27-نوفمبر-2016

سامر طرابيشي/ سوريا

اتفقنا على غيابكِ، لم أكن أعرف أنّ اليوم الأول لوحده، سيستدرجني نحو غرفتي الصغيرة، ويصرعني هُناك. 

استيقظتُ كأيّ قتيل، رغم أنني لم أكن نائمًا، لكنني استيقظتُ في الصباح، البابونج إلى جانبِ سبع حبّات من اللوز، كلّ شيء على ما يُرام، قصاصة الزرع ما زالت تنمو، رغم الذبول الواضح في أزهار القرنفل التي تتساقط على مكتبي، وكأنها تلحفّت بغيابكِ.

مفرداتكِ الجميلة التي كنتُ أُحصيها طوالَ النهار، أي أنّكِ البارحة مثلًا قلتِ "إِف" تسع مرات ، وتمحصتِ في ثلاثين موضوعًا قبل الغد.

لم يمر سوى قليل من الوقت، ورحتُ أهذي مع نفسي كلماتٍ أُحبّها، 
كانت تأتي في الصباح/ مثل كلّ شيء/ الغيم والشمس والهواء/ الأشجار والغزلان/ ومثل الأزهار التي تتفتّح في خاصرةِ هذا العالم/ فيسحقها قبل الغروب.
وحين أُغلق نافذتي في المساء/ كان يرحلُ كلّ شيء/ الغيم والشمس والهواء/ الأشجار والغزلان/ والأزهار التي تعرجُ على كفّ هذا العالم.
ليبقى دمُها/ وحيدًا/ يسيلُ على نافذتي/ ذاكَ الجرح الذي جعلني/ أرى العالمَ بأكمله.

انتهى نِصفُ اليوم الأول، كنتُ قد أسرفتُ فيه حُزن هذا العام بأكمله، وأطلقتُ ابتسامة واحدة، كانت لسريركِ الذي رتّبتهُ في الصباح.

على كفِّ مَن سيصحو الغد؟ وإلامَ يتطلّع الغياب؟ نصفُ يوم كان يعادل عامًا، حتى في كميةِ العمل الذي أنجزتهُ، لكنني لم أكن قادرًا على أن أستهلكَ نَفَسًا واحدًا دونكِ.

مضى يوم كامل، وأنا أقرأُ كتابًا بينما أنتظرُ وصولكِ إلى البيت، أضعُ خطوطًا تحت جمل قصيرة أحببتها، بينما أنتِ تعبرين شارعًا طويلًا، أُقلّب صفحاته وأسمعُ صوتَ حذائكِ الذي يقترب، أفتحُ النافذة، يدخلُ تعبكِ ويطرق أحدهم الباب، تهمسُ أمي بصوتٍ خمسينيّ خفيض، من الطارق؟ 

أجيب أنا، إنّه دَمي، إنّه يَومي الأول.

اقرأ/ي أيضًا:

في براري الكهولة

فرصة احتياطية للنجاة