في حادثة أثارت جدلًا واسعًا، أمرت محكمة إيطالية بإطلاق سراح الضابط الليبي أسامة انجيم، المعروف بلقب "المصري"، بعد اعتقاله في مدينة تورينو الإيطالية، يوم الأحد الماضي، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
وتتهم المحكمة أسامة انجيم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الاغتصاب والقتل. لكن محكمة الاستئناف في العاصمة روما قررت إطلاق سراحه بسبب "خطأ إجرائي" من قبل النيابة العامة والمتمثل في عدم التشاور المسبق مع وزير العدل الإيطالي، كارلو نورديو قبل صدور أمر الاعتقال. وبناءً على ذلك عاد نجم إلى طرابلس، مما أثار استياء منظمات حقوقية إيطالية ودولية طالبت بمحاسبته.
تتهم المحكمة الجنائية الدولية الضابط الليبي أسامة انجيم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الاغتصاب والقتل
هذا، وقد حصلت احتفالات في العاصمة الليبية طرابلس، مساء الثلاثاء، بعد وصول الضابط الليبي، وتم تداول مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي لاستقباله في طرابلس، حيث تجمّع عدد كبير من الناس مهلّلين بعودته ورفع فوق الأعناق، كما أطلقت الألعاب النارية في الهواء احتفاء بإخلاء سبيله.
اعتقال أسامة انجيم
وكان الصحفي بصحيفة "أفينيري" الإيطالية، نيلو سكافو، أول من كشف خبر اعتقال أسامة انجيم، حين كتب في حسابه على منصة "إكس": "يمكننا أن نؤكد من مصادر مختصة أنه جرى اعتقال آمر جهاز الشرطة القضائية الليبي في تورينو بناءً على مذكرة توقيف صادرة من المحكمة الجنائية الدولية".
كما أفادت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، أن انجيم اعتقل في فندق إثر بلاغ من "الإنتربول". ونقلت الصحيفة عن مُدعٍ عام في تورينو قوله: إن "الرجل المعتقل كان في تورينو مع ليبيين آخرين".
بدورها، قالت مجموعة "ميديتيرانيا سيفينغ هيومانز" التي تعنى بإغاثة المهاجرين إن توقيف انجيم جاء بعد "أعوام من شكاوى ضحايا وإفاداتهم".
وجاء في منشور للمجموعة على منصة "إكس": أن "المصري يشكل دليلًا على أن النظام الليبي بأكمله، المدعوم في الأعوام الأخيرة بملايين اليورو من الحكومات الإيطالية والاتحاد الأوروبي، فظيع وإجرامي".
وفي بيان صادر عن المنظمة، اعتبرت أن "إطلاق سراح أحد أخطر المجرمين في ليبيا، والمتاجر بالبشر ومجرم الحرب المصري، بموجب مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وإعادته إلى طرابلس، هو عار على الحكومة الإيطالية".
سجن معيتيقة والاتهامات الموجهة
ويشغل أسامة انجيم منصب آمر الشرطة القضائية الليبية ومدير سجن معيتيقة القريب من طرابلس، ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، يُعتبر هذا السجن من أكثر مراكز الاحتجاز انتهاكًا لحقوق الإنسان، حيث يتعرض السجناء للتعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، بما في ذلك المهاجرين الذين يتم احتجازهم في ظروف غير إنسانية.
يشغل أسامة انجيم منصب آمر الشرطة القضائية الليبية ومدير سجن معيتيقة، ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، يُعتبر هذا السجن من أكثر مراكز الاحتجاز انتهاكًا لحقوق الإنسان، حيث يتعرض السجناء للتعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، بما في ذلك المهاجرين
وكشف الصحفي الإيطالي نيلو سكاڤو، لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن نجم متهم بنقل المهاجرين بشكل غير قانوني إلى سجن معيتيقة، حيث يتم استغلالهم في أعمال السخرة، وهو ما يعادل العبودية في العصر الحديث.
ولفت سكاڤو إلى أن قضية انجيم "ستكون نقطة تحول إذا ما تم فتح محاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكنني أخشى أن العديد من الدول تخشى مما قد يقوله نجيم، لأنه يمثل سلطات لها علاقات مع إيطاليا ومالطا وأوروبا بشكل عام".
الاتفاقيات المثيرة للجدل بين إيطاليا وليبيا
وألقت هذه الواقعة الضوء على الاتفاقية الموقعة بين إيطاليا وليبيا عام 2017 والتي جُددت لاحقًا، وتتناول تمويل وتجهيز خفر السواحل الليبي بهدف منع اللاجئين والمهاجرين من عبور البحر المتوسط. ورغم أن الاتفاقية تهدف إلى تقليل أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا، فإنها تعرضت لانتقادات واسعة بسبب إعادة المهاجرين إلى مراكز احتجاز يتعرضون فيها لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة.
أعربت منظمات حقوقية عن قلقها العميق إزاء إطلاق سراح انجيم، مشيرة إلى أن هذا القرار يبعث برسالة خاطئة بشأن الالتزام بالعدالة الدولية
وأعربت منظمات حقوقية عن قلقها العميق إزاء إطلاق سراح انجيم، مشيرة إلى أن هذا القرار يبعث برسالة خاطئة بشأن الالتزام بالعدالة الدولية. كما دعت المنظمات الحكومات الأوروبية إلى التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية لضمان عدم إفلات المتهمين بارتكاب جرائم حرب من العقاب.
نشطاء ليبيون تداولوا على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع مصورة لسيارة "البيدجا" وهو داخلها مقتولًا وعليها آثار الرصاص.https://t.co/jzestP2K8T
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 2, 2024
التحديات التي تواجه العدالة الدولية
تُعد مذكرة التوقيف الصادرة بحق انجيم جزءًا من جهود المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، خاصة في ظل الفوضى التي تعم البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011. وتواجه المحكمة تحديات كبيرة في تنفيذ قراراتها، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع دول قد تكون لديها مصالح سياسية مع المتهمين.
يُبرز هذا الحادث العقبات التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذ قراراتها، خاصةً في ظل التعقيدات السياسية والقانونية التي قد تعيق التعاون الدولي. كما يشير إلى الحاجة الملحة لتعزيز الآليات الدولية لمحاسبة المتهمين وضمان التزام الدول الأعضاء بتنفيذ التزاماتها تجاه المحكمة.