19-سبتمبر-2021

(Getty Images)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

تواصلت تداعيات أزمة دبلوماسية غير مسبوقة منذ عقود بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة وأستراليا من جهة أخرى، وذلك على خلفية إنشاء تحالف ثلاثي جديد بين كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا لتعزيز الأمن والتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي، أطلق عليه اسم حلف "أوكوس"، والذي كان من تبعاته الفورية إلغاء أستراليا صفقة لشراء غواصات من فرنسا بقيمة 40 مليار دولار، لصالح صفقة أخرى مع الولايات المتحدة للحصول على غواصات أكثر تطورًا تعمل بالطاقة النووية.

وجهت فرنسا انتقادات لاذعة لكل من الولايات المتحدة وأستراليا ووصفت إلغاء صفقة الغواصات بأنها "خيانة"

أشعل القرار فتيل أزمة دبلوماسية وامتعاضًا كبيرًا من فرنسا، والتي أعلنت عن سحبها لسفيريها من واشنطن وكانبيرا، وإطلاق عدة تصريحات توجه انتقادات لاذعة للقيادة السياسية في الولايات المتحدة وأستراليا، تصف ما حصل بأنه "طعنة في الظهر" و"خيانة" غير مقبولة.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة الغواصات الفرنسية.. التداعيات مستمرة

من جهتها أعربت الولايات المتحدة وأستراليا، كلّ على حدة عن أسفهما لقرار فرنسا باستدعاء السفيرين، حيث قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن إن فرنسا "شريك حيوي لواشنطن"، وأنه "لا يوجد انقسام إقليمي بين مصالح شركائنا في الأطلسي والشركاء في المحيط الهادي". كما أعلن البيت الأبيض في بيان بأن الإدارة الأمريكية "ستواصل العمل في الأيام المقبلة مع باريس لحل الخلافات بين البلدين".

أما أستراليا فقد أعلنت عن تفهمها لخيبة الأمل الفرنسية إزاء إلغاء صفقة الغواصات، إلا أنّها أعلنت مؤخرًا أنّ باريس كانت تعلم أن لدى المسؤولين في أستراليا "تحفظات على الصفقة" وأنها كانت على علم مسبق باحتمالية إلغائها، في الوقت الذي تؤكد فيه فرنسا أنه لم تتلق أي إشعار مسبق بإلغاء الصفقة.

لكن في خضم حرب التصريحات الدبلوماسية والانتقادات الفرنسية الشديدة الموجّهة ضد الولايات المتحدة وأستراليا، ظلت بريطانيا بمنأى عن عاصفة الحنق الفرنسي، ولم تتلق لندن أي انتقادات علنية واضحة من طرف الإدارة الفرنسية، كما لم يتم التلميح إلى احتمال سحب السفير الفرنسي بسبب حلف "أوكوس" الذي أثار غضب باريس على أعلى المستويات، حتى أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد أوضح بصريح العبارة بأن "ثمة أزمة جدّية فيما بيننا"، وهو يقصد الولايات المتحدة وأستراليا، دونًا عن بريطانيا، رغم كونها جزءًا من الحلف الجديد، ولاعبًا أساسيًا وفاعلًا فيه.

وقد أثار هذا التحفظ الفرنسي تجاه انتقاد جارتها الشمالية الكثير من التكهنات عن الدوافع التي تقف خلفه، حتى أن صحيفة "لو موند" الفرنسية قد وصفت قرار فرنسا عدم سحب سفيرها من لندن بأنه "استثناء غريب". فهل تسعى باريس إلى الحفاظ على "شعرة معاوية" في العلاقات بينها وبين لندن والتي تشهد توترات عديدة مؤخرًا؟ أم أن الدبلوماسية الفرنسية تبعث بهذا الاستثناء رسالة ضمنية مفادها أنّها لا تكترث بأمر بريطانيا أصلًا وأنها لا ترى لموقفها تأثيرًا يستدعي قدرًا معادلًا من الاهتمام به؟

بحسب الواشنطن بوست، فإن تصريحات المسؤولين الفرنسيين حتى الآن تشير إلى ترجيح الاحتمال الثاني، وأن فرنسا لا ترى في بريطانيا سوى طرف ثانوي في الحلف الأخير. فقد قال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين إن "المملكة المتحدة التحقت بالمعيّة بهذه العملية على نحو انتهازي". أما وزير الخارجية الفرنسي فقد قال في مقابلة تلفزيونية: "الانتهازية ديدنهم ونحن ندرك ذلك جيدًا"، مشبّها دور بريطانيا في الحلف بأنه "كالإطار الخامس في المركبة". كما ألمح مسؤولون آخرون، وبلهجة لا تخلو من السخرية، بأن بريطانيا لم يكن لها دور محرّك في الحلف.

كليمنت بيون، وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، سخر بشكل غير مباشر بعد الإعلان عن حلف "أوكوس" من ادعاءات بريطانيا بشأن مغادرتها الاتحاد الأوروبي، ورغبتها في بناء "بريطانيا عالمية"، وقال إن هذا الحلف يكذّب هذه الادعاءات، لما فيه من "عودة إلى الحقبة الأمريكية" والتي قال إن الدخول فيه شكل من أشكال "الإذعان المجاني" بالنسبة لبريطانيا.

أما برتران بديع، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس، فقد صرّح لوسائل إعلام فرنسية قائلًا إن "بريطانيا العظمى لم تتدخل إلا على نحو ثانوي، وأنها تتحمّل مسؤولية أقل عما حدث".

بنيامين حداد، مدير المركز الأوروبي في المجلس الأطلنطي، قال في حديث مع واشنطن بوست إن فرنسا، بتجاهلها الدور البريطاني، تبعث برسالة تنطوي على إهانة لبريطانيا، وكأنها تقول إن جارتها "ليست طرفًا ذا بال في القصة".

فرنسا لا ترغب بالتصعيد

من جهة أخرى، قال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن تفسير تردّد فرنسا في سحب السفير من لندن على أنّه "رسالة إهانة" غير مباشرة ضد بريطانيا لا يخلو من المبالغة.

وفي حديث مع واشنطن بوست، قال ليونارد إن فرنسا تحرص على عدم إثارة أزمة مع بريطانيا، نظرًا لحجم المصالح اليومية المشتركة بين البلدين، بخلاف ما عليه الحال مع أستراليا والولايات المتحدة. فهنالك بحسب ليونارد "حجم أكبر من الأمور العملية التي يلزم إدارتها على الصعيد اليومي"، بين بريطانيا وفرنسا، رغم التوتر المتزايد بين البلدين في الآونة الأخيرة.

انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز قدرتها على التحرك في الساحة الدولية وعقد صفقات تجارية وإستراتيجية خارج مظلة الاتحاد، ترك آثاره على العلاقة بين بريطانيا وبعض دول الاتحاد، ولاسيما فرنسا

فانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز قدرتها على التحرك في الساحة الدولية وعقد صفقات تجارية وإستراتيجية خارج مظلة الاتحاد، ترك آثاره على العلاقة بين بريطانيا وبعض دول الاتحاد، ولاسيما فرنسا، التي رأت في الخطوة البريطانية تضاربًا مع مصالحها على عدّة جبهات، ولم تكن أزمة الغواصات سوى تجلّ واضح لذلك.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أزمة الغواصات الفرنسية.. التداعيات مستمرة

هل تحاول فرنسا تعويض الوجود الأمريكي في العراق لتعزيز أوراق قوتها؟

حوار| آلان غريش: الإسلام في فرنسا لا يزال موضوعًا استعماريًا