02-أبريل-2021

إلياس أبو شبكة وأفاعي الفردوس

ألترا صوت – فريق التحرير

نشر الشاعر اللبناني إلياس أبو شبكة (1903 - 1947) ديوانه "أفاعي الفردوس" عام 1938، محدثًا به ضجّةً في الأوْساط الثّقافيّة العربيّة؛ إذْ رسم فيه لوحاتٍ نابضةً بالحياة عكستْ حالته النّفْسيّة الثائرة مستخدمًا تراكيب لغويّةً مبتكرةً وصورًا خياليّةً جديدة.

و"أفاعي الفردوس" هي 13 قصيدة كتبت بين عامي 1928 و1938 تناولت الحب والشهوة الجنسية بتأثير من شعر بودلير. قال ميخائيل نعيمة: "لا أرى شاعرنا بلغ قمّة شاعريته إلا في "أفاعي الفردوس"، فهذه المجموعة هي بحقّ تحفة نادرة في شعرنا العربي، وما أعرف شاعرًا من شعراء عهدنا الجديد يستطيع أن يأتي بمثلها، أو أن يدانيها في وصف الشهوات الجسدية الجامحة".

قصيدة "في هيكل الشهوات" درة هذا الديوان، وقد أعجب بها مغنو العراق ولم يتوقفوا عن غنائها، وممن غناها: الفنان ناظم الغزالي ويوسف عمر وسعدون جابر

إلياس أبو شبكة شاعرٌ وأديبٌ لبناني، أسّس "عصْبة العشرة" الأدبيّة الّتي ضمّتْ عددًا من الكتّاب والأدباء اللبنانيّين الّذين ثاروا على الأساليب القديمة للأدب، وعملوا على كسْر الجمود الفكْريّ الّذي كان في الحياة الثّقافيّة العربيّة. اتّسمتْ قصائده بالواقعيّة والنّضْج. أصيب بالسرطان ومات عن عمر الـ43 فقط.


ما لي أرى القلب في عينيك يلتهبُ!

أليس للنار ـ يا أخت الشقا ـ سببُ؟

 

بعض القلوب ثمارٌ ما يزال بها

عرف الجنان ولكنْ بعضها حطبُ

*

 

ذكرت ليلة أمس فاختلجت لها

 والليل سكرانُ مما سحَّت السحبُ

 

ذكرتها غير أنَّ الشك خالجني:

إنَّ النساء إذا راوغن لا عجبُ

 

فهن من حية الفردوس أمزجة

يثور فيهن من أعقابها عصبُ

*

 

أخاف في الليل من طيف يسيل على

موجات عينيك حينًا ثم يغتربُ

 

طيف من الشهوة الحمراء تغزله

خمر الليالي وفي أعماقه العطبُ

 

ووجهك الشاحب الجذَّاب تُرهبني

ألوانُه يتشهَّى فوقها اللهبُ

 

ما زلتِ تغتصبين الليل في جهد

حتى تجمد في أجفانك التعبُ

 

وما السواد الذي في محجريك بَدَا

إلَّا بقايا من الأحشاء تُغْتصبُ

 

وحق طفلك لم أشمت بإمرأة

زلَّت بها قدم أو غرَّها ذهبُ

 

فرُبَّ أنثى يخون البؤس هيبتها

والبؤس أعمى، فتعْيَا ثم تنقلبُ

*

 

لي مهجة كدموع الفجر صافية

نقاوتي والتُّقى أمٌّ لها وأبُ

 

فكيف أختلس الحق الذي اختلسوا؟!

وكيف أذأب عن لؤم كما ذئبُوا؟!

 

لي ذكريات كأخلاقي تؤدبني

فلا يخالجني روغ ولا كذبُ!

 

أبقى لي الأمسُ من غلواي عفتها

ولم يزل في دمي من روحها نسبُ

 

وحق روحك يا غلوا ولو غدرتْ

بي الليالي وأصمَتْ قلبيَ النوبُ

 

إنْ كنت في سكرة أو كنت في دَعَر

ومر طيفُك مرَّ الطهرُ والأدبُ

 

وأنت يا أم طفل في تلفُّته

سؤل العفاف وفي أجفانه لعبُ

 

صُبِّي الخمور فهذا العصر عصر طلا

أما السكارى فهم أبناؤه النجبُ

 

لا تقنطي إنْ رأيتِ الكأسَ فارغةً

يومًا ففي كل عام ينضج العنبُ!

 

صُبِّي الخمور ولا تبقي على مهج

موج الشباب على رجليك يصطخبُ

 

أما أنا - ولو استسلمت أمس إلى

خمر الليالي - فقلبي ليس ينشعبُ

 

قد أشرب الخمر لكن لا أدنسها

وأقربُ الإثمَ لكن لست أرتكبُ

 

وفي غدٍ إذ تنير الطفل ميعته

وتهرمين ويبقى ذلك الخشبُ

 

قولي له جئت في عصر الخمور فلا

تشرب سوى الخمر واشحبْ مثلما شحبُوا

 

قولي له هذه الأيام مهزلة

وليس إلَّا لمن ينشى بها الغلبُ

 

قولي له عفة الأجساد قد ذهبت

مع الجدود الأعفَّاء الأُلى ذهبُوا

 

قولي لطفلك ما تستصوبين غدًا

فكل أمرٍ له في حينه خطبُ

 

ولكنِ اليوم صُبِّي الخمر وانتخبي

من الملذات ما الآثام تنتخبُ

 

ولا تخافي عذولًا فالعذول مضى

والعصر سكران يا أخت الشقا تعِبُ

 

طريقه الشك أنَّى سار يملكه

وحلمه الشهوات الحمر والقربُ!

 

اقرأ/ي أيضًا:

زاهر الغافري: مصائر لا تنتهي

خالد مطاوع: تاريخ وجهي