21-فبراير-2017

وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر في مؤتمر صحفي بعد لقائهم بخصوص ليبيا (فتحي بيليد/أ.ف.ب/Getty)

أمضى وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر قبل يومين ما سُميّ "إعلان تونس الوزاري لدعم التّسوية الشّاملة في ليبيا"، وهذا الإعلان هو تتويج للقاءات مكثفة لوزراء خارجية دول الجوار الليبي طيلة الأسابيع الفارطة، ولكنه مجرّد بداية لحل سياسي لم يتبلور بعد للأزمة التي ضاق الجيران ذرعها خاصة لآثارها الأمنية والاقتصادية المُكلفة عليهم.

ما زالت دول الجوار الليبي في مرحلة جسّ النّبض في ظلّ عدم إعلان الأطراف الليبية الفاعلة "انخراطها في عملية التسوية

لم تكشف ورقة إعلان تونس الوزاري عن الآليات التي سيقع اعتمادها لتحقيق التسوية المنشودة بين الفرقاء الليبيين، ولم تتضمن خارطة طريق، فهي بالنهاية أرضية لالتزام دول الجوار بإسناد الحوار الليبي-الليبي الذي لم يقع بعد ضبط منهجيته وأطره.

اقرأ/ي أيضًا: العلم الليبي..صراع الشرعية بين الثورة وأعدائها

نصّت الورقة على 6 نقاط بعناوين فضفاضة من قبيل "السعي الحثيث لتحقيق المصالحة في ليبيا" والتمسّك بـ"الحل السياسي ورفض التدخل العسكري". وحرص الإعلان على استعمال ألفاظ حذرة، وهو الذي من المنتظر أن يمثل الأرضية الجامعة للحوار الليبي-الليبي. إذ ما زالت دول الجوار في مرحلة جسّ النّبض في ظلّ عدم إعلان الأطراف الليبية الفاعلة "انخراطها" في مجهودات دول الجوار والتي انطلقت بمبادرة من الرئيس التونسي نهاية السنة الفارطة.

وممّا يستلزم الملاحظة في الورقة هو التأكيد على "الحفاظ على وحدة الجيش الليبي"، والحال أن القوات العسكرية الناشطة ضمن مؤسسات الدولة في ليبيا لا تتبع قيادة عسكرية واحدة. حيث توجد قوات تسمّي نفسها "الجيش الليبي" بقيادة المشير حفتر في الشرق، وقوات أخرى تنشط تحت لواء المجلس الرئاسي، المعترف به دوليًا، بل كذلك توجد قوات تنشط تحت عنوان المؤتمر الوطني العام الذي تم نسخه نظريًا عبر المجلس الأعلى للدولة، ولكنه ما زال حيًا سياسيًا وميدانيًا حيث ترفض قيادته للآن الاعتراف بالمؤسسات الجديدة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات أي المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة.

وقد ربط الإعلان "الحفاظ على وحدة الجيش الليبي" ببنود "الاتفاق السياسي القائم" أي اتفاق الصخيرات المُبرم نهاية 2015 والذي لم يقع تطبيق خارطة طريقه ومنها تحديدًا منح مجلس النواب الثقة لحكومة المجلس الرئاسي. كما ظلّت قيادة "الجيش" في الشرق غير معترفة بالقيادة السياسية الجديدة في طرابلس. ويبدو أن مصر، التي تمثل الغطاء السياسي الإقليمي لحفتر، سعت للتشديد على فكرة وحدة الجيش الليبي، وهو ما يعني ضمنيًا اعتبار القوات العسكرية بقيادة حفتر في الشرق هي "الجيش الليبي"، وبالتالي على البقية الانضمام له.

هذا التوجه يرفضه قطعًا الفاعلون العسكريون والسياسيون في غرب ليبيا، سواء المؤيدون لحكومة الوفاق بقيادة السراج أو لحكومة الإنقاذ بقيادة الغويل، من منطلق اعتبار القوات التابعة لحفتر خارجة عن "شرعية الدولة" وذلك منذ إعلان "عملية الكرامة" سنة 2014. وبالتالي فـ"نواة الجيش الليبي'" هي في غرب البلاد لا شرقها.

كما أكد الإعلان، في المقابل وبصفة صريحة، بأن اتفاق الصخيرات هو المرجع للحل السياسي، وهو ما يعني مواصلة البناء على ورقة الصخيرات التي لم يرفضها سابقا حفتر فقط، بل قوى فاعلة في الغرب الليبي. فمؤخرًا، عادت حكومة الإنقاذ للواجهة بقوّة بمناسبة احتفالات الذكرى السادسة لثورة 17 فبراير، وقد قام رئيس الحكومة وقادة سياسيون وعسكريون مؤيدون له بافتتاح مطار طرابلس الدّولي. ليظلّ السؤال، هل ستسعى دول الجوار لإقحام هؤلاء الفاعلين في الحوار الليبي-الليبي أم أن هذا الحوار سينحصر عمليًا بين حكومة السراج وحكومة الشرق التي تنضوي ضمنها قوات حفتر؟

اقرأ/ي أيضًا: 3 مؤشرات تقرع طبول المعركة الكبرى في ليبيا

 ما هي آليات حل الأزمة السياسية؟

لم يتحدث الإعلان، الذي يمثل بالنهاية إعلام بتبني دول الجوار لحوار ليبي-ليبي لم يُعلن عنه بعد، عن آليات لحل الأزمة ولم يضبط خارطة طريق. فالإعلان هو صافرة البداية، حيث نصّ على أنه سيتم ضبط خارطة الطريق بعد التشاور مع الأطراف الليبية والأمم المتحدة. وأشار لعقد قمة بين رؤساء دول الجوار في الجزائر بعد تسريبات طيلة الأسابيع الفارطة بأنها ستتم في تونس ولكن يبدو أن الحالة الصحية للرئيس الجزائري بوتفليقة ما زالت تمنعه من السفر، ولذلك طلب الجزائريون أن ينعقد لقاء القمة بقصر المرادية.

ما زالت شحيحة المؤشرات الجديّة على قرب الوصول لحل للأزمة في ليبيا، بالتوازي مع صعود إدارة ترامب، والدخول القوي لروسيا من بوابة حفتر

وعلى الأرجح أن تتبنّى قمة الرؤساء المنتظرة خارطة طريق تفصيلية لحل الأزمة الليبية، وهي خارطة يمثل الوصول إليها تحديًا صعبًا لدول الجوار. ما هي آلياتها؟ هل سيقع تشكيل مجلس عسكري برئاسة حفتر ويتم تشكيل حكومة مصغرة بقيادة المصراتي أحمد معيتيق كما نقلت بعض المصادر الصحفية؟ كيف سيقع تشكيل جيش عسكري موحد بين الخصوم وما زالت حرب التصريحات النارية متواصلة؟ للإشارة، قبل أسبوع، رفض حفتر لقاء السراج في القاهرة، وهو ما يستلزم التساؤل حول جدية الأطراف الليبية في الوصول لحل للأزمة بصفة توافقية؟

يظل لقاء القمة بين السبسي وبوتفليقة والسيسي موقوفًا على قدرة وزارات الخارجية على الخروج بخارطة طريق توافقية بين الليبيين، وهو مسار قد يطول أسابيع وأشهر، إلا إذا استطاعت دول الجوار ممارسة أقصى درجات الضغط على الفاعلين الليبيين من أجل الوصول لخارطة طريق. في هذا الجانب، هل يمكن لمصر أن تفرض على حفتر الانخراط في حل توافقي وما يعنيه ذلك من تنازلات؟.. مؤخرًا، نقلت مصادر صحفية أن مصر طالبت الإمارات بكبح جماح حفتر الذي ما زال يرفض التوصل لحل سياسي مع خصومه في الغرب.

وفي الأثناء، لا يزال الحديث عن مشروع دستور البلاد الجاهز منذ نيسان/أبريل الفارط غائبا، وهو مشروع يستلزم قانونًا انتخابيًا وإعادة تشكيل لمفوضية الانتخابات قبل عرضه على الاستفتاء.

بالنهاية، ما زالت شحيحة المؤشرات الجديّة على قرب الوصول لحل للأزمة في ليبيا، بالتوازي مع صعود إدارة ترامب، والدخول القوي للدبّ الروسي من بوابة حفتر، ومع الاستعدادات لتعيين مبعوث جديد للأمم المتحدة، وما قد تحمله هذه المستجدات من تغيير لموازين القوى. بيد أن مبادرة دول الجوار قد لا تمثل إلا النواة الأولى لمشوار طويل بين الليبيين، لا يجب استعجال نتائجه على غرار ورقة الصخيرات التي أثبتت فشلها.

اقرأ/ي أيضًا: 

استقالة الكوني..تجديد لإعدام اتفاق الصخيرات