04-مايو-2018

ستلغى المدارس التجريبية في مصر بداية من 2019 (مواقع التواصل الاجتماعي)

على مدار الفترة القليلة الماضية، أثار طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري جدلًا واسعًا، بسبب تصريحاته عن التغييرات التي سيجريها في النظام التعليمي بمصر، الهيكل الهش الذي يعاني بالفعل.

أصدر وزير التربية والتعليم المصري، قرارات مثيرة للجدل، من بينها إلغاء المدارس التجريبية، التي كانت الخيار الأمثل لأبناء الطبقة الوسطى

ومن بين القرارات التي أصدرها شوقي وأثارت جدلًا واسعًا، هو قرار إلغاء المدارس التجريبية، وهي مدارس حكومية تقدم عادة تعليمًا باللغة الأجنبية، بتكلفة منخفضة، لأبناء الطبقى الوسطى. قال شوقي: "المدارس التجريبية سيتم امتصاصها في النظام التعليمي الجديد. سنبقي على المدارس التجريبية لعام واحد. لكن لن يكون هناك مدارس تجريبية بعد عام 2019"

اقرأ/ي أيضًا: من طبَّق لأول مرة مجانية التعليم في مصر؟

واعتبر طيفٌ واسع أنّ قرار إلغاء المدارس التجريبية، سببه ترجيح كفة المدارس الخاصة ذات التكلفة المرتفعة عن المدارس التجريبية منخفضة المصاريف نسبيًا، والتي تعتبر الخيار الأمثل للطبقة الوسطى في مصر.

طبقات المدارس في مصر

لاستيضاح طبيعة المشكلة، من الضروري فهم أنواع المدارس وطبقاتها في مصر، والخدمات التي توفرها كل منها للطلاب، حسب جيوب آبائهم.

1. المدارس الحكومية

المدارس الحكومية هي الأفقر في مصر. الأفقر من جهة استيعابها لأفقر الطبقات، وبطبيعة الحال الأفقر من جهات ما تقدمه للطلاب على كافة المستويات. كثافة الفصول فيها سمة مشهورة، وتتخطى في بعض الحالات 80 طالبًا في الفصل الواحد. ونسبة التسرب منها بشكل منطقع أو مستمر، مرتفعة بشكل كبير.

وتقل التجهيزات الأساسية في المدارس الحكومية، على مستويات التعليم والخدمات، ففي التعليم إما اللجوء للدروس الخصوصية من نفس مدرسي المدرسة في كثير من الأحيان، أو التسرب من التعليم. وفي الخدمات، غالبًا لا يلقى الطلبة الحد الأدنى من الوسائل التعليمية اللازمة، ولا الخدمات الصحية متمثلة في دورات مياه، وحوش تريض مناسب، وغيره.

2. المدارس التجريبية أو الرسمية للغات

هي مدارس بنظام خاص، لكن تحت إشرافٍ حكومي مباشر. وتمثل الخيار الأفضل للطبقة الوسطى، كونها تقدم مستوى تعليمي وخدمي أفضل من المدارس الحكومية، وبمصاريف أقل من المدارس الخاصة.

تستند هذه المدارس على مناهج دراسية تعتمد على لغات أجنبية في العديد من المواد، مثل العلوم والرياضيات، بالإضافة إلى تعليم لغة أجنبية ثانية، إنجليزية أو فرنسية، على حسب اللغة الأجنبية الأولى. 

الكثافة الطلابية في الفصول تمثل المشكلة الأبرز في المدارس الحكومية (Getty)
الكثافة الطلابية في الفصول تمثل المشكلة الأبرز في المدارس الحكومية (Getty)

تعرف هذه المدارس بعض الانضباط عن المدارس الحكومية، وكثافة طلابية أقل في الفصول. وتتراوح مصروفاتها بين ألف جنيه مصري (حوالي 60 دولار) و2500 جنيه (حوالي 140 دولار) تقريبًا.

3. المدارس الخاصة

إما مدارس خاصة محلية أو مدارس خاصة دولية. تزيد فيها المصروفات بحسب مستواها ومناهجها الدراسية. فهناك ما يمكن تسميته بالمدارس الخاصة المحلية "الشعبية"، لقلة مصروفاتها، فتمثل حلًا آخر موازٍ للمدارس التجريبية، بالنسبة لأبناء الطبقة الوسطى، حيث تترواح مصروفاتها ما بين خمسة آلاف إلى 10 آلاف جنيه مصر في العام (حوالي ما بين 300 دولار إلى 570 دولار).

أما المدارس الدولية، فتصل فتفوق مصروفاتها غالبًا قدرة الأسرة متوسطة الدخل. لذا هي حكر على أبناء الطبقات الأكثر ثراءً، وعادة ما تكون مصروفاتها بالدولار، أو ما يوازيه بالجنيه من مبالغ فائقة.

تنقسم المدارس في مصر إلى طبقات، وفقًا للطبقات الاجتماعية، ما بين مدارس فقيرة للفقراء ومتوسطة للطبقة الوسطى، وباهظة للأثرياء

في حين أن المدارس الخاصة المحلية، قد لا تختلف كثيرًا عن المدارس التجريبية في المستوى التعليمي، إلا أنها ربما تقدم خدمات أفضل؛ تمثل المدارس الدولية أفضل الخيارات المتاحة تعليميًا وخدميًا بالنسبة للأغنياء، أو الطبقات فوق المتوسطة إلى الغنية.

قرار تعريب المناهج الدراسية في المدارس التجريبية

ينطوي على قرار تعريب المناهج الدراسية في المدارس التجريبية، إلغاء هذه المدارس، أو بتعبير الوزير المصري "امتصاصها في النظام التعليمي"، على ألا تكون هناك مدارس تجريبية بحلول 2019. وبذلك تتوحد كافة المدارس الرسمية، التابعة للدولة مباشرة، في مناجها الدراسية وفقًا لخطط النظام التعليمي الجديد، الذي أثار جدلًا كبيرًا، خاصة في قضية تعريب المناهج/ إلغاء المدارس التجريبية.

اقرأ/ي أيضًا: في تقييم المدارس التجريبية في مصر

بطبيعة الحال، لا تخضع المدارس الخاصة، والخاصة الدولية لهذا النظام وما ينبني عليه، والذي يبدو الوزير متحمسًا في أحاديثه عنه، لولا أنه خلق الهواجس والمخاوف لدى أبناء الطبقى الوسطى في مصر.

ويفترض وفقًا للنظام التعليمي الجديد، أن يكون تعريب المناهج الحكومية فيما كانت سابقًا مدارس تجريبية، خلال المرحلة الدراسية الابتدائية، وبدءًا من الإعدادية ستدرس العلوم والرياضيات بلغة أجنبية، كما ستدرس الإنجليزية بشكل منفرد كلغة ثانية.

ردود الأفعال: جدل وغضب

فضلًا عن أن مجمل ما يتضمنه أو ما عُرض من "النظام التعليمي الجديد"، قد أثار جدلًا واسعًا في المجتمع المصري، عكست صداه مواقع التواصل الاجتماعي، فإن جزئية تعريب المناهج/ إلغاء المدارس التجريبية على وجه الخصوص، أثارت الفزع والغضب بين أولياء الأمور الذين رأوا في هذا القرار حرمانًا لأبنائهم من حق التعليم المناسب، خاصة وأنه تعليم مدفوع الأجر في النهاية.

كما رأى قطاع واسع أن القرار بمثابة انتصار للمدارس الخاصة والخاصة الدولية، باهظة التكاليف. وهو ما تنفيه الوزارة إذ يُصر الوزير على التأكيد بأن ذلك يأتي في مصلحة النظام التعليمي إجمالًا، مع التطويرات والتحديثات التي أدخلها عليه في المناهج وطرق التعليم.

وتفاعلًا مع الإعلان عن قرار التربية والتعليم، خرجت مظاهرات لأولياء أمور طلاب المدارس التجريبية، اعتراضًا على القرار، تحت شعار "لا للتعريب".

تواصل "ألترا صوت" مع ندى القصبي، التي تعمل معلمة منذ عشر سنوات، وتُدرّس حاليًا في الخارج، وبدأت حياتها المهنية كمتدربة على التعليم في إحدى المدارس التجريبية بمصر. تقول ندى: "صحيح أن الدراسات العلمية التي قرأتها في هذا المجال، ترى أن التعليم في المراحل الأولى يجب أن يكون باللغة الأم، وهو أمر أساسي، مع العناية بالغة الأجنبية".

ثم تستدرك: "لكن المشكلة أنه في مصر الأمور مختلطة جدًا. لا توجد عناية باللغة الأم، كما لا توجد عناية باللغة الأجنبية. فيخرج الطالب بخليط مشوه من الاثنتين".

وبخصوص قرار الوزير، تقول إنه قد يبدو صحيحًا "من الخارج"، لكن "المشكلة أن ما يحدث هو عشوائية تامة، لأن أي قرار في إصلاح نظام قديم مُتّبع منذ سنوات طويلة، هو البدء بالتدريج، مع خطة للمتابعة، وأخرى للتدريب على أساليب التعليم الجديدة، وقياس نتائج ذلك كله للخروج بالقرار الأفضل".

لذا تعتقد المعلمة المصرية أن "الأمور كلها تبدو غير منطقية، كما أن تطبيق هذا التغيير يجب أن يتم في مدارس محدودة، وألا يعمم مرة واحدة على الكل".

وفي دراسة نشرتها منظمة اليونسكو، عن قياس مدى أهمية تعلم المراحل التعليمية الأولى باللغة الأم، أكدت الدراسة أن التعليم باللغات المحلية في المراحل الأولى وحده ليس ضمانًا وحيدًا لنجاح العملية التعليمية، ولكن الضمانات الأكثر أهمية، هي طرق التدريس نفسها والتدريب الفعال الذي يحصل عليه المعلم نفسه، وتقديم البيئة الأمثل من حيث المرافق والجاهزية وتطوير المحتوى والأسلوب.

في خضم الجدل حول التغيرات المعلن عنها في النظام التعليمي المصري، لم يلتفت أحد إلى قضية مهمة وهي ضعف أجور المعلمين

ومع ذلك كله، ثمة قضية لم يُلتفت إليها، تلك الخاصة بأجور المعلمين التي لا يبدو أن تحسينها أمرٌ في حسبان الحكومة، ما يعني أن عديد المشكلات المنبنية على ضعف مرتبات المعلمين، ستظل كما هي، مثل الدروس الخصوصية، وضعف الأداء التدريسي في المدارس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المدارس في مصر.. سوق تجارية بلا تعليم

طلاب مصر .. "صفر" في القراءة والكتابة