07-فبراير-2025
يتجمع متظاهرون خارج مقر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العاصمة واشنطن (AFP)

(AFP) يتجمع متظاهرون خارج مقر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في العاصمة واشنطن

أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) تداعيات كارثية على المساعدات الإنسانية وبرامج التنمية حول العالم، لكنه في الوقت نفسه منح الصين، المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، فرصة ذهبية لتعزيز نفوذها.

فوضى في قطاع المساعدات والتنمية

جاء تعليق تمويل (USAID) المفاجئ لمدة 90 يومًا، وهو الذي يمثل 40 % من إجمالي المساعدات الخارجية العالمية، ليتسبب في فوضى عارمة. حيث تم إغلاق مكاتب الوكالة، وتعطيل شحنات المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تلف الإمدادات الغذائية والطبية، وإيقاف البرامج التي توفر مساعدات منقذة للحياة.

على مستوى العالم، أصيبت البرامج التنموية التي كانت تعتمد على تمويل الوكالة الأميركية بحالة من الذعر، حيث أطلقت تحذيرات من تفاقم المجاعات، وزيادة معدلات الوفيات، وانتشار الأمراض نتيجة توقف التمويل.

ترامب يعيد هيكلة المساعدات بما يتماشى مع أولوياته

تتضمن خطة ترامب دمج (USAID)، التي تعمل منذ أكثر من 60 عامًا، ضمن وزارة الخارجية الأميركية، وتقليص عدد موظفيها، وتوجيه إنفاقها بما يتماشى مع أولويات إدارته. ومع ذلك، يرى محللون أن هذه الخطوة تتناقض مع إحدى الأولويات الرئيسية للولايات المتحدة، وهي مواجهة نفوذ الصين المتزايد.

حذر الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، البروفيسور هوانغ يانغتشونغ، من أن الولايات المتحدة تقدم على طبق من فضة فرصة مثالية للصين لتوسيع نفوذها، في وقت يمر فيه الاقتصاد الصيني بأزمة.

وقال في تصريح لصحيفة "الغارديان" البريطانية: "ما يفعله ترامب هو منح الصين فرصة مثالية لإعادة النظر في استراتيجياتها، وتجديد مشاريع قوتها الناعمة، والعودة إلى مسار القيادة العالمية."

إغلاق (USAID) يضعف النفوذ الأميركي

أكثر من خبير وصف قرار إغلاق (USAID) بأنه "جرح ذاتي" للولايات المتحدة، حيث يأتي في وقت تشتد فيه المنافسة بين واشنطن وبكين، لا سيما في القطاع التنموي، وهو ساحة رئيسية للتنافس بين القوتين العظميين على النفوذ في الجنوب العالمي.

الصين تستغل الفراغ: توسع في التنمية عبر مبادرة "الحزام والطريق"

في عام 2018، أنشأت الحكومة الصينية وكالة مستقلة للتعاون الدولي في التنمية، تُعرف باسم (China Aid)، بهدف تنظيم إنفاق الصين على المشاريع التنموية، بما في ذلك استثماراتها الخارجية في إطار مبادرة "الحزام والطريق"  (BRI).

وعلى الرغم من أن بكين لا تفصح عن ميزانية مساعداتها الخارجية، إلا أن دراسة أجراها معهد البحوث العالمية التابع لجامعة ويليام آند ماري كشفت أن الصين قدمت قروضًا بقيمة 1.34 تريليون دولار إلى الدول النامية بين عامي 2000 و2021، معظمها عبر مبادرة "الحزام والطريق".

وبحسب بيان للحكومة الصينية، فإن إنشاء وكالة (China Aid) جاء "لتعزيز فعالية المساعدات كأداة رئيسية للسياسة الخارجية".

(USAID)  مقابل (China Aid: اختلاف في النهج مع أهداف متشابهة

تعمل الوكالة الصينية بشكل مختلف عن الوكالة الأميركية، حيث تركز بشكل أكبر على القروض ومشاريع البنية التحتية الضخمة، بدلًا من الشراكة مع المنظمات المحلية، كما تفعل (USAID). ومع ذلك، فإن كلا الوكالتين تسعيان إلى تحقيق الهدف ذاته، وهو تعزيز القوة الناعمة والنفوذ السياسي لحكوماتهما.

التركيز على منطقة المحيط الهادئ: صراع نفوذ بين الصين والغرب

تركز (China Aid) بشكل خاص على منطقة المحيط الهادئ، حيث تسعى الولايات المتحدة وأستراليا وحلفاؤهما لمواجهة جهود الصين لإبرام اتفاقيات أمنية مع الدول الصغيرة ذات الأهمية الاستراتيجية.

وفي هذا السياق، قالت المديرة التنفيذية لمبادرة حوار التنمية والدبلوماسية والدفاع في آسيا والمحيط الهادئ، ميليسا كونلي تايلر، لصحيفة "الغارديان" إنها تعرف حالة مؤكدة على الأقل في المنطقة حيث تدخلت (China Aid) بالفعل لتمويل برنامج كان سابقًا مدعومًا من (USAID).

من جهته، أشار الزميل البارز في مؤسسة بروكينغز والمسؤول السابق في (USAID) جورج إنجرام، إلى أن "الولايات المتحدة وحلفاؤها، مثل كندا وأستراليا واليابان، لديهم مصلحة قوية في العيش في عالم يحكمه الديمقراطيات الليبرالية. في المقابل، تسعى الصين، مثل روسيا، إلى دفع العالم نحو نموذج استبدادي، وهو نقيض مصالحنا تمامًا."

قلق متزايد بشأن نفوذ الصين بعد تعليق تمويل USAID

حذرت تايلر من أن تأثير تعليق تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أسوأ مما يتم الحديث عنه، إذ إن العديد من العاملين في البرامج التنموية يأملون في استئناف التمويل بعد انتهاء فترة التعليق التي تبلغ 90 يومًا، لذا يتجنبون الحديث العلني عن التداعيات الكارثية لهذا القرار.

وأضافت المديرة التنفيذية لمبادرة حوار التنمية والدبلوماسية والدفاع في آسيا والمحيط الهادئ إن "أكبر مخاوفها بشأن الدور التنموي الذي تلعبه الصين هو تأثيره السلبي المحتمل على الحوكمة الرشيدة والمساءلة في الدول التي تعمل فيها". وتابعت:"ليس لدي مشكلة في أن تكون أي دولة فاعلًا في مجال التنمية… فهذا أمر رائع، لكن الطريقة التي تقدم بها الصين مساعداتها يمكن أن يكون لها تأثير مفسد على آليات الحكم الجيد والمساءلة."

انخفاض القدرة التفاوضية للدول المتلقية للمساعدات

مع انسحاب (USAID)، من المرجح أن تنخفض القدرة التفاوضية للدول التي تعتمد على المساعدات الخارجية. فالمشروعات والبرامج التي كانت تستفيد من التنافس بين قوتين عظميين لتمويل مشاريعها، قد تجد نفسها الآن مضطرة للقبول بأي تمويل متاح دون خيار آخر.

وفي هذا السياق، أوضح الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، البروفيسور هوانغ يانغتشونغ، أن الصين لن تحتاج إلى زيادة كبيرة في تمويل مساعداتها الخارجية لتحل محل الولايات المتحدة كقوة رائدة في هذا المجال.

وقال: "لا يتعين على الصين أن تزيد تمويلها بشكل كبير لتحل محل الولايات المتحدة في قيادة قطاع المساعدات الخارجية. كما أن السردية التي تروج لها الصين بشأن التنمية الدولية، والتي تصورها على أنها قوة خيرية غير أنانية، تصبح أكثر إقناعًا مع غياب الدور الأميركي. وهذا بدوره يعزز قوتها الناعمة بسرعة".

فقدان الثقة في المساعدات الأميركية

رغم الآمال في إمكانية استعادة التمويل بعد 90 يومًا، فإن فقدان الثقة في المساعدات الأميركية أصبح واقعًا ملموسًا. حيث تساءلت تايلر عن مستقبل الاعتماد على الدعم الأميركي قائلة: "من الذي سيسمح لنفسه بأن يعتمد على المساعدات الأميركية إذا كانت متقلبة، ولا تميز بين الحلفاء والخصوم، ويمكن إيقافها فجأة بقرار سياسي عشوائي؟".

يأتي هذا الجدل في وقت تلقي فيه تداعيات تعليق عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بظلالها على المشهد التنموي العالمي، حيث تسارع الصين لملء الفراغ، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل خارطة النفوذ في العالم النامي.