13-مايو-2017

الصورة الترويجية للفيلم

اسم الفيلم: Les Petit Chats
إخراج: شريف نخلة
المدة: 120 دقيقة
وثائقي – 2015

Les Petit Chats هي فرقة موسيقية تكوّنت في مصر آواخر الستينات واشتهرت في منتصف السبعينات ثم اختفت تمامًا عن الأضواء بتفرق شمل أعضائها في الثمانينات حتى عودتها مرة أخرى في حفل جمعهم في مطلع الألفية.

يتتبع الفيلم Les Petit Chats من خلال اللقاءات مع المؤسس "وجدي فرانسيس" والأعضاء "عزت أبو عوف"، "عمر خيرت"، بينو فارس، صادق قلليني وجورج لوكاس، الظروف التي تكوّن الفرقة بعد هزيمة 1967، رحلة الصعود للفرقة، خروج أعضاء وانضمام آخرين مثل عمر خورشيد وهاني شنودة و"طلعت زين، ووصولًا لإقامة حفل يجمعهم معًا لمرة أخيرة بعد أكثر من 40 عامًا على ظهورهم معًا للمرة الأولى.

يتتبع فيلم Les Petit Chats من خلال لقاءات مع مؤسس الفرقة "وجدي فرانسيس" والأعضاء ظروف تكوّن الفرقة بعد هزيمة 1967

أثناء مشاهدة فيلم Les Petit Chats أو "القطط الصغيرة"، يمكن تقسيمه بسهولة لمسارين رئيسيين: الفرقة ورحلة صعودها وحكايات أعضائها وذكرياتهم أولًا، وثانيًا الحقبة نفسها، الستينات والسبعينات في مصر، بحيث ينسج المُخرج منهما معًا سياق الفيلم من البداية للنهاية.

في المسار الأول، والأجمل، كان كل ظهور لأعضاء الفريق والحديث عن أنفسهم في هذه الفترة أو عن الفرقة وشغفهم بالموسيقى وحكاياتهم عن الجمهور والحفلات حميميًا وصادقًا صاحبة أغانيهم ومشاهد من بروفاتهم بعد سنوات من ابتعادهم عن العزف معًا (وهي أجمل مشاهد الفيلم)؛ هذا الجزء المُمتد وصولًا لانتظارهم أمام المسرح للصعود لحفل يجمعهم معًا بعد كل هذه السنوات كان الفيلم الحقيقي، صاحب هذا الفيلم أجزاء أخرى أقل صدقًا وحقيقية وجمالًا من المسار الثاني.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "المراسلة".. هاجس قديم يسيطر على جوزيبي تورناتوري

أجزاء تحاول نقل أجواء حُقبتيّ الستينات والسبعينات للجمهور بصورة أوسع وهو ما تحكَّم في الشكل النهائي للفيلم؛ الخروج به من حكاية فرقة موسيقية ورحلة صعودها واختفائها وحكايات أعضائها، المشاهير كلٌ على حده، ليكون حكاية أوسع تكون الفرقه فيه جزءًا من هذه الحقبة؛ أضاف هذا للفيلم لقاءات مع سمير صبري ومحمد سلماوي وآراء بعض جمهور الفرقة بالتوازي مع مشاهد من أفلام وإعلانات دعائية من نفس الفترة ولقطات أرشيفية لحربي 67 و73 يُصاحب المسارين في الخلفية نفس الإيقاع الموسيقِي الجميل لأجزاء من تسجيلات الفرقة.

حمَل المسار الأول القيمة الأكبر لفيلم Les Petit Chats كفيلم وثائقي، ألبومات الصور الخاصة لأعضاء الفرقة، تسجيل قديم لحفل جمعهم معًا أُقيم في العام 1971، اللقاءات مع الأعضاء في أماكنهم الخاصة والمشاهد الجميلة الطويلة لبروفات أعضاء الفريق معًا قبل الحفل، ضحكهم، دموعهم، وذكرياتهم وأحاديثهم العابرة التي قيلت بصدق وعبر تعايش طويل واضح للمخرج مع أعضاء الفريق، بالإضافة طبعًا للحفل الختامي الذي جمعهم. الصورة الطبيعية دون إضافات فنية زائدة أو الاهتمام بشكل جمالي للمشهد على حساب مضمونه؛ مشهد صادق يحمل قيمته فيما يعنيه ويقوله دون تكلف.

المسار الثاني، المُمتد أيضًا بطول الفيلم، كان نقطة الضعف الرئيسية فيه مقارنة بالمسار الأول وخصم هذا من رصيد الفيلم ككل بحيث كانت مداخلات محمد سلماوي (كمفكر وكاتب) وسمير صبري (كفنان) وآراء الجمهور في نهاية الحفل شيء زائد عن الحاجة، مداخلات سلبية لأنها مُتوقَعْة ومُبتذَلة من كثرة تكرارها: (كنا بنلبس براحتنا. محدش كان بيسأل مين مسلم ومين مسيحي. مصر اللي بنحبها. متقولش أيه ادتنا مصر) إلى آخره من رصيد الخطابة الذي يحمله الجيل الأسبق كدفاع جاهز أمام واقع اللحظة التي تتغير باستمرار دون مقدرتهم على تغييرها أو مجاراتها.

يمكن تقسيم فيلم les petit chats لمسارين: الفرقة ورحلة صعودها وحكايات أعضائها، وثانيًا الحُقبة نفسها، الستينيات والسبعينيات في  مصر

أما على مستوى الصورة، كما أرادها المخرج (يبدأ الفيلم بصورة ملونة لميدان رمسيس في السبعينات) فقد أخفق المُخرج في نقل أجواء الفترة باختياره استرجاع مصر الستينات والسبعينات عبر مشاهد مُقتطعة من أفلام سينمائية وإعلانات دعائية قديمة، وهو ما جعل هذا الجزء أقرب لفيديو هواة يحركه الحنين لمصر التي كان فيها "ميدان رمسيس فيه جنينة كبيرة ونضيف ومش زحمة والستات بيلبسوا قصير"! والذي يُمكن بمقارنته بأفلام "وثائقية" أخرى مثل (why Cairo was calm - 1982)، (الحب المؤود، عُمَر أميرالاي، 1982) أو القاهرة منورة بأهلها، يوسف شاهين، 1991) الذي تناول كل منهم موضوعات مختلفة وثقت فيها الصورة فترات زمنية أخرى من عُمر مصر عمومًا أو القاهرة خصوصًا ملاحظة الفارق الهائل على مستوى الصورة والإخفاق الكبير من جانب الفيلم في "توثيق" قاهرة السبعينات بحيث أصبحنا نُشاهد فيلمًا "وثائقيًا" يعرض مشاهد مُقتطعة من أفلام في السبعينات (لم يتم الإشارة لأنها كذلك في الفيلم) بالإضافة لصور لـرشدي أباظة وعبدالحليم حافظ ليعرض لنا القاهره في ذلك الزمن!

ما أفسد فيلم Les Petit Chats، فى رأيي، هو محاولة الخروج به من إطار حكاية الفرقة ورحلة صعودها واختفائها وذكريات أصحابها (عمر خيرت: كنا عايزين نلعب مزيكا. عايزين نعيش) لمحاولة الخروج الخائبة لإطار اجتماعي وثقافي أوسع (مداخلات "محمد سلماوي" و"سمير صبري" وضيوف الحفلة في نهاية الفيلم) وهو ما أجبرنا على التساؤل عن جدوى هذه المحاولة واكتشاف مدى هشاشتها مقارنةً بما قدمته وأظن أن الفيلم بدون هذه الأجزاء كان سيصبح أجمل وأكثر قيمة؛ رحلة صعود واختفاء فرقة موسيقية في السبعينات لمجموعة من أبناء الجيل جمعهم حب الموسيقى والغناء بدلًا من أسطوانة "مصر زمااان" و"الزمن الجميل" التي يتم الرجوع لها دائمًا رغم أن هذا الزمن لم يعد جميلًا إلا لأنه مضى أو لأنه مكان ذكرياتنا بغض النظر أكان جميلًا حقًا كما نستعيده أم لا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Embrace of the Serpent".. ّرحلة أسطورية من كتاب نبيّ منسي

هذه الحيلة النفسية للهروب من ضغط اللحظة بالعودة لنقطة ما في الذاكرة بعد تنقيتها من الشوائب والعناصر الدخيلة لتصبح نقيّة يمكننا العودة إليها بقلب مطمئن وادعاء أنها "الزمن الجميل" مقارنة بكل الأزمنة السيئة السابقة واللاحقة، حيلة أيضًا لإدعاء ميزة فات أوان اكتسابها ولا يمكن للأجيال اللاحقة إدعاءها لنشعر بالتميز (عزت أبو عوف: كنا جيل مخصوص) وبأننا كنا جيلًا مختلفًا ومميز عن الأجيال السابقة واللاحقة بحيث تُصبح التسعينات مثلًا، التي تُعتبر بالنسبة لأجيال أخرى زمنًا رديئًا مقارنة بماضٍ أسبق، أصبح بالنسبة لجيلنا ماضيًا جميلًا نستعيده بالصور ونجوم الفترة وملابسها والإعلانات والمسلسلات التي شاهدناها وقتها، ونقرر أنها كانت زمنًا جميلًا وأننا كنا جيلًا مميزًا مقارنةً بآخرين، وهو زعم يردده كل جيل في كل زمان ومكان ما يجعله ادعاءً سخيفًا وطفوليًا.

هذه العودة العاطفية للماضي في فيلم "وثائقي"، في السياق الأوسع للحكاية، دون البحث مثلًا عن أسباب ازدهار فرقة لا تُغنِّي بالعربية في هذه الفترة تحديدًا، علاقة صعودهم واختفائهم بصعود واختفاء الأسكندرية كمكان لطبقات اجتماعية بعينها في الصيف وانتقال هذه الطبقة، بحفلاتها، لأماكن أخرى في التسعينات وما بعدها ما استدعى نوعًا آخر من الفِرَق والنُجوم بالضرورة، مراجعة هذه الفترة المُرتبكة والمليئة بالتقلبات الاجتماعية العنيفة في تاريخ مصر أو حتى الإشارة إليها والتساؤل عن "لماذا لم يستمر هذا الزمن الجميل؟" جعلت من هذا الجزء من فيلم Les Petit Chats مبتذلًا وحذف من الرصيد الجميل للجزء الأول.

فهذا الحنين في فيلم Les Petit Chats حنين ضيق جدًا وصغير جدًا لمصر، مصر "الميريلاند" و"فندق فلسطين" و"مركب عمر الخيام" (المساحات التي تحركت فيها الفرقة) مصر عدد سكانها أربعة آلاف (رواد حفلات الفرقة في الصيف بأقصى تقدير) نتيجته ستكون "توثيق استشراقي" تظل مصر فيه – كما في الأفلام الروائية- هي مصر القاهرة، قاهرة وسط البلد ومصر الجديدة (ثلاثة شوارع تحديدًا وخمس بنايات على الأخص)، وإسكندرية البحر والحي اللاتيني وشارع فؤاد (جزء محدد من الكورنيش والنصف الأول من شارع فؤاد دون نصفه الآخر) نستقبله كتعريف لأنفسنا ولماضينا؛ كتوثيق لماضٍ لم نعشه لكنه وصلنا عبر آخرين كنا أسرى عيونهم الضيقة وأفكارهم الضيقة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان أيام القاهرة السينمائية.. عالم متكامل من السينما

باستثناء هذا الجانب الوثائقي الغائب في فيلم Les Petit Chats، أو المُضلل لو أردنا الحقيقة، لمصر الستينات والسبعينات، تبقى هناك تفصيلة أخرى هامشية بخصوص موضوع الفيلم؛ هي أن الفرقة لم يكن لها أغانيها الخاصة؛ فرقة لم تُغن بلغة البلد التي ظهرت فيها أبدًا وإنما خليطًا من الأغنيات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية الشهيرة لآخرين في بلاد أخرى، تفصيلة مناسبة جدًا للفترة التي صاحبت ظهور الفرقة وصعودها، ولرغبة شريحة ما من المجتمع في ملاقاة أمنياتها بشكل أسبوعي في باخرة نيلية أو شاطئ متوسطي في الانتساب لثقافة أخرى، ثقافة مختلطة، مزيج من هنا وهناك تكون مهدئًا رخيصًا لقلق طبقة تبحث لها عن هُوية بديلة، أو لتأكيد هذه الهُوية البديلة التي اختارتها لتكون خلفية لحفلٍ راقص سيكون بمثابة طقس أسبوعي لتأكيد الانتساب لهذه الطبقة/ الثقافة (ما تم استبداله لاحقًا بحفلات مارينا الصيفية وبعدها لأمكان أخرى تتغير كل عامين لتنتقل لمكان آخر).

فرقة Les Petit Chats لم يكن لها أغانيها؛ فرقة لم تُغن بلغة البلد التي ظهرت فيها، وإنما خليطًا من الأغنيات لآخرين في بلاد أخرى

هذه التفصيلة العابرة التي لم يتم الالتفات لها في فيلم Les Petit Chats رغم أن موضوعه هو شهرة الفرقه المُلفتة واستمرارها مقارنة بفرق أخرى ظهت واختفت سريعًا وقتها، يمكن أن نضع جوارها تفصيلة وجود فيلم وثائقي شهير للمخرج الألماني Vim Wenders رُشِّح في العام 2000 لجائزة الأوسكار لفئة أحسن فيلم وثائقي وفاز في نفس العام بجائزة أفضل فيلم وثائقي أوروبي بعنوان "Buena Vista Social Club" يحكي قصة تأسيس فرقة موسيقية شهيرة في "كوبا" والبحث عن أعضاء الفرقة وتسجيل لقاءات لهم وهم يتحدثون عن ذكرياتهم والعمل معهم في بروفات طويلة لتقديم حفل أخير يجمعهم معًا أمام الجمهور بعد سنوات طويلة من الغياب وكأن فيلم Les Petit Chats، كالفرقة تمامًا، مجرد صدى لأعمال أخرى أصيلة بلغات أخرى في بلاد أخرى، وهو وإن كان تقليدًا جيّدًا لعمل جميل، فإنه سيبقى، الفيلم والفرقة، تقليدًا لشيء أصيل في مكان آخر بعيد لا ننتمي إليه، أو بالأحرى لا تنتمي إليه الأغلبية الكاسحة منا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "طعم الإسمنت" أفضل وثائقي في مهرجان فيزيون دو رييل

وثائقي "العساكر".. هل يستحق كل هذا الضجيج؟