أعلن المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP) عن إطلاق مبادرة "غلوبال 195"، وهو تحالف قانوني عالمي يسعى إلى ملاحقة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بمن فيهم مواطنون إسرائيليون وأشخاص مزدوجو الجنسية خدموا في الجيش الإسرائيلي أو تولوا مناصب سياسية وعسكرية مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي.
وأكد القائمون على المبادرة أن الهدف الأساسي هو توظيف الآليات القانونية المحلية والدولية لضمان تحقيق العدالة ضد الأفراد المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم العسكرية أو السياسية.
يعتمد التحالف القانوني على مكتبة أدلة جنائية شاملة، جمعها المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، وفقًا للمعايير القانونية الجنائية الدولية
شبكة قانونية دولية لمحاسبة مجرمي الحرب
تهدف مبادرة "غلوبال 195"، إلى بناء شبكة قانونية عالمية تعمل على توظيف الآليات القانونية المحلية والدولية لملاحقة المتورطين في هذه الجرائم، بغض النظر عن أماكن وجودهم. وسيتم ذلك عبر تقديم طلبات لإصدار مذكرات توقيف دولية، ورفع دعاوى قضائية في مختلف الدول التي تتبنى قوانين الولاية القضائية العالمية. وقد شارك في المبادرة خبراء قانونيين من ماليزيا، تركيا، النرويج، كندا، البوسنة والمملكة المتحدة.
🎥الإفلات من العقاب لم يعد خيارًا.. جنديان إسرائيليان يقطعان إجازتهما في #هولندا. pic.twitter.com/3RsNL2xaKI
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 20, 2025
ويشمل نطاق عمل التحالف ملاحقة أفراد الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى المسؤولين السياسيين والعسكريين الذين يتحملون مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أدلة جنائية تدعم الملاحقات القضائية
يعتمد التحالف القانوني على مكتبة أدلة جنائية شاملة، جمعها المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، وفقًا للمعايير القانونية الجنائية الدولية. وتضم هذه الأدلة شهادات وتحقيقات ميدانية توثق الانتهاكات التي ارتُكبت في غزة. وتشمل الأدلة 135 شهادة مباشرة لشهود عيان، مدعومة بتحليل مصادر مفتوحة (OSINT)، بالإضافة إلى تقارير ميدانية تغطي مختلف مناطق القطاع، حيث تم توثيق 16% من الحالات في شمال غزة، و20% في غزة، و21% في دير البلح، و15% في خان يونس، و28% في رفح.
كما كشفت التحقيقات عن نمط انتهاكات منهجية، من بينها القصف العشوائي وغير المتناسب على المدنيين، والاستهداف الممنهج للبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك المستشفيات والمرافق العامة، فضلًا عن شن ضربات مكثفة على مناطق صُنّفت سابقًا كمناطق آمنة، مثل مخيمات اللاجئين.
وضمن سياسات الحرب، وثّقت الأدلة استخدام سياسة التجويع كأداة ضغط عسكري، وفرض عمليات تهجير جماعي قسري، ما يرقى إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
فجوة العدالة الدولية وضرورة التحرك القانوني
يرى التحالف أن هناك فجوة قانونية خطيرة بسبب تقاعس المؤسسات الدولية عن ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الفلسطينيين، فضلًا عن فشل القوى الأمنية في بعض الدول في تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ولضمان مصداقية الأدلة وقابليتها للاستخدام في المحاكم، أشار التحالف إلى أنه يعمل بالتعاون مع محققين سابقين في شرطة لندن (Metropolitan Police)، لضمان استيفاء معايير الأدلة الجنائية المطلوبة في المحاكم الدولية.
أدى نشاط مؤسسة "هند رجب" إلى أزمات متكررة للجنود حيث أفاد البعض بتلقي مكالمات عاجلة من القنصليات الإسرائيلية تطالبهم بمغادرة الدول التي يقضون فيها إجازاتهم لتجنب الاعتقال.
اقرأ أكثر: https://t.co/ueuj71itSF pic.twitter.com/hNqx2Q2RcF— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 15, 2025
وفي مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة البريطانية لندن، قال مدير المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، الطيب علي: "لقد سمح تعطيل المؤسسات القانونية الدولية وتخاذل القوى الأمنية الوطنية ببقاء مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين دون محاسبة. القانون الدولي يفرض على الدول التزامًا واضحًا بملاحقة مجرمي الحرب، لكن هذه الالتزامات تم تجاهلها بشكل منهجي. إطلاق غلوبال 195 يمثل تدخلًا قانونيًا ضروريًا لسد هذه الفجوة وضمان محاسبة المسؤولين".
وأضاف: "التحالف سيستخدم القوانين المحلية في عدة دول لضمان عدم إفلات المتورطين من العدالة، وتابع: "الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية الجسيمة لم يعد خيارًا قانونيًا مستدامًا. الدول ملزمة بالتصرف، وإذا فشلت، فإن المجتمع المدني يجب أن يتحرك لضمان تحقيق العدالة".
تعاون قانوني عالمي
شهد المؤتمر الصحفي مشاركة نخبة من القانونيين الدوليين من البوسنة وكندا وماليزيا والنرويج وتركيا، والذين أعلنوا عن انضمامهم إلى التحالف، مؤكدين التزامهم بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا السياق، قال رئيس فرع المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين في كندا، شين مارتينيز، إن هناك مجموعة من المحامين الكنديين يعملون على ملاحقة المواطنين الكنديين الذين انضموا إلى الجيش الإسرائيلي، أو الذين يموّلون العمليات العسكرية الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر.
دعم قانوني دولي واتساع نطاق الملاحقات
أعلن نائب رئيس جمعية المحامين الدوليين (WOLAS)، حسين ديشلي، عن التزام الجمعية بالدفاع عن حقوق الفلسطينيين في الحرية والعدالة والعودة الآمنة، مع التأكيد على حقهم في مقاومة الجرائم الموصوفة بالإبادة الجماعية والفصل العنصري وجرائم الحرب.
أما التحالف النرويجي لدفاع القانون الدولي (Defend International Law)، فقد أكد في بيان مشترك مع فرع المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين في النرويج، على أهمية محاربة الإفلات من العقاب بغض النظر عن جنسية الجناة أو الضحايا، داعيًا إلى تحقيقات مستقلة ومحايدة في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين.
من جهتها، رحّبت مقررة الأمم المتحدة لشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، بإطلاق مبادرة "غلوبال 195"، وكتبت على صفحتها في منصة "إكس": "أرحّب بشدّة بمبادرة غلوبال 195، فتحقيق العدالة لفلسطين يبدأ من كل دولة، وسيمتد ليشمل أي مكان تستدعيه الحاجة".
دعوة للحكومة الماليزية
في ماليزيا، أكد المحامي أوانج أرماجايا بن أوانج محمود، بعد مراجعة الأدلة التي جمعها التحالف، أن هناك جرائم حرب موثقة تستوجب اتخاذ إجراءات قانونية حازمة.
مؤسسة "هند رجب" أكدت أن ساعر دعم علنًا تقليص مساحة غزة والحصار الشامل عليها، ما تسبب في قيود حادة على الغذاء والماء والإمدادات الطبية.
اقرأ أكثر: https://t.co/MvJ6332dnH pic.twitter.com/bzMeQa6sKh— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 17, 2025
وفي هذا السياق، أعلن عن دعوة الحكومة الماليزية لتعزيز التنسيق القانوني والدبلوماسي بين الدول الأعضاء في التحالف لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، وفرض قيود على دخول المشتبه بهم إلى أراضي الدول المشاركة، بالإضافة إلى تجميد أصول الأفراد المتورطين في جرائم الحرب، والنظر في فرض عقوبات مالية عليهم.
كما حثّ المحامين الماليزيين على الانضمام إلى مبادرة "محامون ماليزيون من أجل فلسطين"، التي تسعى للحصول على اعتراف رسمي لدعم القضية الفلسطينية من الناحية القانونية.
مبادرات قانونية أخرى لمحاسبة إسرائيل
يعد هذا التحالف أحد الجهود القانونية العديدة التي برزت منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2023. فقد سبق لـمؤسسة "هند رجب"، التي يرأسها الناشط الحقوقي دياب أبو جهجه، أن رفعت دعاوى قضائية ضد جنود إسرائيليين مشتبه في ارتكابهم جرائم حرب. وكشفت المؤسسة عن جمعها أكثر من 8 ألاف دليل على الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال، تشمل مقاطع فيديو وصورًا تم توثيقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
يُذكر أن المؤسسة سُمّيت باسم الطفلة هند رجب، التي قُتلت برصاص جيش الاحتلال في 29 كانون الثاني/يناير 2024، بمدينة غزة. وأثارت حادثة استهدافها غضبًا عالميًا، بعد أن تعرّضت سيارتها لوابل من 335 رصاصة بينما كانت تحاول الفرار مع عائلتها من شمال غزة.
نحو المساءلة
يأتي تشكيل مبادرة "غلوبال 195" كخطوة نوعية في مجال ملاحقة جرائم الحرب، في ظل تعطيل المؤسسات الدولية التقليدية عن أداء دورها. ويهدف هذا التحالف إلى إحداث تغيير حقيقي في تطبيق القانون الدولي عبر استغلال آليات العدالة المحلية في مختلف البلدان.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي واستهداف المدنيين في غزة، تبقى المبادرات القانونية المستقلة أداة أساسية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة، وضمان أن لا أحد فوق القانون.