27-فبراير-2017

مئات المصلين يحضرون صلاة الجنازة على والد لاعب الكرة المصري محمد أبو تريكة (فيسبوك)

ما أصعبه من يوم ذلك يعيشه نجم الكرة المصرية ومحبوب الجماهير العربية محمد أبو تريكة، ما أصعب ألّا تستطيع وداع من تحب وحضور جنازة من تحب، ما أصعب أن يصبح الوطن الذي ضحيت بكل شيء من أجله هو السجان وهو العذاب. محمد أبو تريكة يتلقى خبر وفاة والده عبر الهاتف كما يتلقاها أي مواطن عادي، وربما سمع الخبر كما سمعناه من المواقع العربية.

إنه في وضع لا يحسد عليه،  فعودته إلى مصر يعني السجن، وعدم العودة يعني حرقة أخرى على والده الذي فقده، أي نظام هذا الذي يحرم إنسانًا من حريته ومن وطنه ومن حقوقه ومن أحبته، بسب محاولة بائسة لإخضاعه لأوامر الديكتاتور، أو على الأصح كما عبر عنها أحد الأبواق الإعلامية تامر أمين حين توجه بنصيحة وهي زلة لسان نطقت حقًا، مفادها أن على أبو تريكة أن يقوم بحركة "جهنمية" حسب تعبير تامر أمين، وهي التبرع لصندوق "تحيا مصر" لإثبات إخلاصه وولائه لمصر.

الآلاف قد يحضرون جنازة والد النجم المحبوب بمنطقة "ناهيا" بمحافظة الجيزة، وأبو تريكة سيكتفي بمتابعة الجنازة كما نتابعها نحن

ولا نعرف أي مصر تلك التي قصدها تامر أمين بنصيحته، هل هي مصر ما بعد 30 حزيران/يونيو التي تهجر أبنائها وتطاردهم، ومن بقي منهم تقتله  وتبتز البعض ؟ أم مصر الثورة التي أرادت الوطن للجميع، فاختارت قلة طعنّها في ظهرها وسجنت مصر كلها.

من كان يتوقع أن يأتي يوم على مصر وعلى المصريين يصنف فيه أبو تريكة إرهابيًا، ويطارد ويحرم من توديع أعز الناس على قلبه، بينما تنفق الملايين، وتحشد الوفود، وتقف مصر على قدم وساق من أجل أن يتنازل نجم الكرة العالمية ليونيل ميسي، وتطأ قدماه أرض الكنانة المحروسة.

الآلاف قد يحضرون جنازة والد النجم المحبوب بمنطقة "ناهيا" بمحافظة الجيزة، وأبو تريكة سيكتفي بمتابعة الجنازة كما نتابعها نحن، وسيشمت الإعلاميون وشعب 30 حزيران/يونيو 2013 كعادتهم.

اقرأ/ي أيضًا: هل يعود أبو تريكة إلى القاهرة؟

كم أنت قاسية على أبنائك يا مصر، أو أريد لك أن تكوني كذلك، أتمنى أن تصرخي في وجوههم، وتنتفضين نصرة لآخر الشرفاء الذين تبقوا فيكِ، أنتِ الوحيدة القادرة على أن تأتي بحقهم، ولا أحد غيرك.

إني خيرتك يا مصر، فاختاري ما بين العودة للقيادة والريادة، وما بين حكم العسكر والبيادة، ما بين مصر التي تنتج غذائها وسلاحها بيدها، وبين مصر التي أصبح جيشها أضحوكة بين الأمم بسب قيادة عسكرية متهورة، وأجبرها أن تمد يدها للصندوق الدولي، ليعجزها، وللبعض ليسلبها إرداتها  وحريتها.

كم أنت قاسية على أبنائك يا مصر، أو أريد لك أن تكوني كذلك، أتمنى أن تصرخي في وجوههم، وتنتفضين نصرة لآخر الشرفاء الذين تبقوا فيكِ

فاختاري ما بين جنة الثورة المصرية، التي ألهمت العالم لولا الخطة المحكمة للقضاء عليها، وما بين نار عسكرية لا تبقي ولا تذر، وعدت فأوهمت وأخلفت وفرقت، ثم تلاعب بمصر الكبيرة وتاريخها. فوجد المصريون أنفسهم في أسوء فترة في تاريخهم بسب أحلام القائد العسكري الطائشة.

إنه يمضي بمصر نحو الطريق التي رسمها لنفسه القائد والزعيم البطل دون حرب، الملهم دون رواية، صانع المجد الذي لم  يتحقق من رضي عنه وأرضاه يعيش في نعيم مصر، ومن غضب عليه أذاقه من جحيم مصر ما يعجز اللسان عن وصفه.

فإلى متى سيظل الحال هكذا يا مصر الكبيرة؟

أما أبو تريكة يكفيه حب العالم واحترامه له، ولا نملك إلا أن نسأل الله أن يصبره ويعظم أجره ويجيره في مصيبته، فهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير.

اقرأ/ي أيضًا:
محكمة مصرية تمنح أبوتريكة انتصارًا جديدًا
مصر تحت حكم المماليك.. مشاهد ووقائع فاضحة