02-مارس-2025
مسعود بزشكيان

وجد بزشكيان نفسه في سياق داخلي ودولي صعب (رويترز)

لا يبدو أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ينجح في تحقيق أيٍّ من وعوده الانتخابية، فبعد 8 أشهر على انتخابه رئيسًا لإيران، واصل الاقتصاد الإيراني تدهوره، إلى الحدّ الذي دفع البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، إلى عزل وزير الاقتصاد عبد الناصر همّتي، بسبب الارتفاع الكبير لمعدلات التضخم وتراجع العملة.

هذا على الصعيد الاقتصادي، أمّا على الصعيد الدبلوماسي فيبدو أيضًا أن بزشكيان رضخ لإرادة المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، بإعلانه اليوم، أنّ إيران "في حرب شاملة مع العدو"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

وكان بزشكيان قد بنى حملته الانتخابية على وعود الإنعاش الاقتصادي، ورفع العقوبات، وتبني الحوار والدبلوماسية كخيار استراتيجي في معالجة القضايا الإقليمية والدولية، معتبرًا بذلك أنّ نهج التعاطي السابق لم يُجنّب الإيرانيين تشديد العقوبات التي عادت بشكلٍ أقسى مما كانت عليه بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018.

لا يبدو أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينجح في تحقيق أيٍّ من وعوده الانتخابية من الإنعاش الاقتصادي، ورفع العقوبات، إلى تبني الحوار والدبلوماسية كخيار استراتيجي

عزْل وزير الاقتصاد من طرف البرلمان

أطاحت معدلات التضخم المرتفعة، والتراجع الكبير لسعر الريال الإيراني مقابل العملات الأجنبية، برأس وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همّتي، في ظل مخاوف من أن تطال تداعيات الأزمة الاقتصادية حكومة بزشكيان الأولى بكاملها، والتي لم تكمل بعد عامها الأول.

وكان البرلمان الإيراني قد عقد اليوم الأحد، جلسة مساءلة وتصويت بحجب الثقة، وذلك بحضور الرئيس بزشكيان، الذي لم يُجد دفاعه عن وزيره، في عملية عزله، حيث صوت 182 نائبًا مع قرار حجب الثقة، من أصل 273 نائبًا حضروا جلسة اليوم.

وفي معرض دفاعه عن وزيره، برر بزشكيان حالة التراجع الاقتصادي بالقول إن إيران، في حرب اقتصادية حقيقية "مع العدو"، معتبرًا أنّ المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الإيراني حاليًا "غير مرتبطة بشخص واحد، ولا يمكننا إلقاء اللوم فيها على شخص واحد". ويثير تصريح بزشكيان مخاف من أنّ البرلمان يريد فقط من "يضحّي به ككبش فداء"، ويتجاهل أسباب الأزمة العميقة المتمثلة، حسب فريق بزشكيان الحكومي، في سيف العقوبات المسلط على إيران، والذي أصبح أكثر مضاء بعد توقيع ترامب على قرار بتطبيق سياسة الضغوط القصوى على إيران.

وحمّل معظم النواب الذين تداولوا على الكلام الوزير همّتي مسؤولية الموجة الحالية من التضخّم. كما نبّه النواب على مخاطر أزمة التضخم، على صعيد القدرة الشرائية للإيرانيين. وفي هذا الصدد، قال عضو البرلمان روح الله متفقر آزاد إنّ "الناس في إيران لا يستطيعون تحمل الموجة الجديدة من التضخم، ولابد من السيطرة على ارتفاع أسعار العملات الأجنبية والسلع الأخرى"، بدورها قالت النائبة فاطمة محمد بيجي "إن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف شراء الأدوية والمعدات الطبية".

أمّا وزير الاقتصاد المعزول عبد الناصر همّتي، فأكّد أنّ "التصخم هو المشكلة الكبرى التي تواجه الاقتصاد"، مضيفًا "أنها مشكلة مزمنة تؤثر على الاقتصاد منذ سنوات، وليست وليدة اليوم، كما يحاول البعض إقناع الإيرانيين بذلك"، وقد وصل معدل التضخم، بحسب الأرقام الصادرة عن مصرف إيران المركزي، نسبة 35%، وللسيطرة على هذه النسبة الآخذة في الارتفاع منذ 2019، حسب همّتي، لا بد من إعطاء الوقت الكافي لدوائر صنع القرار الاقتصادي في البلاد، وعلى رأسها وزارة الاقتصاد، وذكّر همتي البرلمانيين بأن التضخم وصل في عام 2023 إلى نسبة 45%، لكنّ ذلك لم يشفع له أمام البرلمانيين.

وبشأن تراجع صرف العملة في الأسواق، اكتفى همتي بالإشارة إلى أنّ "سعر الصرف ليس حقيقيًا، فالسعر عائد إلى توقعات تضخمية" وفق تقييمه.

ولوحظ أن سعر الريال الإيراني عرف انخفاضًا كبيرًا في قيمته، منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، ووصل السعر يوم الأحد، في السوق السوداء، مستوى غير مسبوق، حيث وصل سعر الدولار الواحد 920 ألف ريال إيراني، ولم يكن السعر يتجاوز 600 ألف عشية انتخاب بزشكيان منتصف عام 2024، وقبل ذلك في عام 2015 كان السعر في حدود 32 ألف ريال مقابل دولار أميركي واحد.

يشار إلى أنّ همّتي كان قبل توليه منصب وزير الاقتصاد محافظًا لمصرف إيران المركزي، وبالتالي لا يعد شخصية غريبة على إدارة الاقتصاد في إيران.

وبإقالة همّتي، سيكون بزشكيان مطالبًا بتسمية وزير اقتصاد جديد، في غضون 3 أشهر، وسيضطر إلى نيل ثقة البرلمان قبل مزاولة مهامه.

حرب شاملة

بدا الرئيس الإيراني متشائمًا بشكلٍ غير مسبوق، حيث حذّر البرلمانيين، قائلًا إن إيران "تواجه حربًا شاملة، تستدعي الاستعداد لها، بدلًا من إلقاء اللوم على بعضنا البعض"، وأكد بزشكيان أنّ "العدو يضيق الحصار والعقوبات علينا"، زاعمًا أن لدى حكومته "برامج للخروج من هذا الوضع".

وحول ملف التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية، قال بزشكيان إنه "كان يعتقد أن الحوار مع واشنطن قد يكون الخيار الأفضل"، مؤكّدًا التزام حكومته بتوجيهات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي يرى أنّ الحوار مع واشنطن غير مجدٍ.

وسبق لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن قال في تصريحات مشابهة إنه "لا إمكانية لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، طالما أنّ إدارة ترامب، مستمرة في فرض سياسة الضغوط القصوى علينا"، مشيرًا إلى أنّ طهران، ستواصل مع الشركاء الدوليين بحْث برنامجها النووي، مضيفًا أنّ خبراء إيرانيين أجروا اتصالات مع نظرائهم في الصين وروسيا، وأنّ عملية التنسيق هذا ستستمر، وفق تعبيره.