10-يناير-2020

من صفحة السينما على فيسبوك

منتصف آب/ أغسطس من العام الفائت 2019، أي قبل نحو 5 أشهر تقريبًا، دقّت جمعية "متروبوليس آرت سينما" ناقوس الخطر أخيرًا. تردّي الأوضاع الاقتصادية في لبنان والمنطقة تزامنًا مع انخفاض ميزانية القطاع الثقافي مقابل تصاعد التوتّر، داخليًا وخارجيًا، انعكس على أحوال صالة السينما التي انطلقت قبل نحو 13 عامًا، قبل يوم واحد فقط من حرب تمّوز الشهيرة.

اشتغلت متروبوليس على محاولة تأسيس أرشيف لحفظ التراث السينمائي، وجهدت لأجل خلق فضاءٍ يُتيح إمكانية الوصول إلى أفلام بديلة محلّيًا وعالميًا

وضعت صالة "متروبوليس" لحظة انطلاقها في مسرح صغير تابع لمسرح "المدينة" جُملة أهداف اشتغلت عليها طيلة سنوات نشاطها، لا سيما بعد أن انتقلت من الحمرا إلى الأشرفية، مركز "صوفيل"، حيث أخذ مسارها منحىً أكثر تطوّرًا وفاعلية، تمثّل بقائمة برامج متنوّعة على مدار السنة، وقائمة مهرجانات معنية بالسينما العربية والعالمية، بالإضافة إلى ورش عمل لصناعة الأفلام، تُتيح في آنٍ معًا فرصًا للتواصل بين صنّاع الفنّ السابع وجمهوره.

اقرأ/ي أيضًا: المشهد الثقافي في لبنان.. حصاد مبكّر قبل أوانه

كما اشتغلت الدار السينمائية على محاولة تأسيس أرشيف لحفظ التراث السينمائي، وجهدت لأجل خلق فضاءٍ يُتيح إمكانية الوصول إلى أفلام بديلة محلّيًا وعالميًا. ولكنّ طموحًا كهذا اصطدم أخيرًا بجُملة من المعوّقات، أهمّها شحّ التمويل وغياب الدعم وتراجع الاهتمام، جماهيريًا، بالفنّ السابع وأفلامه غير التجارية، لتجد "متروبوليس" نفسها مهدّدة بالإغلاق وطيّ صفحة سنواتٍ من العمل، تحت ضربات واقع سياسيّ واقتصادي مضطّرب.

إذًا، ما كان مجرّد توقّعات بات أمرًا واقعًا، وما كان مُستشعرًا بات ملموسًا، وهو ما وضع "متروبوليس" أمام مفترق طرق، إمّا الإغلاق، أو دخول ما ابتعدت عنه لسنوات، أي فضاء السينما التجارية. أمّا الحلول، فكانت معدومة، باستثناء بضع محاولات لتأخير مصيرها الذي بدا محتومًا، منها حملة تبرّعات أُطلقت لمساعدة الجمعية على تجاوز أزمتها، أو – أقلّ ما في الأمر – ضمان أن تواصل نشاطها حتّى نهاية 2020، لعلّها تتدبّر أمرها خلال هذه المدّة، وتجد فضاءاتٍ جديدة لخلق استقلالية مالية كان واضحًا أنّها باتت، راهنًا، ضربًا من المستحيل.

متانة العلاقة بين الصالة وجمهورها لم يعد أمرًا كافيًا لاستمرارها وفقًا لما صرّحت به رئيسة جميعة "متروبوليس" هانية مروة في أكثر من لقاءٍ صحفيّ على خلفية إطلاق الحملة. لا سيما وأنّ الجمعية لا تتلقّى أي دعمٍ وازن بإمكانه صناعة الفرق عاجلًا أم أجلًا. كما أنّ التمويل الذي تحصل عليه من وزارة الثقافة اللبنانية وبعض السفارات والمؤسّسات الثقافية العربية والغربية، لا يتعدّى كونه تمويلًا رمزيًا لا فائدة ترتجى منه على المدى الطويل.

وتماشيًا مع ما وصلت إليه حال الجمعية السينمائية، تساءلت مروة عن ذنبهم كمؤسّسة ثقافية إن لم يتّفق مجلس الوزراء والنواب على الموزانة؟ وكذا تخفيض وزارة المالية اللبنانية لميزانية وزارة الثقافة التي تموّلها عادةً؟ في خضمّ هذه التساؤلات التي تُعبّر عن حال "متروبوليس"، لم تستبعد مروة إغلاقها، ولكنّها استبعدت بشكلٍ قاطع فكرة أن تتحوّل إلى مؤسّسة تجارية، أو أن تنحرف عن مسارها ورؤيتها، لا سيما إتاحة الفرصة أمام الجميع للاستمتاع بالسينما، مؤكّدة أنّ الجمهور لن يدفع ثمن هذه الأزمة، بمعنى أنّ مسألة رفع أسعار البطاقات غير واردة إطلاقًا، وكذا المساس بنوعية البرنامج أو تعديله.

وتفاديًا للسيناريوهات المطروحة، أطلقت جمعية "متروبوليس آرت سينما" حملة لجمع التبرّعات على هامش مهرجان "أسبوع الفيلم الألماني" الذي استضافته بين 19 أيلول/ سبتمبر وحتّى مطلع تشرين الثاني/ أكتوبر 2019، بدعمٍ من معهد غوته الألمانيّ، والهدف مواصلة ما بدأت لأجله الجمعية، وبقاء النافذة الوحيدة للسينما المستقلّة غير التجارية في لبنان على قيد الحياة.

لأنّ الشقاء سمة اللحظة اللبنانية، جاء الواقع على عكس ما توقّع القائمون على "متروبوليس"، فأُغلقت رسميًا

ولأنّ الشقاء سمة اللحظة، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة التي مرّ بها لبنان، وغياب ما تُعالج به أزماته المتفاقمة، الاقتصادية منها تحديدًا، جاء الواقع على عكس ما توقّع القائمون على "متروبوليس" التي أُغلقت رسميًا، وبصمت أيضًا، دون أي تفسيراتٍ لما حدث، ولكنّ الأخبار المتداولة وبكثرة يوم أمس، أكّدت أنّ الصالة مُغلقة منذ حوالي شهرين تقريبًا بسبب خلافٍ بين مستثمر الصالة "أمبير"، وملّاك مركز "صوفيل".

اقرأ/ي أيضًا: بيان المؤسسات والكيانات الثقافية دعمًا لانتفاضة الشارع

أزمة جديدة أُضيفت إلى قائمة الأزمات التي تُعانيها الجمعية، عجّلت بإغلاقها وطيّ صفحتها بعد أن تحوّلت إلى مشروع خاسر، كما يراه "أمبير". أمّا أسرة الجمعية، لا تزال تراهن، من باب المواساة ربّما، على مواصلة نشاطها بعد نقله إلى مكانٍ آخر، وإن كان الأمر يبدو صعبًا أو مستحيلًا نظرًا للظروف التي تفتح باب التساؤل على مصراعيه حول استمرارية المؤسّسات والجمعيات الثقافية المشابهة لـ "متروبوليس" في لبنان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: انتفاضة لبنان.. أسبابها وتداعياتها

اليوم السادس من الاحتجاجات اللبنانية.. صوت الشارع أعلى