12-سبتمبر-2019

أقال ترامب بولتون بعد أن تعمقت الخلافات بين الطرفين (Getty)

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إقالة مستشار الأمن القومي جون بولتون منصبه، بعد 17 شهرًا تولى خلالها مهامه في الإدارة الأمريكية، نتيجة تعمق الخلاف بينهما على خلفية دعوة ترامب مسؤولين من حركة طالبان الأفغانية لعقد اجتماع سري في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ماريلاند لإجراء محادثات سلام بين الطرفين، وذلك قبل أيام قليلة من الذكرى السنوية للهجمات الإرهابية التي ضربت في 11 أيلول/سبتمبر برجي التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأمريكية.

يُعرف عن بولتون أنه من الأشخاص الذين يؤمنون بأيديولوجيا التفوق والتعامل مع الخصم أو المختلف معه بالقوة، وليس لديه مكان للدبلوماسية، أو سياسة التسوية في معالجة الخلافات والأزمات

ترامب يقيل الجمهوري المتشدد بتغريدة على تويتر

قال ترامب أول أمس الثلاثاء عبر حسابه الرسمي على تويتر: "أبلغت جون بولتون الليلة الماضية بأنه لم تعد ثمة حاجة لخدماته في البيت الأبيض"، وأضاف في تغريدته مشيرًا لحجم الخلاف في السياسة الخارجية للبيت الأبيض مع بولتون: "اختلفت بشدة مع الكثير من اقتراحاته مثلي مثل آخرين في الإدارة"، فيما قدم بولتون رواية مختلفة عما جاء في تغريدة ترامب، وكتب بعد إعلان الأخير إقالته من منصبه: "قدمت استقالتي الليلة الماضية. وقال الرئيس ترامب فلنتحدث في الأمر غدًا".

 

ويوصف بولتون المستشار الثالث للأمن القومي خلال فترة ترامب الرئاسية بأنه من الصقور البارزين في السياسة الخارجية لواشنطن، وبحسب وكالة رويترز فإن ترامب قال في أحد اجتماعاته داخل المكتب البيضاوي، إن "جون لم ير قط حربًا إلا وأحبها"، إلا أن بولتون في الآونة الأخيرة أثار استياء الكثيرين في الإدارة الأمريكية، ونقلت الوكالة عينها عن أحد المصادر قوله إن بولتون "لا يلعب وفقًا للقواعد.. إنه لاعب مارق".

اقرأ/ي أيضًا: لهذه الأسباب لن نشهد حربًا أمريكية – إيرانية في سوريا!

وأكدت معظم التقارير التي تحدثت عن إقالة بولتون أن سعي ترامب لإجراء حوار مع قادة طالبان حول مستقبل أفغانستان هو الصخرة التي انكسر عليها تحالف الاثنين، بالإضافة لمخاوف ترامب من احتمال كشف بولتون معارضة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس لمساعيه في استقبال قادة الحركة الأفغانية، وأشار مصدران مطلعان لوكالة رويترز أن بولتون أراد أن يرسل لترامب رسالة مفادها أن نائب الرئيس نفسه يختلف معه.

أبرز الأسباب التي دفعت ترامب لإقالة بولتون  

ظهر تباين واضح في نهج ترامب وبولتون حيال السياسة الخارجية لواشنطن انعكس على ملفات التفاوض التي تديرها الإدارة الأمريكية، إلا أن الخلاف الأبرز بين الرجلين كان يدور حول خمسة دول محددة، فقد أظهر بولتون معارضة قوية لمحادثات السلام التي أراد ترامب عقدها مع قادة حركة طالبان، فضلًا عن معارضته سحب القوات الأمريكية نهاية العام الجاري من أفغانستان، ومن المفارقات فإن ترامب أعلن الأسبوع الماضي إلغاء القمة السرية التي كان يريد عقدها مع قادة الحركة بعد الهجومين الانتحاريين اللذين نفذتهما ما أدى لمقتل جندي أمريكي في أفغانستان.

كما أن بولتون أظهر بشكل واضح رغبته في إرسال قوات أمريكية لفنزويلا للإطاحة بحكومة الرئيس نيكولاس مادورو اليسارية، وتشير صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن تقييمات بولتون التي توقعت سقوط مادورو بشكل سريع ساهمت بتراجع مصداقيته عند ترامب رغم موقف الأخير الحازم من دعم زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جايدو.

وكان بولتون إلى جانب بومبيو وبنس من أكثر مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين أرادوا من ترامب أن يأمر بتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران على خلفية إسقاطها الطائرة الأمريكية المسيّرة قبل أن يتراجع عنها في اللحظات الأخيرة، كما أن توقعات بولتون بخروج المعارضة الإيرانية في مظاهرات لإسقاط الحكومة الإيرانية في طهران باءت في الفشل، ويريد ترامب من خلال رحيل بولتون أن يبدأ مفاوضات مباشرة مع طهران لتعديل شروط الاتفاق النووي الإيراني، على أن يرافقها إلغاء العقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات النفط الإيرانية.

إضافة إلى ذلك جاءت رغبة ترامب بدعوة روسيا لحضور قمة مجموعة السبع التي تستضيفها بلاده العام القادم على عكس توجهات بولتون الذي يتبنى سياسة عدائية اتجاه موسكو ترفض سياسة الانفتاح التي يبديها ترامب، فضلًا عن محاولات بولتون الحثيثة لإقناع ترامب بشن ضربة عسكرية وقائية ضد بيونغ يانغ، وكان من المعارضين بشدة للمفاوضات التي بدأها ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ-أون، ما دفع ترامب لاتهامه بالعمل خلف الكواليس لإجهاض المفاوضات مع بيونغ يانغ.

بولتون.. مهندس الحرب الأمريكية على العراق

تسلّم بولتون مهامه كمستشار للأمن القومي بشكل رسمي في آذار/مارس العام الماضي، بعد إعلان ترامب إقالة الجنرال اتش آر ماكماستر من منصبه، الذي جاء للمنصب أساسًا على خلفية إقالة مايكل فلين لإخفائه معلومات عن المحققين بملف التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وعندما تسلّم بولتون مهامه كانت التقارير تشير إلى أن واشنطن ستتخذ موقفًا متشددًا في سياستها الخارجية، بعد الشهرة التي حققها بولتون من خلال الدور الذي لعبه في إدارة جورج بوش الابن بالتخطيط للحرب الأمريكية على العراق.

ويعرف عن بولتون أنه من الأشخاص الذين يؤمنون بأيديولوجيا التفوق والتعامل مع الخصم أو المختلف معه بالقوة، وليس لديه مكان للدبلوماسية، أو سياسة التسوية في معالجة الخلافات والأزمات، وعلى الرغم من اتفاق ترامب وبولتون في معظم النقاط المرتبطة بالسياسة الخارجية الأمريكية، فإنهما يختلفان في أمرٍ يعتبر جوهريًا، ففي الوقت الذي يوظف ترامب التهويل لعقد صفقات مع الخصم، فإن بولتون يدفع باتجاه ترجمة التهويل إلى فعل لحسم الخصومات السياسية.

إلا أن آمال بولتون المعروف بسياسته العدائية لم تنجح بدفع ترامب لتنفيذ ضربات عسكرية مؤثرة ضد طهران أو بيونغ يانغ، بعد تبني ترامب نهجًا مخالفًا تمامًا لسياسة بولتون العدائية، ويشار في الوقت عينه إلى أن ترامب يريد مستشارًا للأمن القومي يتماهى تمامًا مع سياسته الخارجية دون أن يظهر أي تعارض أو خلاف معها أمام وسائل الإعلام الأمريكية، حتى لو أنه لا يتفق معها.

أسباب أخرى أدت لإقالة بولتون

أثبت الصراع بين ترامب وبولتون أنه لا يمكن التوفيق بين الرجلين نظرًا لتعهد الملياردير الأمريكي في حملته لانتخابات الرئاسة الأمريكية بالحد من من التشابكات الأمريكية في الخارج، ووصف المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية كليف كابتشان، بولتون، بـ"الدكتور NO" عندما كان الأمر يتعلق بالمحادثات مع إيران، في إشارة لإحدى الشخصيات العدوانية التي ظهرت في سلسلة أفلام العميل السري جيمس بوند.

اقرأ/ي أيضًا: بعد تعزيز واشنطن ترسانتها العسكرية.. هل ينتظر الشرق الأوسط حربًا شاملة؟

وترى محللة شؤون الأمن القومي لدى شبكة CNN الأمريكية سامانثا فينوغراد في مقال نشر في صحيفة بوليتيكو الأمريكية أن بولتون كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي فقط بالاسم، على عكس أسلافه من الدبلوماسيين الذين شغلوا المنصب عينه، وتضيف أن بولتون تجاهل خلال فترة تسلمه للمنصب عقد الاجتماعات مع باقي أعضاء مجلس الأمن القومي، فضلًا عن أن ندرة اجتماعات اللجنة الرئيسية للأمن القومي كانت تثير قلق أعضاء إدارة ترامب.

أكدت معظم التقارير التي تحدثت عن إقالة بولتون أن سعي ترامب لإجراء حوار مع قادة طالبان حول مستقبل أفغانستان هو الصخرة التي انكسر عليها تحالف الاثنين

وتشير فينوغراد في مقالها إلى أن من بين الأسباب التي دفعت ترامب لإقالة بولتون عدم تأديته وظيفته الأساسية بشكل صحيح، وكان دائمًا يظهر أمام الآخرين اختلافه مع السياسة الخارجية التي يتبناها ترامب، رغم أن وظيفته الأساسية أظهار الدعم لكافة القرارات التي يتخذها ترامب سواء وافق عليها أو رفضها، إلا أنه مقابل ذلك لم يقدم خلال الأشهر الـ17 الماضية سوى القليل لإدارة ترامب.