إعادة تعريف علاقة البطل الخارق مع المدينة في "Daredevil: Born Again"
7 مايو 2025
قبل أعوام، حاولت منصة البث الرقمي نتفليكس الاستثمار في عالم قصص مارفل المصوّرة، وقدّمت مجموعة جديدة من الشخصيات التي تنتمي إلى هذه القصص المتنوّعة. وجاء قرار نتفليكس موفقًا حين اختارت الابتعاد عن الأبطال والبطلات التقليديين الذين يشكّلون العمود الفقري لعالم الأكوان المتعددة، لتعيد من خلاله اكتشاف فئة مختلفة تُعرف بـ"أبطال وبطلات الشارع". وتمتاز هذه المجموعة بأن قواها الخارقة لا تقوم على قدرات خارقة للطبيعة، بل على فنون القتال، والمهارات الشخصية، والقدّرة على التحمل، وهو ما منحها طابعًا واقعيًا جعلها تحظى بجمهورها الخاص.
لكن عملاق البث الرقمي اصطدم بعد سنوات بتحوّل ملكية الأعمال التي أنتجها إلى المنصة المنافسة ديزني بلس، التي كانت ترصد تفاعل الجمهور مع هذه الأعمال. ونتيجة لذلك، استقر الخيار على تقديم نسخة جديدة من صديقنا المحامي مات موردوك/ديرديفيل (تشارلي كوكس)، في مسلسل "Daredevil: Born Again" (ديرديفيل: يولد من جديد) المتوفر على منصة ديزني بلس، والذي يبدأ من حيثُ انتهت قصة الموسم الثالث من مسلسل "Daredevil"، حيث يُنتخب زعيم الجريمة المنظمة ويلسون فيسك/بيغ بن (فنسنت دونوفريو) عمدةً لمدينة نيويورك.
شهدت شخصية ديرديفيل تحولات لافتة بعد انتهاء سلسلة نتفليكس، صحيح أنها غابت عن الشاشة الصغير لفترة ظنّ الجمهور أنها نهاية بطلنا الخارق، لكن ظهوره المتكرر في عالم مارفل للأكوان المتعددة منذ عام 2021، سمح للشخصية بالحفاظ على إرثها في هذا العالم الموازي. كانت البداية في الفيلم صاحب المليار دولار في شباك التذاكر العالمي "Spider-Man: No Way Home" (سبايدرمان: لا عودة للوطن)، حيث قدّم موردوك مشهدًا قصيرًا قوبل بترحيب واسع من الجمهور، وقد جاء بطابع ساخر ومفاجئ، كاختبار لتفاعل الجمهور مع الشخصية.
نجحت مارفل استديو في الموسم الأول لـ"Daredevil: Born Again" في الحفاظ على الجوانب الأصلية لشخصية ديرديفيل. لكنها في المقابل، قدّمت تحولًا هامًا على مستوى الرؤية البصرية
لاحقًا، ظهر ديرديفيل مجددًا في مسلسل "She-Hulk" (شي هالك)، لكن بروح أخف وشخصية كوميدية غير مألوفة، لدرجة دخوله في علاقة عاطفية عابرة للأكوان مع جينيفر والترز/شي هالك، وهو ما شكّل مفارقة حادة مع صورته التقليدية كبطل كئيب مهووس بالعدالة. إلا أن هذا التحوّل لم يؤثر على الشخصية الأصلية لديرديفيل، بدلًا من ذلك أظهر مرونتها وقدرتها على التنقل بسلاسة بين الأنماط السردية المتنوعة في عالم مارفل.
ثم جاء ظهور الشخصية في مشهد عابر في المسلسل المحدود "Echo" (إيكو) ليعيد مزيدًا من الجدية إلى الشخصية، حيث ظهر في سياق أكثر ارتباطًا بعالم الجريمة الذي ينتمي إليه، ومُرتبط بعدوه الأزلي بيغ بن. كل هذه الظهورات، وإن بدت قصيرة وعاجلة، أدّت وظيفة الحفاظ على ذاكرة الشخصية حيّة في أذهان الجمهور، وتجهيز الأرضية السردية لموسمه الجديد، حيث يعود موردوك إلى مركز الحكاية، في عالم لم يعد كما كان، ويُطلب منه أن يُعيد تعريف نفسه، لا كبطل خارق فقط، بل كرمز أخلاقي في مدينة باتت تستسلم تدريجيًا لسلطة فيسك.
يلجأ الموسم الجديد إلى التضحية بشخصيات محورية، مثل فوغي نيلسون (إيلدين هينسون) وكارين بيج (ديبورا آن وول)، لإعادة تشكيل السرد القائم على تصاعد العداء بين العمدة فيسك وديرديفيل، الذي يتخلى طوعًا عن قناع المقتص مراهِنًا على إمكانية تحقيق العدالة من داخل المنظومة القانونية. غير أن هذا الرهان ينهار سريعًا عند أول اختبار فعلي، بينما يستغل فيسك غياب خصمه لإعادة إحياء مشروع ميناء "ريد هوك" في بروكلين، المشروع ذاته الذي سبق أن دمّره ديرديفيل في المواسم السابقة.
يحاول فيسك إعادة طرح مشروع الميناء تحت غطاء جديد، مستغلًا وضعه القانوني كمنطقة حرة غير خاضعة للرقابة الجمركية، ومستفيدًا من سلطته كعمدة لتمرير الأجندة نفسها التي حاربها ديرديفيل سابقًا. لكن ما يجعل هذا الصراع أكثر توترًا هو أنه لم يعد مواجهة جسدية بين خصمين، بل نزاع على من يملك حق تعريف العدالة. وهكذا، لا يُختزل الصراع في ثنائية الخير والشر، بل يتحول إلى معركة على مستقبل المدينة بين من يسعى لحمايتها، وبين من يُعيد هندسة الفساد تحت مظلة القانون.
يشكّل غياب فوغي وكارين نقطة انطلاق رئيسية في تطور القصة، إذ يدفع موردوك إلى الدخول في مرحلة جديدة من حياته، أكثر انعزالًا وهشاشة. في هذا السياق، تنشأ علاقة عاطفية بينه وبين الطبيبة النفسية هيذر غلين (مارغريتا ليفايفا)، وهي علاقة من المتوقع أن تأخذ السرد إلى منحى مختلف في الموسم الثاني، خاصة مع التناغم في العلاقة بين غلين من طرف، وفيسك وزوجته فينيسيا (آيليت زورر) من طرف آخر.
في الجزء الجديد، تتعزز علاقة فيسك بفينيسيا لتتحول إلى شراكة متكاملة، تصل إلى حد التماهي في طموح السيطرة على مستقبل المدينة. في المقابل، يعيد ظهور فرانك كاستل/المُعاقب (جون بيرنثال) إحياء إرث هذه الشخصية المهمشة. تتقاطع شخصية المُعاقب مع ديرديفيل في جانبها المُظلم، لكن هذه المرة تتطور العلاقة بينهما نحو رغبة مشتركة في تحقيق العدالة بأيديهما، دون اللجوء إلى القانون، خاصة في ظل الحملة التي أطلقها فيسك ضد جميع المقتصين في نيويورك.
من بين الشخصيات الجديدة التي تنضم إلى هذا العالم المضطرب، تبرز شخصية بي بي يورك (جينيا والتون)، المؤثرة الصاعدة على منصات التواصل الاجتماعي، والتي تُعيد إلى الواجهة ماضي فيسك الدموي، بعد أن قتل عمها، الصحفي الاستقصائي بن يورك، في المواسم السابقة. تعكس بي بي في برنامجها "تقرير بي بي" آراء سكان نيويورك حول قضايا الفساد والجريمة والمقتصين، وما إلى ذلك من المواضيع التي تشغل الرأي العام، فيما يتمثل هدفها الخفي ببناء تحالفات تساعدها في إسقاط عمدة نيويورك الجديد.
إلى جانبها، يظهر دانييل بلاك (مايكل غاندولفيني)، الشاب المتمّلق الذي يطمح إلى الصعود في دوائر السلطة، والمعاونة الشخصية لفيسك، شيلا ريفيرا (زابرينا جيوفارا). يتضح تأثير هاتين الشخصيتين مع تشكيل فيسك فرقة خاصة للقضاء على المقتصين، بعد تصاعد التهديد الذي مثّله فنان الغرافيتي ميوز (هانتر دوهان)، وهو شاب مضطرب نفسيًا يستخدم الغرافيتي، الممزوج بدماء ضحاياه، كوسيلة للانتقام من فيسك. ورغم أن نهايته كانت سريعة، فإن ظهوره القصير سلّط الضوء على وحشية فيسك واستغلاله القانون لتحقيق أهدافه بأن يكون زعيم الجريمة المنظمة في المدينة.
يمكن إسقاط حضور فيسك في نيويورك على شخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إذ يتشابهان من حيث كونهما سياسيَين شعبويين قادمين من خارج المؤسسة الرسمية، ويتقاطعان في تبنّي فكرة "إعادة النظام" إلى الفضاء العام، وترسيخ مبدأ الولاء المطلق بين الموظفين. كلاهما يُتقن التلاعب بالقانون والنفوذ، وبينما يخوض فيسك حربًا ضد المقتصين، يُذكّرنا ترامب بحروبه ضد خصومه السياسيين، حيث يتحوّل الخطر من الخارج إلى الداخل، وتُختزل المدينة/الدولة في شخص الحاكم.
إذا كان الموسم الرابع من سلسلة برايم فيديو الناجحة "The Boys" (الرفاق) أنتهى بتحوّل هوملاندر (أنتوني ستار) إلى زعيم شعبوي يُمثّل سلطة الأمر الواقع في الولايات المتحدة، فإن الموسم الأول من "Daredevil: Born Again" ينتهي بكشف الجانب الأكثر ظلمة في شخصية فيسك، حيث يُسخّر أدوات القانون للسيطرة المُطلقة على المدينة. وبينما ينجح هوملاندر في الإيقاع بالرفاق عبر كمين مفاجئ، يبدو أن اعتقال المُعاقب على يد فرقة مكافحة المقتصين ليس سوى مقدمة تمهّد لتحوّل كبير في شخصيته خلال الموسم الثاني.
نجحت مارفل استديو في الموسم الأول لـ"Daredevil: Born Again" في الحفاظ على الجوانب الأصلية لشخصية ديرديفيل. لكنها في المقابل، قدّمت تحولًا هامًا على مستوى الرؤية البصرية وإيقاع مشاهد القتال التي كانت أكثر سرعة. وبالمثل، أدت الخلفية الموسيقية القوطية للأخوين نيوتن دورها في إبراز الصراعات والاضطرابات النفسية المتداخلة لدى جميع الشخصيات بشكل عام، ولدى موردوك/ديرديفيل في مواجهته المباشرة مع فيسك/بيغ بن بشكل خاص، ولا سيما في مشاهد القتال الخاصة بكل شخصية، والمصممة بإناقة تليق بمكانتهما كشخصيتين جديدتين تقدّمان إضافة لثنائية البطل/الخصم في مكتبة مارفل استديو التلفزيونية.