23-يوليو-2018

مسجد المؤسسة الإسلامية الثقافية بجنيف (Wikimedia)

يومًا بعد يوم تتصاعد حدة التعامل من جانب النظام السعودي ومواليه، ضد معارضيهم، الذين تزايدوا منذ صعود الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والسيطرة على الحكم. وتتجاوز تلك الوتيرة من المعاداة والتعسف، الدول، لتصل للأفراد، ومن انتقاد النظام إلى انتقاد حتى رجاله. والانتقاد أصبح في عرف السعودية جريمة عقوبتها الحرمان من الصلاة لنحو ثلاث سنوات.

منعت مؤسسة إسلامية في جنيف، ممولة من السعودية، دخول شخص إلى مسجد المؤسسة ثلاث سنوات بسبب انتقاده للسديس!

إلى جنيف هذه المرة، حيث أصدرت المؤسسة الإسلامية الثقافية في جنيف بسويسرا والممولة سعوديًا، قرارًا بمنع الناشط الحقوقي يخلف صلاح الدين، صاحب فيديو إحراج عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في  29 حزيران/يونيو الماضي من دخول المؤسسة بما فيها المسجد التابع لها لنحو ثلاث سنوات! 

اقرأ/ي أيضًا: بجاحة "الاعتدال" السعودي المزعوم

ووفقًا لتصريحات خاصة لـ"ألترا صوت" من يخلف صلاح الدين، فإن المؤسسة التابعة للمملكة العربية السعودية، وتتلقى تمويلها من الحكومة السعودية، وتخضع إدارتها العليا لدبلوماسيين سعوديين، أبلغته بالقرار يوم الجمعة الماضية 20 أيلول/يوليو في وجود الشرطة، وتعد تلك الخطوة بحسب ما هو معلوم، سابقة تحدث للمرة الأولى خارج حدود المملكة الجغرافية، بعد أن كانت عادة تقوم بها حكومة المملكة مع المواطنين من الدول التي تختلف معها سياسًا، وكان آخر تلك الوقائع ما يحدث مع المواطنين القطريين منذ عام تقريبًا.

"تأميم مساجد الله"

في 29 حزيران/يونيو الماضي، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو تحت عنوان "وقفوهم إنهم مسؤولون"، ثم أعيد نشره مرة أخرى تحت عناوين عدة من أبرزها "إحراج الشيخ السديس". ويظهر السديس في الفيديو داخل مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف، ويحيط به مجموعة من المصلين فيما يحاول الناشط الحقوقي يخلف صلاح الدين، توجيه أسئلة للشيخ السديس حول حرب اليمن وحصار قطر، وموقف السعودية من الولايات المتحدة الأمريكية والمسألة الفلسطينية، غير أن السديس تهرب من الرد وخرج من المسجد مسرعًا، فرفع يخلف صلاح الدين صوته داخل المسجد موجهًا كلامه للسديس: "كيف تتحدثون عن السلام وأنتم ساندتم انقلاب 1992 في الجزائر وانقلاب مصر وانقلاب تركيا، يا دعاة البلاط، يا أحذية الطواغيت، يا عبيد أمريكا".

تواصلنا مع الناشط جزائري الأصل، يخلف صلاح الدين، فقال في تصريحات خاصة لـ"ألترا صوت": "المؤسسة الإسلامية الثقافية في جنيف، تابعة للسعودية بحكم الإنشاء والتمويل، ويمكن اعتبارها ملكًا للنظام السعودي. ومنذ انتشار الفيديو الذي ظهرت فيه داخل المسجد أحاول التحدث ومناقشة الشيخ السديس وأتوقع أن يكون هناك رد فعل من جانب المؤسسة ضدي وضد آخرين أعلنوا رفضهم لوجود السديس".

وأضاف يخلف صلاح الدين: "مرت ثلاثة أسابيع على الفيديو؛ في الجمعة التالية مباشرة تجمع البعض رافضًا خطبة السديس، وفي الجمعة الثانية في الترتيب بعد أزمة الفيديو، حاول الأمن الداخلي منعي من الدخول لأداء صلاة الجمعة ولكني أديتها، لكن ثالث جمعة يوم 20 أيلول/يوليو، وخلال دخولي للمسجد طلب مني حارس الأمن التوجه لمكتب الإدارة، وهناك وجدت شخص من إدارة المسجد، استدعى الشرطة وطلب مني التوقيع على قرار بمنعي من دخول المؤسسة والمسجد التابع لها لنحو ثلاثة سنوات قابلة للتجديد بتهمة إثارة البلبلة، ولكني رفضت وحصلت على نسخة من الشرطة وصورتها". 

وأكد يخلف صلاح الدين أنه سيدعو في وقت قريب لوقفة أمام المؤسسة بمشاركة رافضي قرار الإدارة وسلوك "تأميم مساجد الله"، كما دعا من أسماهم "المحسنين" إلى تأسيس مسجد ومؤسسة غير مرتبطة بتمويل "يفرض عليها أجندة ما، وتكون للمسلمين عامة".

صورة القرار الذي يمنع بموجبه يخلف صلاح الدين من دخول المسجد
صورة القرار الذي يمنع بموجبه يخلف صلاح الدين من دخول المسجد

المقطع المصور ليخلف صلاح الدين لم يكن الوحيد، ولكنه الأكثر شهرة، ففي نفس اليوم واجه مصلٍّ آخر الشيخ، وطالبه بالدعاء لإصلاح الحال بين قطر والدول الأخرى، وهرب السديس من الرد، كما سأله المصلي، ويبدو أنه من أصل مغربي: "لماذا التصويت ضد ملف المغرب في كأس العالم؟".

السديس في خدمة النظام

حادثة يخلف صلاح الدين في جنيف لم تكن الأولى التي يهاجم فيها السديس بسبب مواقفة المتخاذلة، فمن قبل انتقد بعض المصلين الشيخ السديس، خلال صلاة الجمعة في أحد مساجد ألمانيا، في أيلول/يوليو 2017. وأظهرت مقاطع فيديو انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مجموعة من المصلين الغاضبين من السديس.

ويعتبر السديس أحد أبرز المشايخ والدعاة السعوديين المؤيدين أو التابعين للنظام السياسي في السعودية أي كان رأس النظام. وقد اعتاد على استغلال خطبة الجمعة والمناسبات الرسمية للمسلمين للترويج لخطاب النظام ومهاجمة معارضيه. 

وكانت له عدة أزمات ومواقف أثارت انتقادات حادة ضده، من أبرزها على سبيل المثال تأييد الحصار السعودي والإماراتي لقطر، والتلميح بأن معارضي المملكة من "الفئة الضالة". كما سبق وأثارت تصريحاته خلال زيارته للولايات المتحدة في أيلول/سبتمبر 2017، ووصف فيها السعودية والولايات المتحدة، بـ" قطبا هذا العالم بالتأثير"، وقال خلال الزيارة في تصريحات للقناة الإخبارية السعودية : "لله الحمد والمنة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأمريكي، العالم والإنسانية، إلى مرافئ الأمن والاستقرار والرخاء"، وفور ظهور تلك التصريحات في وقتها انتقده الآلاف عبر وسم على تويتر وهو "#تصريح_السديس_لا_يمثلني".

استغلال الشعائر المقدسة

القرار الصادر من إدارة المؤسسة الإسلامية الثقافية في جنيف -وفقًا للمتاح من معلومات- يعد الأول من نوعه خارج الحدود الجغرافية للنظام السعودي، ولكنه لم يكن إلا تقليدًا لما اعتاد عليه النظام السعودي منذ عشرات السنوات، مع سيطرة آل سعود على الشعائر المقدسة للمسلمين في مكة والمدينة. 

منذ تأسيسها وتستغل دولة آل سعود الشعائر المقدسة من حج وعمرة في خلافاتها السياسية للضغط على المعارضين أو الدول الخصوم

ولسنوات طويلة يفرض آل سعود عقوبات تعسفية ضد معارضيهم من مواطني الدول التي تشهد خلافات سياسية مع السعودية أو النشطاء والحقوقيين المسلمين المعارضين لحكم آل سعود. بدأ ذلك الاستغلال مع دولة آل سعود الأولى، وشهدت العلاقة بين المسلمين والسعودية خلافات عميقة اضطرت فيها دول كثيرة إلى وقف الحج، كان أبرزها حادث المحمل الشامي في عهد الدولة السعودية الأولى، وحادثة المحمل المصري عام 1926. وتوقف الحجاج عن الحج لسنوات بعد تلك الحوادث، والتي هاجم -وفقًا للتوثيق التاريخي- البدو من اتباع آل سعود قديمًا وحديثًا، قوافل المحامل باعتبارها من أعمال الشرك!

وفي وقت أحدث تصادمت السعودية بخلافات عدة مع النظام السياسي في مصر إبان الحقبة الناصرية، والعراقي في عهد صدام حسين، والليبي في عهد القذافي، وضيقت في بعض السنوات على رعايا هذه الدول. وقريبًا منعت السعودية بمشاركة نظام بشار الأسد، من السماح للسوريين القاطنين في مناطق سيطرة النظام، من السفر للشعائر المقدسة.

وأخيرًا، برزت حالة التضييق على القطريين من دخول السعودية للحج والعمرة، كما أشارت بعض الصحف للضغوط التي تمارسها السعودية على الدول الإسلامية لتأييد مواقفها السياسية عن طريق زيادة وتقليص أعداد المقبولين للحج والعمرة سنويًا من تلك الدول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"التدخل السافر".. سياسة بن سلمان لجر السعودية نحو الهاوية

الرشوة في نخاع مؤسسة الحكم السعودي.. أدلة جديدة عن حوادث قديمة