27-أكتوبر-2018

يقود السياسيون الشباب في أفريقيا، حراكًا مناهضًا للسلطة التقليدية للسياسيين المسنين (EPA)

في حين أن أغلبية سكان الدول الأفريقية هم من الشباب، يحكم هذه الدول الرجال الأكبر سنًا، أو بالأحرى المسنين الذين تفوق أعمارهم الستينيات. غير أنه في السنوات الأخيرة بدأت في الظهور موجة من السياسيين الشباب الذي يمثلون تهديدًا حقيقيًا للحكام والسياسيين التقليديين المسنين، عن هؤلاء أعدت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا ننقله لكم بتصرف فيما يلي.


تتحدى موجة من النشطاء والسياسيين الشباب، القادة المسنين في معظم أنحاء أفريقيا، مما يعكس التحولات الهائلة في القارة التي من شأنها أن تُغَّير حياة مئات الملايين من الناس بشكل جذري.

ظهرت في أفريقيا موجة من الشباب السياسيين الذين يتحدون الأحزاب السياسية والقادة التقليديين الذين حكموا بالدكتاتورية لعشرات السنين

هذا الجيل الجديد من الساسة، في منتصف الثلاثينات من عمره، وبالكاد يتذكرون الحرب الباردة أو الصراعات التي جلبت العديد من الحكام المستبدين أو الأحزاب الحاكمة التقليدية إلى السلطة. وبالنظر إلى أنهم متعلمين ومن سكان المدن الحضرية، فهم أمام مفترق طرق مع التغييرات الهائلة التي يقول الخبراء إنها قد تعزز الديمقراطية بشكل كبير في أفريقيا خلال العقود المقبلة.

اقرأ/ي أيضًا: استقالات القادة والحكام.. رمال متحركة تنذر بالربيع الأفريقي

يقول وليام جوميدي، المحلل في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، إنه "شيء يدعو للتفاؤل بشدة. السؤال المهم الآن هو: كيف يمكننا تسخير هذا، وكيف لنا أن ندعم هؤلاء القادة الشباب؟".

ويواجه الجيل الجديد مقاومة شديدة من الحكام الحاليين، من تبلغ أعمارهم، في بعض الأحيان، أكثر من ضعف أعمار الجيل الجديد، كما أنهم، أي الحكام الحاليين والسياسيين التقليديين، يحظون بدعم ومساندة كل من المنظمات السياسية ذات النفوذ منذ عقود، بالإضافة للجيوش المسلحة تسليحًا جيدًا، والأجهزة الأمنية الوحشية، وأنظمة المحسوبية المتأصلة، التي استولت على كمٍ هائل من الموارد.

عاد بوبى واين، وهو عضو معارض في البرلمان الأوغندي، ونجم موسيقى الريغي السابق، البالغ من العمر 36 عامًا، إلى أوغندا وسط ترحيبٍ حار من آلاف المؤيدين في العاصمة كامبالا.

كان واين، واسمه الحقيقي روبرت كيغولاني سسينتمو، في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تلقى العلاج الطبي من إصابات لحقت به أثناء احتجازه في آب/أغسطس. وقد تعهد بإرغام الرئيس الأوغندي، يوري موسفني، البالغ من العمر 74 عامًا، على التخلي عن الحكم. علمًا بأن موسفني في السلطة منذ عام 1986، حين كان واين لا يزال في الرابعة من عمره. 

يقول واين لصحيفة الغارديان، إنه يريد إثبات أن "قوة الشعب تفوق قوة من في السلطة، إذ هناك 40 مليون شخص يحتاجون إلى الأمل، لذلك سأذهب للقائهم، مهما كلف الأمر".

وفي رواندا، اعترضت ديان رواغارا، وهي محاسبة تبلغ من العمر 38 عامًا، على الحكم الاستبدادي المطلق للرئيس بول كاغامه، البالغ من العمر 60 عامًا، ورشحت نفسها في الانتخابات الرئاسية. لكنها الآن تقبع في السجن.

ديان رواغارا، معارضة رواندية، اعتقلت بعد ترشحها للرئاسة ضد الرئيس بول كاغامه
ديان رواغارا، معارضة رواندية، اعتقلت بعد ترشحها للرئاسة ضد الرئيس بول كاغامه

أما إيمرسون منانغاغوا، رئيس زيمبابوي الجديد، البالغ من العمر 76 عامًا، والذي تولى السلطة بعد أن استُبعِد روبرت موغابي، البالغ من العمر 94 عامًا، إثر حدوث استيلاء عسكري على السلطة في العام الماضي؛ فقد فاز بصعوبة على نيلسون تشاميسا، زعيم حركة التغيير الديمقراطي، البالغ من العمر 41 عامًا، في انتخابات مطعون فيها، في تموز/يوليو الماضي.

وخلال الحملة، أخبر تشاميسا صحيفة الغارديان بأنه كان "صوت شباب زيمبابوي"، ,أنه "قد حان الوقت ليترك القادة المسنين زعامة البلاد ويتنحوا جانبًا".

هذا وقد اقترح مسؤولو حزب جبهة زيمبابوي الوطنية الإفريقية (زانو)، رفع الحد العمري الأدنى لتولي الرئاسة، الذي يصل حاليًا إلى 40 سنة، لمنع "الأشخاص غير الناضجين" من تولي الرئاسة، فيما يبدو لإغلاق الباب أمام أمثال تشميسا من السياسيين الشباب.

"ما تزال السلطة الأبوية راسخة في المجتمعات الأفريقية، إلا أن الشباب يمثلون قاعدة المواطنين، ومن ثم هناك صراع بين السياسة والثقافة والتقاليد". هكذا قال غوميدي، مدير "Democracy Works"، وهي مؤسسة تشمل مجموعة من الخبراء العاملين في مختلف أنحاء المنطقة، وتعمل على إعداد الشباب ليصبحوا مرشحين محتملين للرئاسة.

ويصل متوسط ​​العمر في زيمبابوي إلى ما يقرب من 20 عامًا، وهو أعلى بقليل مقارنةً ببقية دول القارة. وفي أوغندا فإن 70 % من السكان تحت سن الـ24. بيد أن آبي أحمد، البالغ من العمر 41 عامًا، وهو جندي سابق، يُمثل جزءًا من حكومة كفاءات وطنية، ويشغل حاليًا منصب رئيس وزراء إثيوبيا؛ يعتبر استثناءً. إذ إن متوسط ​​عمر القادة الأفارقة هو 62 عامًا، مما يعني أن القارة التي تضم أصغر المواطنين، يتولى سدة الحكم فيها الأكبر سنًا.

ومن بين هؤلاء الرئيس بول بيا، الذي يبلغ من العمر 85 عامًا، ولا يزال على رأس السلطة في الكاميرون منذ 35 عامًا، بينما يحكم تيودورو أوبيانغ، البالغ من العمر 75 عامًا، غينيا الإستوائية منذ عام 1979، أما عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 81 عامًا، والذي على الرغم من أنه قعيد على كرسي متحرك منذ أن أصيب بوعكة صحية خطيرة قبل خمس سنوات، قد يسعى للترشح لولاية خامسة كرئيس للجزائر في العام المقبل.

كما ستخوض جنوب أفريقيا، التي تعتبر أكثر الدول تقدمًا في أفريقيا، انتخابات رئاسية في العام المقبل، والتي يأمل الرئيس سيريل رامافوزا، الذي يبلغ من العمر 65 عامًا، أن يفوز بولاية جديدة خلالها لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، الذي يرأسه منذ عام 1994.

وتبلغ أعمار أكثر من 10 مليون ناخب مؤهل -ما يقرب من ربع الناخبين- أقل من 30 عامًا، وبالتالي هم أصغر من أن يتذكروا نضال قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ضد نظام الفصل العنصري الأبيض القمعي، الذي انهار في أوائل حقبة التسعينات من القرن الماضي. ولذلك، يقول المحللون إن ذلك سيساهم في تغير السياسة بشكل أساسي في البلاد.

ويقود حزبا المعارضة الرئيسيان في البلاد، وهما حزب التحالف الديمقراطي الذي يُعد من أحزاب الوسط اليميني، وحزب المحاربين من أجل الحرية الاقتصادية، وهو أحد الأحزاب التي تنتمي إلى اليسار الراديكالي، كل من مُموسي مايمان، البالغ من العمر 38 عامًا، وجوليوس ماليما، البالغة من العمر 37 عامًا، على التوالي.

نيلسون تشاميسا، زعيم حركة التغيير الديمقراطي، البالغ من العمر 41 عامًا
نيلسون تشاميسا، زعيم حركة التغيير الديمقراطي، البالغ من العمر 41 عامًا

وعلقت صحيفة "Mail and Guardian" المحلية على قيادة الشابان لأبرز حزبين معارضين، بقولها: "كلاهما قادرًا على الاستفادة من السخط القوي للغاية للأصوات الشابة، ولكن غير المستغل إلى حد كبير".

لكن نيك تشيزمان، أستاذ الديمقراطية في جامعة برمنجهام، يُحذر من أن العديد من السياسيين الشباب ينتهي بهم المطاف بين صفوف الأحزاب والأنظمة التي حاربوها في السابق.

وعبر تشيزمان عن ذلك قائلًا: "إننا دائمًا نشعر بالحماس تجاه الشباب، لأننا نرى فصيلًا جديًدا، ونعرف طبيعة تلك الدول الأفريقية الشابة، وإلى أي مدى سيستمر ذلك الشباب. لكن الأبحاث تشير إلى أن الثوار الشباب غالبًا ما ينتهي بهم المطاف بشغل منصب وزير لإحدى الحقائب الوزارية. وبهذه الطريقة يجرى استقطابهم".

إن العنصر الذي يتعين أن يشغل أهمية كبيرة في أفريقيا، هو التمدن، فالانقسام الكبير يكمن أساسًا بين المناطق الحضرية والريفية

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث لا يتجاوز متوسط عمر ثلثي المواطنين في البلاد تقريبًا سن 25، تقوم منظمات المجتمع المدني مثل منظمة "لوتشا"، بحملة من أجل إجراء إصلاحات جذرية للنظام السياسي.

قال سيلفان سالوسيكي، وهو عضو بارز في منظمة لوتشا، "إن الحرس القديم يحتاج إلى دم جديد، لذلك فإنهم يستقطبون الشباب الصغار. لذا فإن التحدي يتمثل في قدرتك على إثبات نفسك وألا تكون مجرد شخصًا انتهازيًا. وكذلك كيف يُمكن أن تحافظ على المكانة الأخلاقية السامية؟".

ولا يزال القادة الشباب بعيدون كل البعد عن الحصانة من إغراءات المكاسب المادية غير المشروعة، أو ممارسة الشعبوية، لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات. فقد اتُهم نيلسون تشاميسا مرارًا بتقديم وعود غير واقعية للفوز بالأصوات. واتهم السياسي الأوغندي، بوبي واين مرارًا وتكرارًا بأنه يناهض المثلية الجنسية.

فيما لا يزال العديد من الحكام والأحزاب القائمة منذ أمد طويل، يتلقون دعمًا هائلًا في المناطق الريفية، حيث تكون سيطرة الحكومة أكبر، رغم أن أكثر من نصف سكان قارة أفريقيا يُتوقع أنهم سينتقلون للعيش في المدن الحضرية خلال ثلاثين عامًا.

يقول تشيزمان، إن "الشباب لا يكفي وحده لإحداث تغيير جذري"، موضحًا أن "العنصر الذي يتعين أن يشغل أهمية كبيرة حقًا هو التحضر. إذ إن الانقسام الكبير يكمن بين المناطق الحضرية والريفية، وليس بين الشباب والمسنين"، مضيفًا: "عندما تكون غالبية الأصوات الوطنية في المناطق الحضرية، فمن شأن هذا أن يحدث تحولًا هائلًا في أحزاب المعارضة وفي السياسة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحركة الطلابية في السودان.. هروب من السياسة إلى العمل الأهلي

الخلاص لم يأت بعد.. زيمبابوي تجر إرث موغابي الثقيل