16-فبراير-2017

عازفات في الفرقة مع آلاتهن التقليدية (أ.ف.ب)

في ظروف شديدة التعقيد والصعوبة تشكلت "فرقة زُهرة"، أول فرقة موسيقية في أفغانستان، نعرض في المقال أحلامهن والصعوبات المجتمعية والعائلية اللاتي تعرضن لها في سبيل بلوغ مرادهن. بعض تلك التحديات وصلت إلى حد التهديد بالقتل!


خمس وثلاثون فتاة يشكلن أوركسترا نسائية، تعلمن عزف النوتة الموسيقية بأصابعهن، ليتمكن من العزف أمام الأغنياء في مؤتمر دافوس الاقتصادي. الأوركسترا التي تسمى "زُهرة" تتكون من شابات تتراوح أعمارهن بين الثالثة عشرة والعشرين، كثيرات منهن من عائلات بسيطة، عزفن في الحفل الختامي للمؤتمر الاقتصادي الذي يُقام كل شتاء في سويسرا، ويحضره 3000 من كبار القادة في العالم. 

أن تغني النساء ويعزفن في بلد مثل أفغانستان فتلك جريمة كبرى

هذا هو الحفل الأول لهذه الأوركسترا التي تم تشكيلها قبل عدة شهور في بلاد تعاني الحرب، وهي على أي حال الأولى منذ 40 عامًا. المجموعة تعزف موسيقى أفغانية تراثية.

اقرأ/ي أيضًا: رامي عياش في "أمير الليل": خسارة مزدوجة

في أجواء تتسم بالعبوس والتركيز الشديد، كانت الفتيات يعزفن بقيادة ناجيتا خابلافاك التي تبلغ من العمر عشرين عامًا، وهي قائدة الأوركسترا الأولى في البلاد، يقول الدكتور أحمد سارماست: "وكأن كل شيء يبدو رمزيًا!". الدكتور أحمد موسيقي وعازف إحدى آلات النفح، وهو الأب الروحي للفرقة "زُهرة"، وهي كلمة عربية تعني فينوس (إلهة الجمال).

سارماست نفسه كان ضحية هجوم ويواجه تحديًا مضاعفًا. ويؤكد أن هذه الأوركسترا "ربما هي الأولى في العالم الإسلامي" وقد نشأت من تبرعات أجنبية وبدعم من البنك الدولي. أحد التحديات الأصيلة التي استمرت حتى بعد سقوط نظام طالبان الظلامي بخمسة عشر عامًا، ما زالت ثقافة تحقير النساء واعتبار الموسيقى أمرًا شاذًا على الرغم من ثراء الثقافة الأفغانية.

تقول ناجينا قائدة الفرقة: "لم تعزف فرقة زُهرة أبدًا خارج كابول، الأوضاع صعبة جدًا بالنسبة للفتيات الأفغانيات، فلا يزال هناك آباء يمنعون بناتهم من الذهاب إلى المدرسة. ولا يزال كثير منهم يعتقدون أن على الفتيات البقاء في المنزل والقيام بأعمال النظافة". وتضيف: "بالنسبة لي، باستثناء والديّ، الكل عارض الفكرة حتى أن جدتي حذرت والدي قائلة له: إذا تركت ناجينا تذهب إلى مدرسة الموسيقى فسأتبرأ منك". منذ ذلك الحين انقطعت الصلات العائلية واضطر والدا ناجينا إلى الانتقال إلى إقليم كونار، في الشرق، حتى تعيش الفتيات مع ناجينا في كابول. تقول الفتاة: "هذا أفضل من الموت"، حتى أن واحدًا من أعمامها هددها بالقتل إن هو رآها. تأمل ناجينا في الحصول على منحة لدراسة الموسيقى بالخارج وتقول: "أدرس وأدرس لأعود قائدة الفرقة الوطنية للأوركسترا في أفغانستان، سيكون ذلك نصرًا كبيرًا". 

حسب إحصائية تم نشرها في عام 2016، فإن 36% من الأفغانيات الأقل من 25 عامًا لا يذهبن إلى المدارس. تقول ناجينا: "هنا إذا لم تسبح ضد تيار المجتمع فإنه لا مستقبل لك، وأود أن أفتح الباب للأخريات". الجدير بالذكر أن فتيات أوركسترا زُهرة أعرن اهتمامًا كبيرًا للمناسبة التي سيعزفن فيها ليغيرن حياتهن، بعض تلك الفتيات كن "فتيات شوارع" لا مأوى لهن، وقد جمع المعهد نفقاتهن وتكفل بها من بين الكثير من أهل البلاد المهمشين. 

حسب إحصائية في 2016، 36% من الأفغانيات، الأقل من 25 عامًا، لا يذهبن إلى المدارس

إحداهن، وهي ظريفة ديبا، عازفة الكمان، عزفت مع المعهد الوطني للموسيقى في صالة كارنيجي هول في نيويورك. وأخرى تسمى "هزارا"، وهي من الأقلية الشيعية في أفغانستان، تنقل لهن الشعور بالسلام بابتسامتها الهادئة أثناء جو العزف المفعم بالجدية. تقول ظريفة: "العيش في أفغانستان اليوم معناه أن يحاصرك الخوف والتساؤل: أين سيكون التفجير التالي؟ ومع الموسيقى فإن الخوف أشد"، لكن والدة ظريفة التي لم تذهب يومًا للمدرسة تقول: "إن الجيل الجديد عليه أن يأخذ بزمام المبادرة، وأن يغير العقلية السائدة بمبادراته".

اقرأ/ي أيضًا: "الفايكنغ".. عندما غزا "الشمال الوثني" الغرب

تضيف الشابة: "نحن نخاف أن نفعل شيئا لهذه البلد، يستغرق التغيير جيلًا بأكمله ليحدث". ظريفة واقعة في غرام الموسيقى وتتابعها بشغف في تلفاز البيت قائلة: أتمنى الدراسة في جامعة ييل، أو هارفارد، أو ستانفرد، لأكون أفضل، وأعد بالعودة إلى البلاد". 

تعتقد الفتيات أن نموذجهن الملهم كامرأة هي ميشيل أوباما، ويرى الدكتور سارماست أن هؤلاء الفتيات هن أفضل سفيرات لتقديم الإرث الثقافي والموسيقي لأفغانستان في العالم. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

عمر أميرالاي.. نعي متأخر

في رثاء حسين الحسن