09-يونيو-2019

قارب مهاجرين غير نظاميين في مضيق جبل طارق (Elpais)

تتوالى التقارير والإحصائيات؛ أرقام صادمة، ومشاهد كلها تُلوح بأزمة إنسانية قائمة على الحدود بين المغرب وإسبانيا. هنا، البحر الأبيض المتوسط، 14 كيلومترًا من مياه أقبرت الأحلام، وخسفت بطموح شباب أسمر جاء يحمل معه لعنة الفقر وأمل الوصول إلى جنة خضراء على الأرض الأوروبية.

يُعد المغرب بوابة إفريقيا نحو أوروبا، فـ90% من محاولات الهجرة السرية تتم عبر السواحل المغربية

المغرب.. بوابة الأحلام

يُعد المغرب بوابة إفريقيا نحو أوروبا، فـ90% من محاولات الهجرة السرية تتم عبر المغرب، كون المسافة الفاصلة بين مدن الشمال (طنجة، أصيلة، الناظور...) وجنوب إسبانيا، قصيرة، مقابل ذلك تتوزع نسبة 10% من المهاجرين بين من يختاروا العبور من ليبيا باتجاه إيطاليا، ومن تركيا باتجاه اليونان.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يترك المغاربة بلادهم ويخاطرون عبر الهجرة غير النظامية؟

التقرير السنوي للوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (فرونتيكس)، الذي تحصل"الترا صوت" على نسخة منه، أشار إلى أن المغرب تحول منذ سنة 2011 إلى البوابة الرئيسية للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، فأغلب المهاجرين غير النظاميين شباب مغاربة ومن دول جنوب القارة الإفريقية، بالإضافة إلى سوريين فارين من الحرب، وتتراوح أعمار أغلب المهاجرين السريين بين 15 و40 سنة.

أرقام صادمة

كشفت وزارة الداخلية الإسبانية، في تقرير لها صدر الأسبوع الماضي، وصول 9565 مهاجرا غير نظامي إلى إسبانيا، برًا وبحرًا، في الفترة الفاصلة بين بداية السنة الجارية ومنتصف أيار/مايو الماضي، بارتفاع نسبته 16% مقارنة بالفترة نفسها من السنة المنصرمة، حيث لم يتجاوز الرقم 8245 مهاجرًا سريًا.

منذ بداية العام ارتفع عدد المهاجرين إلى إسبانيا من المغرب بنسبة 24.2% عن العام الماضي

ووصل إلى إسبانيا من المغرب، عبر بحر البوران ومضيق جبل طارق، 6876 مهاجرًا، على متن 249 قاربًا منذ شهر كانون الثاني/يناير الماضي، بارتفاع قدره 24.2% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، إذ لم يتجاوز الرقم 6012 مهاجرًا.

وفي توزيع الأرقام المسجلة، فقد رصدت وزارة الداخلية الإسبانية وصول 4104 مهاجرين، بحرا، في كانون الثاني/يناير، و936 مهاجرا في شباط/فبراير، و588 مهاجرا في آذار/مارس، و995 مهاجرا في نيسان/أبريل، و842 مهاجرا في النصف الأول من أيار/مايو.

الأرقام الصادمة لم تنحصر في تقرير وزارة الداخلية الذي تصدره بشكل دوري، مرة كل خمسة أشهر، فجريدة "إلباييس" الإسبانية، بدورها، أجرت تحقيقًا شاملًا مستندًا على إحصائيات وأرقام الاتحاد الأوروبي والحكومة الإسبانية بخصوص أعداد المهاجرين غير النظاميين الخارجين في العقد الأخيرة من المغرب.

وأوردت الجريدة تراجع عدد الواصلين بحرًا إلى سبتة ومليلية، المدينتين المغربيتين التابعيتين للنفوذ الإسباني، سنة 2019، مقارنة مع سنة 2018. إذ سجل منذ كانون الثاني/يناير الماضي وصول 180 مهاجرًا إلى سبتة، بمعدل انخفاض قدره 22.1% مقارنة مع السنة الماضية. فيما وصل 51 مهاجرًا إلى ميليلة بحرًا، بنسبة انخفضت بـ69.3% مقارنة مع السنة الماضية.

أما بخصوص عدد القتلى، فأشارت منظمة الهجرة الدولية إلى 137 مهاجرًا قتلوا أو فقدوا في الفترة ما بين الأول من كانون الثاني/يناير الماضي، والثاني من أيار/مايو الجاري، كانوا في طريقهم إلى إسبانيا عبر الطريق الغربية للمتوسط، وسجل شهر كانون الثاني/يناير لوحده 62 قتيلًا ومفقودًا، و19 في شباط/فبراير، و53 في آذار/مارس، وضحيتين في نيسان/أبريل.

قوارب الموت.. نهاية الأحلام

تستغل شبكات التهجير حاجة الحالمين بالوصول إلى "الفردوس الأوروبي"، وتفرض مبالغ مالية أقلها خمسة آلاف دولار أمريكي لتهريب الفرد الواحد من شواطئ مدن شمال المغرب إلى الشواطئ الإسبانية على متن قوارب بدائية الصنع، تشتغل بمحرك يعمل بالغاز، مهمتها حمل عدد من المهاجرين يفوق 100 مهاجر، ورميهم في بحر الضفة الأخرى قبل الوصول بكيلومتر واحد ثم العودة إلى المغرب.

لا تفرق "قوارب الموت" بين الفئات العمرية، فهي تحمل الصغير والكبير بنفس الثمن، تُصنع في إسبانيا حسب تحقيق جريدة "إلباييس"، ويتم نقلها إلى المغرب لنقل المهاجرين ومن مميزاتها السرعة الكبيرة والطاقة الاستيعابية العالية.

في شباط/فبراير الماضي فككت المصالح الأمنية المغربية شبكة إجرامية تنشط في في صناعة القوارب المطاطية، وذلك بعد أن ضُبط أفرادها متلبسين باستغلال ورشة سرية في مدينة سلا غرب المغرب، مخصصة لصناعة الزوارق المطاطية المستخدمة في عمليات الهجرة غير المشروعة، حيث تم العثور بحوزتهم على آليات للخياطة وأخرى لتركيب الزوارق المطاطية، فضلًا عن المواد الأولية التي تدخل في صناعة هذه الزوارق.

منعت السلطات المغربية هذه السنة 2831 مهاجرًا من الإبحار للسواحل الإسبانية

وبشكل يومي، تعلن البحرية المغربية وخفر السواحل الإسباني، عبر الوكالتين الرسميتين لإسبانيا والمغرب، عن إنقاذ العشرات من المهاجرين كانوا على متن زوارق مطاطية باتجاه اسبانيا، ففي الأسبوع الأول من شهر أيار/مايو الماضي، كشفت الإحصائيات عن إنقاذ حوالي 500 مهاجر غير نظامي مغاربي من دول جنوب إفريقيا.

وأورد تحقيق "إلباييس"، استنادًا إلى تقارير سرية حصل عليها، أن الدرك الملكي والبحرية الملكية، قامت هذه السنة بمنع 2831 مهاجرًا من الإبحار صوب السواحل الإسبانية، بالإضافة إلى تفكيك العشرات من الشبكات الإجرامية المكلفة بتهريب المهاجرين غير النظاميين.

أزمة إنسانية

في الوقت الذي تسعى فيه شبكات التهجير إلى تحقيق اغتناء ضخم وسريع، تجد الأسر المغربية نفسها مجبورة على توفير مبلغ مالي مهم مقابل تهجير أبنائها إلى أوروبا، هذا المبلغ الذي لا تتساهل فيه مافيا التهجير حسب الشهادات المدونة في تقارير الحكومة الإسبانية، وأيضا محاضر الأمن في أوروبا.

أجرى الأمن الإسباني، السنة الماضية، تحقيقًا واسعًا استمع خلاله إلى عدد من المهاجرين السريين، وحصل على شهادات من بينها شهادة مهاجر مغربي خرج من طنجة رفقة آخرين، قبل إتمام المبلغ المالي المطلوب منهم، فوجدوا في انتظارهم شقيقين مغربيين من الأفراد الرئيسيين للشبكة، حيث نقلاهم في عربات إلى ضيعة، وقضوا فيها عدة أيام تحت حراسة عناصر تابعة للشبكة.

وأضاف المهاجر المغربي أن عناصر الشبكة الإجرامية أصروا على احتجازه رفقة باقي المهاجرين في الضيعة وبعد تلقي الشبكة المبلغ الإضافي المتفق عليه مع ذويهم والمقدر بمليون سنتيم (10 آلاف درهم أو ما يعادل ألف دولار أمريكي)، تم نقلهم إلى المدن والدول التي يرغبون الاستقرار فيها، من بينها برشلونة وبيلباو وفرنسا.

ونهاية السنة الماضية، هز الرأي العام خبر وفاة الطالبة حياة بلقاسم في عرض السواحل المغربية، بعد إصابتها برصاص خفر السواحل الذي كان يتعقب المهاجرين غير النظاميين. وخلّف وفاة حياة صدمة كبيرة، ليبررها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان بأن "ضابط الأمن لم ينتبه إلى حياة وأطلق النار بشكل عشوائي لإيقاف القارب"!

حادث مقتل حياة جرّت على المغرب سخطًا حقوقيًا كبيرًا، إذ وصفت منظمة العفو الدولية في تقرير لها الحملة التي تشنها السلطات المغربية ضد المهاجرين السريين بحملة "المداهمات القاسية، وغير القانونية".

وحصلت منظمة العفو الدولية على تصريح خدوج حمدوني، والدة الطالبة الشابة الراحلة حياة بلقاسم، والذي قالت فيه: "كانت ابنتي حياة، ستكمل سنتها العشرين في تشرين الثاني/نوفمبر. كانت بِكر أولادي الخمسة، وأكثرهم شجاعة. كانت تمثل العالم بأسره بالنسبة إليّ. ترك غيابها فجوة كبيرة في عائلتنا، ولن يملأها شيء بعد الآن".

مهاجرون مغاربة في ميناء طريفة الإسباني بعد إنقاذهم من المغرق في البحر المتوسط 

أيضًا، طالبت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها السلطات الإسبانية بإلغاء "قانون التقييد" الذي يسمح بطرد الناس دون فرصة تقديم طلب للحصول على اللجوء أو تقييم المخاطر التي قد يواجهونها إذا أعيدوا من سبتة ومليلية إلى المغرب.

دعم أوروبي للمغرب

ساهمت عدة عوامل في تشديد السلطات المغربية المراقبة على طول السواحل الشمالية وتوسيع عملية الإنقاذ في أعماق المياه المغربية، للحد من تفاقم عملية الهجرة السرية من المغرب إلى إسبانيا، وذلك بعد التوقيع على اتفاق الصيد البحري الجديد بين المغرب والاتحاد الأوروبي. 

كما قُدّم للمغرب دعم مالي قيمته 140 مليون يورو، فضلًا عن زيارة الملك الإسباني فيليبي السادس إلى الرباط يومي 13 و14 شباط/فبراير الماضي، الذي طلب من الملك محمد السادس مضاعفة الجهود لمحاربة الهجرة السرية، لاسيما بعد أن تحولت الطريق الغربية للبحر الأبيض المتوسط منذ كانون الثاني/يناير 2018 إلى أول منفذ للهجرة السرية.

تستغل شبكات التهجير حاجة الحالمين بالوصول لـ"الفردوس الأوروبي"، بفرض مبالغ أقلها 5 آلاف دولار لتهريب الفرد الواحد من المغرب لإسبانيا

وخصص الاتحاد الأوروبي، بضغط من إسبانيا مبلغ 500 مليون درهم، أي ما يعادل 50 مليون يورو تقريبًا، كدعم إضافي سنوي للمغرب، لمواجهة تحديات الهجرة السرية وذلك في اجتماع عُقد في منتصف شهر أيار/مايو الماضي، بالعاصمة الإسبانية مدريد، ترأسه نائب المدير العام للهجرة والشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مافيا" للهجرة على الحدود الإسبانية.. ذريعة هوس السلطة باللاجئين

الشباب العربي.. هجرة متزايدة من أوطان تضيق بتطلعاتهم