في خطوة علمية بارزة نحو تحسين وسائل التواصل للأشخاص الذين يعانون من الشلل أو فقدان القدرة على الكلام، نجح فريق من الباحثين في تطوير جهاز قادر على ترجمة الإشارات العصبية من الدماغ إلى كلام منطوق في أقل من ثلاث ثوانٍ.
هذه التقنية المتطورة تمثل تقدمًا كبيرًا مقارنة بالمحاولات السابقة، حيث كانت الأنظمة القديمة تحتاج إلى وقت أطول لمعالجة الجمل قبل نطقها بالكامل.
تستطيع الشريحة الالكترونية التقاط الكلمات بشكل فوري أثناء التفكير بها، مما يجعلها أقرب إلى تدفق الكلام الطبيعي، والذي يمكن للمستخدم التعبير عن أفكاره بنفس النبرة
تم نشر هذه النتائج في مجلة Nature العلمية، أمس الإثنين، وتشير إلى إمكانات واعدة لتسريع وتيرة المحادثات التي تتم عبر الذكاء الاصطناعي، مما قد يساعد الأشخاص المصابين بأمراض عصبية أو إصابات تمنعهم من التحدث بشكل طبيعي.
تطور تقني يقترب من سرعة المحادثة الطبيعية
وتعد هذه التكنولوجيا بمثابة نقلة نوعية في مجال الاتصال العصبي، حيث تقترب سرعتها من سرعة الحديث الطبيعي. في السابق، كانت الأجهزة المماثلة تعمل بطريقة تشبه المحادثات عبر تطبيقات المراسلة مثل "واتساب"، إذ كان على المستخدم كتابة جملة كاملة ثم إرسالها، مما يجعل التفاعل بطيئًا وغير طبيعي.
أما الجهاز الجديد، فقد تم تطويره بحيث يستطيع التقاط الكلمات بشكل فوري أثناء التفكير بها، مما يجعله أقرب إلى تدفق الكلام الطبيعي، حيث يمكن للمستخدم التعبير عن أفكاره بنفس النبرة والتأكيد الذي يستخدمه في الكلام الحقيقي.
يقول كريستيان هيرف، عالم الأعصاب الحاسوبية بجامعة ماستريخت في هولندا، والذي لم يشارك في الدراسة: "هذا التطور يمثل المستوى التالي من البحث، لأنه يسمح للمستخدمين بنقل نبرة الصوت والتأكيدات اللغوية، وهو أمر حيوي للمحادثة الطبيعية".
زرع شريحة إلكترونية لاستعادة القدرة على الكلام
وشملت الدراسة حالة "آن"، وهي امرأة فقدت قدرتها على الكلام بعد إصابتها بجلطة دماغية في 2005. وبعد 18 عامًا من فقدان القدرة على النطق، خضعت آن لجراحة متقدمة تم خلالها زراعة شريحة إلكترونية تحتوي على 253 قطبًا كهربائيًا على سطح قشرة دماغها.
هذه الأقطاب قادرة على تسجيل النشاط العصبي لمئات الخلايا العصبية في وقت واحد، مما يسمح للجهاز بفهم الإشارات التي تصدرها آن أثناء تفكيرها بالكلام، وتحويلها إلى جمل مسموعة بشكل فوري تقريبًا.

ولجعل التجربة أكثر طبيعية، عمل الباحثون على تخصيص صوت اصطناعي يشبه صوت آن الأصلي قبل إصابتها، وذلك باستخدام تسجيلات صوتية من فيديو زفافها. هذه الخطوة جعلت عملية التواصل أكثر شخصية وإنسانية، مما يساعد على تعزيز الراحة النفسية للمستخدمين.
آلية عمل الجهاز ومعدل سرعة الكلام
في التجربة، قامت آن بترديد 100 جملة صامتة مستمدة من مجموعة مكونة من 1,024 كلمة و50 عبارة. أثناء ذلك، التقط الجهاز إشاراتها العصبية كل 80 ميلي ثانية، حيث بدأ في التسجيل قبل 500 ميلي ثانية من بدء آن بتحريك فمها بهدوء لمحاكاة النطق.
تمكن الجهاز من إنتاج كلمات بمعدل 47 إلى 90 كلمة في الدقيقة، بينما يبلغ معدل الكلام الطبيعي للإنسان نحو 160 كلمة في الدقيقة. ورغم أن سرعة الجهاز لا تزال أبطأ من الكلام الطبيعي، إلا أنها تمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالإصدارات السابقة من التقنية، والتي كانت تحتاج لأكثر من 20 ثانية لإنشاء جملة واحدة.
تحديات التطوير وآفاق المستقبل
ورغم التقدم المذهل الذي حققه هذا البحث، لا تزال هناك بعض التحديات التقنية التي تواجه واجهات الدماغ–الحاسوب، أبرزها التأخير الزمني في الاستجابة.
ويشير الباحثون إلى أن تأخير الاستجابة لأكثر من 50 ميلي ثانية قد يسبب إرباكًا للمستخدم أثناء المحادثة، مما يجعل نتائج التجربة أقل من الحالة طبيعية. ومع ذلك، يرى العلماء أن هذه المشكلات يمكن حلها عبر زيادة عدد الأقطاب المزروعة وتحسين خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

حيث يقول إدوارد تشانغ، جراح الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو وأحد المشاركين في الدراسة: "نحن في مرحلة واعدة، لكن مع مزيد من التحسينات في الحساسات ومعالجة الإشارات، سنرى هذه التقنية تصبح أكثر دقة وسرعة في المستقبل".
ومع استمرار الأبحاث والتطورات في هذا المجال، يمكن لهذه التقنيات أن تحدث ثورة في حياة الأشخاص المصابين بإعاقات عصبية، مما يمنحهم فرصة جديدة للتواصل بطلاقة وسلاسة، وربما في المستقبل، بسرعة تماثل سرعة الحديث الطبيعي.