27-أغسطس-2019

هل ستصل غريس 1 المحملة بالنفط الإيراني إلى النظام السوري؟ (Getty)

فشلت محاولات واشنطن في تمديد احتجاز ناقلة النفط الإيرانية غريس 1 التي تهرب النفط الإيراني عبر الموانئ السورية، ورفضت حكومة جبل طارق الأسبوع الماضي، الطلب الأمريكي بسبب قيود قانونية أوروبية، وبحسب التصريحات الإيرانية فإن الناقلة قد تتابع طريقها إلى السواحل السورية في تحد واضح للولايات المتحدة.

كشفت وثائق قضائية أمريكية منشورة حديثًا أن الإدارة الأمريكية أصدرت أمرًا باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية التي احتجزتها مشاة البحرية الملكية البريطانية في جبل طارق، وأنها ترجع ذلك إلى أدلة على أنها كانت تنقل النفط إلى النظام السوري

إيران غيّرت اسم الناقلة إلى "أدريان داريا 1" وحددت وجهتها إلى ميناء مرسين في تركيا بدلًا من جنوبي اليونان، بعد أن قالت الأخيرة إنها لن تقدم أية تسهيلات للناقلة التي غادرت جبل طارق الأسبوع الماضي حسب وكالة أسوشيتد برس.

اقرأ/ي أيضًا: حرب الناقلات.. هل فرضت طهران هيمنتها على مضيق هرمز؟

وأشارت بيانات سابقة لموقع مارين ترافيك الخاص بتتبع السفن، أن الناقلة التي كانت محملة بالنفط في طريقها إلى ميناء كالاماتا في جنوب اليونان. لكن البيانات الجديدة للموقع أظهرت أنها ستبحر من أمام اليونان عبر البحر المتوسط وترسو في ميناء مرسين بجنوب تركيا في 31 آب/أغسطس الجاري.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية حذرت في وقت سابق اليونان ودول حوض البحر المتوسط الأخرى من أن أي تعاون مع الناقلة سيتم التعامل معه بوصفه "دعمًا للإرهاب".

وقالت حكومة جبل طارق في بيان، إنها "تلقت طلبًا أمريكيًا مفصلًا في 16 آب/أغسطس الجاري، لتقييد مغادرة ناقلة النفط غريس 1 المفرج عنها، تمهيدًا لبدء إجراءات المصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.

وأوضح البيان أن "السلطات المركزية في جبل طارق ليس بإمكانها أن تطلب من المحكمة العليا المساعدة في الإجراءات التقييدية التي طلبتها الولايات المتحدة". وأضافت الحكومة أن "السلطة المركزية في جبل طارق لم تستجب للطلب الأمريكي، وذلك نظرًا لقوانين الاتحاد الأوروبي، والاختلاف في تطبيق أنظمة العقوبات على إيران بين أوروبا والولايات المتحدة".

وأوضحت سلطات جبل طارق أن "عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد إيران - المطبقة في جبل طارق - أقل بكثير من تلك المطبقة في الولايات المتحدة". وغاردت الناقلة ميناء جبل طارق، محملة بـ 2.1 مليون برميل من النفط الخام الإيراني، بحسب المصدر نفسه. ومن المتوقع وصول طاقم جديد وإبحار الناقلة إلى مياء مرسين في تركيا، وسط ترجيحات بإكمال رحلتها إلى السواحل السورية.

ما هي أدلة واشنطن؟

كشفت وثائق قضائية أمريكية منشورة حديثًا أن الإدارة الأمريكية أصدرت أمرًا باحتجاز ناقلة النفط الإيرانية التي احتجزتها مشاة البحرية الملكية البريطانية الشهر الماضي في جبل طارق، وأنها ترجع ذلك إلى أدلة على أنها كانت تنقل النفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات أمريكية، حسب وكالة رويترز.

وقالت المدعية العامة في واشنطن العاصمة جيسي ليو في بيان صحفي، إن الناقلة غريس 1 التي تحمل قرابة مليوني برميل من النفط ونحو 995 ألف دولار ينبغي أن تخضع للمصادرة بناء على شكوى من الحكومة الأمريكية.

وكانت قوات خاصة في البحرية الملكية البريطانية احتجزت الناقلة في جنح الظلام عند المدخل الغربي للبحر المتوسط في الرابع من تموز/يوليو للاشتباه في أنها تنتهك عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي بنقل نفط إلى نظام الأسد، الحليف المقرب لإيران.

وأفادت وثيقة قضائية حصلت عليها رويترز بوجود أدلة على أن السفينة كان من المقرر أن تصل إلى سوريا في أوائل تموز/يوليو الماضي. وذكرت الوثيقة أن "الخرائط والأجهزة الإلكترونية التي تم الحصول عليها من على متن غريس 1 ورسائل لتطبيق واتسآب على هواتف أفراد الطاقم المحمولة وحديث أفراد الطاقم، يظهر أن الناقلة كانت متجهة إلى ميناء بانياس في سوريا في انتهاك للعقوبات الأمريكية".

وتحاول واشنطن احتجاز الناقلة استنادًا إلى ارتباطها بالحرس الثوري الإيراني الذي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.

طهران تتحدى واشنطن

نفت إيران أن تكون "غريس1" متوجهة إلى سوريا لمساعدة نظام الأسد على مواجهة أزمة الطاقة التي يعاني منها، متحدية في الوقت نفسه العقوبات الأمريكية، إذ نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن عباس موسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قوله: "كما قلنا من قبل.. فإن وجهتها لم تكن سوريا وما زلنا متمسكين بهذا.. ونكرر أنه لا علاقة لأحد بالأمر حتى لو كانت سوريا".

واعتبر الموسوي أن "أمر الاحتجاز وشكوى المصادرة مجرد مزاعم. يقع على عاتق الحكومة عبء إثبات المصادرة في إجراءات مصادرة مدنية". وأضاف أن "طهران تدعم سوريا في كافة المجالات بما في ذلك النفط والطاقة"، مشيرًا إلى أن "طهران مستعدة لبيع النفط لأي زبائن جدد أو قدامى".

وقالت مصادر في الحرس الثوري الإيراني لصحيفة "جوان"، إنه "إذا أقدمت الولايات المتحدة على توقيف ناقلة النفط الإيرانية، فإننا سنرد باستمرار احتجاز ناقلة النفط البريطانية، لأن بريطانيا هي مصدر المشكلة، وسنستولي على سفن أمريكية أيضًا".

لكن المدعية العامة في واشنطن العاصمة "جيسي ليو" شددت أن"مخطط إيران يشمل أطرافًا متعددة تابعة للحرس الثوري الإيراني وجرى تدعيمه عبر رحلات خادعة لغريس1". وأضافت أنه "ثمة مزاعم أن شبكة من شركات الواجهة غسلت ملايين الدولارات لدعم هذه الشحنات".

وثائق مزورة

صحيفة واشنطن بوست الأمريكة قالت إن محكمة جبل طارق أمرت بالإفراج عن غريس 1 يوم الخميس الفائت بعد أن قالت بريطانيا إنها تلقت ضمانات من طهران بأن الناقلة لن تسلم النفط إلى النظام السوري.

وبحسب الصحيفة فإن مذكرة الاعتقال تكشف بذل جهد متقن لإخفاء أصول ووجهة شحنة غريس 1 وتقول الوثيقة إن الناقلة غادرت إيران في نيسان/أبريل، وأوقفت أجهزة الإرسال والاستقبال أثناء وجودها في المياه الإيرانية، كما أنها تحمل وثائق مزورة لإظهار أن النفط الذي كانت تنقله جاء من العراق. وكذلك "أكدت السلطات المختصة في العراق أن الوثائق كانت مزورة" وفق ما جاء في المذكرة.

وتشير الصحيفة إلى أن أمر الاعتقال يمثل أول محاولة من جانب الولايات المتحدة لاعتراض سفينة منذ أن انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني وفرض عقوبات جديدة صارمة.

وتضيف المذكرة أن شبكة من الشركات قامت بغسل الأموال لدعم الشحنة عبر النظام المالي الأمريكي، في محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية ليس فقط ضد تسليم النفط إلى سوريا ولكن ضد المعاملات مع الحرس الثوري الإيراني الذي كان مسؤولًا عن الشحنة.

وتلفت واشنطن بوست أن إيران تخاطر بمزيد من التوترات في الخليج، حيث بدأت السفن الحربية الأمريكية والبريطانية في دوريات لحماية الشحن التجاري من التهديدات الإيرانية.

ويقول المسؤولون الأوروبيون إنها المرة الأولى التي تحاول فيها سفينة إيرانية نقل النفط إلى سوريا عبر أوروبا والمياه الإقليمية في غرب البحر الأبيض المتوسط، وهو طريق دائري أخذ غريس 1 حول إفريقيا. وفي الماضي كانت إيران قد أرسلت إمدادات إلى سوريا عبر قناة السويس، وهو طريق أقصر بكثير يتجنب عقوبات الاتحاد الأوروبي.

لكن العقوبات الأمريكية الجديدة التي تستهدف إمدادات النفط إلى نظام الأسد، وكذلك صادرات النفط الإيرانية، جعلت من الصعب على إيران تقديم الإمدادات الحيوية، مما ساهم في نقص حاد في الوقود في سوريا في وقت سابق من هذا العام.

تهريب النفط الإيراني عبر السواحل السورية

في 31 من تموز/يوليو الماضي وصلت إلى مصفاة بانياس على الساحل السوري ثالث شحنة من النفط الخام الإيراني، ونقلتها سفينة تدعى SINOP))، وكانت تقل قرابة مليون برميل من النفط. غادرت الناقلة جزيرة خرج الإيرانية في 7 من تموز/يوليو الجاري. وفي 29 من الشهر نفسه، عبرت الناقلة قناة السويس متجهة إلى سوريا، وفق تقرير خاص لشركة "تانكر تريكرز".

وذكر التقرير أنه بالإضافة إلى الناقلات التي رست قرب بانياس، قامت ناقلات إيرانية أخرى بعمليات نقل نفط من (سينوب) إلى سفينة (STS) قبالة بانياس خلال الشهر الماضي. وحدد التقرير ناقلة نفطة تدعى (EUROSPIRIT) قبالة الساحل السوري، كانت مملوكة لشركة EUROTANKERS  ومقرها في اليونان، وترفع علم ليبيريا ولكنها غيرت ملكيتها واسمها، في الثالث من حزيران/يونيو الماضي.

وارتبطت شركة EUROTANKERS بالعقوبات المفروضة على إيران في عام 2012، حيث كانت تشحن النفط الإيراني إلى الهند. منذ ذلك الحين، باعت الشركة بعض ناقلاتها، بما في ذلك EUROSPIRIT التي كانت ترسو في الساحل السوري.

وترتبط الشركة المذكورة برجل الأعمال سامر الفوز واجهة النظام الاقتصادية والذي شملته العقوبات الأمريكية والأوروبية. وتقول وزارة الخزانة الأمريكية إن شركة للشحن تدعى Synergy SAL Offshore  مقرها في بيروت ويملكها الفوز كانت أيضًا مسؤولة عن شحن النفط الإيراني إلى سوريا. وقال موقع "tanker trackers" المتخصص برصد حركة الناقلات البحرية في العالم، إن شركتين لبنانيتين تهربان النفط الإيراني إلى نظام الأسد في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

وأضاف الموقع في تقرير أن "السجلات التجارية اللبنانية وبيانات التتبع للسفن، أظهرت أن شركتين تعملان بالخفاء، تملكان وتديران ناقلات تنقل النفط الخام الإيراني سرًا عبر البحر الأبيض المتوسط إلى سوريا، في مخالفة للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران".

قالت مصادر في الحرس الثوري الإيراني لصحيفة "جوان"، إنه "إذا أقدمت الولايات المتحدة على توقيف ناقلة النفط الإيرانية، فإننا سنرد باستمرار احتجاز ناقلة النفط البريطانية، لأن بريطانيا هي مصدر المشكلة"

وأضاف "الموقع" أن عمليات النقل هذه قبالة السواحل السورية تهدف إلى تزويد المشترين الدوليين بالنفط الإيراني المهرب، الذي يمكن أن يصل إلى عملاء في أوروبا. وتفيد بيانات الناقلات  أن صادرات إيران النفطية تراجعت في أيار/مايو الماضي إلى 500 ألف برميل يوميًا أو أقل، وهو ما يزيد عن نصف المستوى المسجل في نيسان/أبريل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب