراك دبلوماسي بوساطة روسية لمحاولة تجنب حدوث اشتباك استعراضي بين إسرائيل وإيران جنوب سوريا.

يمثل الجنوب السوري فتيلًا قابلًا للاشتعال بشكل مفاجئ نتيجة قربه من الخط الفاصل لوقف إطلاق النار في الجولان المحتل

"الأربعاء الأسود" بوابة الأسد للسيطرة على الجنوب السوري

كان يوم الـ25 من الشهر الفائت مأساويًا في أخباره، بعدما أفاقت محافظة السويداء على الهجوم الذي نفذه مقاتلو داعش بتفجير أربعة سيارات مفخخة داخل المدينة، اتبعها بهجوم مماثل لمناطق في ريف المدنية ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 مدنيًا، وعلى الرغم من تبني التنظيم للهجوم الدموي الذي وصف بـ"الأربعاء الأسود"، فإن جل المراقبين اتفق على تحميل مسؤولية الهجوم للنظام السوري الذي قام بسحب الأسلحة الثقيلة من المدينة قبل الهجوم بأيام قليلة، وسمح قبل أشهر بمرور مقاتلي التنظيم المحاصرين في مخيم اليرموك جنوب دمشق إلى المنطقة عينها.

اقرأ/ي أيضًا: مجزرة السويداء.. انتقام النظام بسكين داعش

وحتى ما قبل وقوع الهجوم المأساوي كان مقاتلو التنظيم يسيطرون على منطقة حوض اليرموك غربي درعا التي تقع على بعد بضعة أمتار من الحدود الأردنية، فيما كان النظام يسيطر على كافة محافظة درعا التي انطلقت منها أولى المظاهرات في آذار/ مارس 2011، وكانت تحمل رمزية كبيرة للنشطاء المعارضين للنظام السوري، لكن المشهد تبدّل كليًا اعتبارًا من بداية الشهر الفائت.

ورافق خبر السيطرة أنباء متضاربة حول إبرام صفقة بين قوات الأسد مع ما تبقى من مقاتلي التنظيم، تنص على فتح ممرات آمنة لهم مقابل الإفراج عن النسوة اللواتي اختطفن من ريف السويداء في هجوم "الأربعاء الأسود" بحسب ما نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي رجح أن يتم نقلهم إلى جهة مجهولة "يعتقد أنها البادية السورية"، حيث لا يزال مقاتلو التنظيم يحتفظون بجيوب صغيرة منقسمة بين ريف السويداء وريف دير الزور.

عين إسرائيل على الجنوب السوري

ويمثل الجنوب السوري فتيلًا قابلًا للاشتعال بشكل مفاجئ نتيجة قربه من الخط الفاصل لوقف إطلاق النار في الجولان المحتل. وفيما كان مراقبون يحذرون من إمكانية نشوب حرب في المنطقة بين إيران وإسرائيل، نفذ الجيش الإسرائيلي أول أمس الخميس غارة جوية استهدفت تجمعًا لمقاتلي التنظيم قال إنهم دخلوا الخط الفاصل لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من تنفيذ المقاتلات الإسرائيلية لعشرات الغارات الجوية خلال السنوات السبع الفائتة قالت إنها لتقويض نفوذ الميليشيات، التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فإن تصريحاتها الأخيرة حول بقاء الأسد في السلطة بدأت تثير الشكوك، خاصة وأن تحليلات مختلفة ربطت بقاءه بالموافقة على "صفقة القرن"، والتي جاءت بعد القمة الأخيرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.

وكانت الصحف العبرية تناقلت أول أمس الخميس تصريحات متطابقة لوزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قال فيها إن "تحولًا إيجابيًا طرأ على البيئة الأمنية الإسرائيلية بعد استقرار نظام حكم الأسد واستكمال سيطرته على الجنوب السوري"، ما يدلل على وجود تفاهمات سرية بين دمشق وتل أبيب ترعاها موسكو بعيدًا عن أعين طهران التي يبدو أنها فقدت نفوذها في الجنوب السوري.

هل ترضخ إيران لاتفاق الجنوب؟

ويبدو أن موسكو ماضية قدمًا بتنفيذ تعهداتها المرتبطة بالضغط على طهران للانسحاب من المنطقة، فقد أكد مبعوث الرئاسة الروسية إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف قبل يومين أن الميليشيات انسحبت من مواقعها في الجنوب السوري 85 كم، "بغية عدم إزعاج القيادة الإسرائيلية"، لكن الأخيرة تجد أن هذا الانسحاب غير كافٍ بحسب وزير الدولة الإسرائيلي تساحي هنجبي الذي أوضح أن مخاوفهم ليست في التواجد العسكري قرب الحدود فقط، بل يدخل ضمنها "التدخل والتعزيز العسكري الإيراني في سوريا".

والواضح أن موسكو تحاول أن تظهر لتل أبيب جديتها بتنفيذ وعودها المرتبطة بالتواجد الإيراني في جنوب سوريا، إذ أعلنت وزارة الدقاع الروسية أنها سيّرت دورية مشتركة بين الشرطة العسكرية الروسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لتجنب أي استفزازت من المتوقع حدوثها عند خط وقف إطلاق النار، وأشارت إلى أنها ستقوم بنشر عناصر من الشرطة العسكرية في ثمانية نقاط مراقبة لضمان عدم حدوث أي اشتباك.

اقرأ/ي أيضًا: ليبرمان: سكان "شمال إسرائيل" سيشعرون بالأمان بعد عودة الأسد إلى الحدود

وقد وصفت صحيقة هآرتس الإسرائيلية هذه التجاذبات التي تعصف بالجنوب السوري بين طهران وتل أبيب ريثما تتمكن قوات الأسد مدعومًة بالمقاتلين الروس من فرض سيطرتها على المنطقة، بـ"الاستعراضية"، مستبعدة في الوقت ذاته حدوث أي مواجهة عسكرية محتملة حاليًا، لكنها رجحت أن ينفذ حزب الله هجومًا عبر ترسانته الصاروخية التي قدرتها بـ130 ألف صاروخ، محذرة من أن دخول إسرائيل في حرب طويلة قد يضر باقتصادها، علاوًة عن محاولة افتعال حرب لإخماد المظاهرات التي امتدت إلى طهران احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية المتردية.

يبدو أن موسكو ماضية قدمًا بتنفيذ تعهداتها المرتبطة بالضغط على طهران للانسحاب من المنطقة

ويعطي تحليل الصحيفة الإسرائيلية رؤية واضحة لما تشهده الخارطة السورية من صراع على تقاسم النفوذ، أو استفادة حكومات الدول التي تشهد احتجاجت داخلية، لكنه في مقابل ذلك يكشف أن روسيا استطاعت بعيد تدخلها عسكريًا أن تقلب المعادلة لصالح النظام السوري بعدما كانت قواته تشهد انهيارات متتالية حتى ما قبل 30 أيلول/ سبتمبر 2015، حيث كان يسيطر على أقل من 30% من البلاد.

وفي حال أوفت موسكو بوعودها لتل أبيب فإن ذلك قد يكون مقابل إبرامها صفقة غير معلنة مع طهران برعاية الأسد تنص على حصولها على نصيب أكبر من ملف إعادة الإعمار، وبحسب صحيفة العربي الجديد فإن النظام السوري يسعى لزيادة حصة طهران في ملف إعادة الإعمار بعد انسحابها من الجنوب السوري، التي من ضمنها الموافقة على بدء تنفيذ مشاريع خلال الفترة القادمة، مثل تنفيذ خط سكة حديد تربط بين دمشق وبغداد وطهران.

أخيرًا، فإن مجمل التطورات الأخيرة التي بدأت بإسقاط مقاتلة السوخوي، وليس انتهاءً بالقصف الإسرائيلي لمقاتلي تنظيم الدولة، يشير إلى استبعاد حرب قريبة بين تل أبيب وطهران، أو الأطراف الدولية المنقسمة فيما بينها في الاتفاق على سيناريو ينهي المأساة السورية، لكن هذه التطورات تظهر اتفاق كل الأطراف على بند واحد على الأقل، هو بقاء بشار الأسد في السلطة، وتمكينه من استعادة السيطرة على باقي المناطق الخارجة عن سيطرته، أما ما تبقى من تجاذبات عسكرية حالية فإنها أشبه بـ"حرب باردة" غير قابلة للاشتعال على أقل تقدير.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط