23-ديسمبر-2018

تحوم شبهات فساد متجذر حول كثرة تغيير المناهج الدراسية في العراق (الغد برس)

مع نشأة الإنسان على الأرض، كان كل ما يمر به درسًا؛ دروس في البقاء والاكتفاء والتكاثر. حتى تعلم الإنسان طرقًا لتداول هذه الدروس مع أقرانه، ليأخذ التعليم في حياته منزلة جديدة، تستخدم الحكايات والأناشيد والقصائد والملاحم كطريقة للحفظ والتلقين.

انقلب واقع التعليم في العراق تمامًا، واشتعلت الأزمات المتمثلة في الإكثار من تغيير المناهج وعدم صلاحية النسخة الأخيرة منها لطلبة الابتدائية

ويعتقد مؤرخون أن بدايات التعليم الإنساني كانت في العراق والهند، من خلال التلاوة الشفوية، أما بعد نشوء الكتابة فاحتضنت اليونان أول الأشكال الرسمية للمدارس بمسمى الأكاديميات.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في العراق.. المحاصصة في التعليم الابتدائي أيضًا!

بعد عدة آلاف من السنين، صارت بغداد العباسية، قبلة رئيسية للعلوم، تستقطب الطلبة من جميع أنحاء العالم في المدرسة المستنصرية. ثم نشأ نظام التعليم في الدولة العراقية الحديثة عام 1921، قبل أن تتأسس العديد من دول المنطقة الآن، لتصل جودته إلى أعلى درجات ذروتها بين العقدين السابع والثامن من القرن الماضي، حيث انخفضت نسبة الأمية في الأعمار بين 15 و45 إلى ما دون 10%، متفوقة بذلك على الكثير من دول المنطقة. وقد نص الدستور العراقي لعام 1970، على أن "الدولة تضمن حق التعليم المجاني في جميع المستويات: الابتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي، لجميع المواطنين".

لكن هذه الصورة عن واقع التعليم في العراق، انقلبت تمامًا، لتشتعل مؤخرًا أزمة تتمثل في الإكثار من تغيير المناهج، وعدم صلاحية النسخة الأخيرة منها لطلبة الدراسة الابتدائية.

وانتشرت الشكاوى بخصوص صعوبة المناهج لطلبة الدراسة الابتدائية، ما دفع الإعلام العراقي إلى تسليط الضوء على الأمر. ليفجر رئيس قسم العلوم الصرفة في مديرية المناهج العامة بوزارة التربية العراقية، أمير عبد المجيد، جدلاً كبيرًا بعد فشله في إحد اللقاءات التلفزيونية في حل مسألة رياضيات موجودة في منهج الصف الثاني الابتدائي.

وكان فشل عبد المجيد في حل المسألة يؤشر إلى جانبين في هذه القضية: الأول أن طالبًا يبلغ من العمر سبع سنوات مطلوب منه أن يحل مسألة يعجز المسؤول الذي وضعها في منهجه الدراسي عن حلها، والثاني أن رئيس قسم العلوم الصرفة والحامل لشهادة الدكتوراه، قد فشل في حل المسألة، التي رغم صعوبتها الشديدة لطلبة الابتدائية إلا أنها ليست معقدة على الإطلاق لمن يحمل درجته العلمية ويكون في منصبه.

وكانت هذه الحادثة القشة التي قصمت ظهر البعير، فأعلن طلاب المدارس إضرابًا عن الدوام، احتجاجًا على صعوبة المناهج الدراسية، وعدم تدريب المعلمين على المناهج الجديدة ليستطيعوا تدريسها للطلاب.

وهددت تنسيقية الإضراب بالاعتصام بعد إمهالها وزارة التربية مدة 15 يومًا لتعديل المناهج، والتوقف عن تغييرها سنويًا، بحسب بيان لها.

وقال منسق الإضراب ذو الفقار حسين في تصريحات صحفية، إن "المؤشرات الأولية للإضراب في يومه الأول تعتبر ايجابية، حيث هناك مدارس تخلو من طلبة وأخرى فيها تواجد بسيط".

ويتحدث محمد جبار والد تلميذ الابتدائية مصطفى، لـ"ألترا صوت"، عن معاناة ابنه مع مادتي اللغة الإنجليزية والرياضيات، قائلاً إن "ابني بعقله الطفولي يتساءل: لماذا المنهج صعب لهذه الدرجة؟ أنا كأب أعتقد أن أسلوب الوزارة في إنتاج المعرفة، هو أسلوب تافه وغير مجدٍ، خاصة مع وجود معلمين تقليديين لا يمكنهم التعامل مع مناهج معقدة".

وأضاف جبّار: "المعلم يحاول قضاء الواجب بإكمال الدرس، ومن ثم المنهج في نهاية العام، ولا يبحث عن الفهم لدى الطلبة"، معتبرًا أن "هؤلاء المعلمين يبحثون عن طلبة حفظة للدروس، لا يفهمونها. لا يمكن أن يتطور فهم الطلبة للقواعد الأساسية العلمية خلال المرحلة الابتدائية عن طريق الحفظ، كما لا يمكن لقدراتهم العقلية والعلمية أن تتطور".

ويشير جبار، إلى أن "تغيير المناهج يقطع سلسلة الانتقال التدريجي بتعقيد المناهج من حيث الصعوبة، ويخلق قفزات لدى الطلبة تربك مسارهم التعليمي، وتنفرهم من الدراسة".

وعن شبهات الفساد بهذا الخصوص، يقول أبو مصطفى "سمعت في مواقع التواصل الاجتماعي أن تغيير المناهج مرتبط بصفقات فساد في وزارة التربية والتعليم، وهذا ليس بالأمر الجديد أو المستغرب في العراق. الجميع يساهم بسرقتنا، ويبني ثرواته على أكتافنا".

وأثارت قضية استبدال المناهج بشكل سنوي جدلًا كبيرًا، حول الجدوى من هذا التصرف المكلف للوزارة والمؤثر بالسلب على الحركة التعليمية في البلاد. وتتهم العديد من المصادر وزارة التربية بإمضائها عقودًا مع شركة طباعة يمتلكها النائب مثنى السامرائي، والذي يملك نفوذًا كبيرًا داخل الوزارة.

ويشير الإعلامي مصطفى ناصر في منشور له على فيسبوك، إلى ذلك الأمر، بقوله إن "الشركة المستحوذة على النسبة الأكبر من طباعة الكتب المدرسية تابعة لمثنى السامرائي، وبالاتفاق مع الوزارة ولجنة المناهج الدراسية ومفاصلها والدولة العميقة، تتغير المناهج باستمرار، ثم يؤجج الراي العام ضدها، لتُعاد طباعة الكتب من جديد بمنهج معتدل"، مرفقًا مع حديثه وثيقة مسربة من وزارة التربية بهذا الخصوص.

وألحق ناصر بالمنشور وثيقة قال إنها "تؤكد أن اللجنة أحالت 42 كتابًا فقط إلى الشركة العامة للمستلزمات التربوية من أصل 67 كتابًا طبعت في عام واحد"، لافتًا إلى أن "هناك 25 كتابًا بكلفة 35 مليار دينار أحيل معظمها إلى شركة السامرائي".

وفي منشور آخر، قال ناصر إن مرشحة وزارة التربية صبا الطائي "جاءت بضغط من مثنى السامرائي المهيمن على مقاولات طبع المناهج في الوزارة"، مضيفًا: "إسقاط الطائي من التربية غير كافٍ للقضاء على الدولة المثنائية العميقة في الوزارة".

تدور شبهات فساد متجذر في وزارة التربية، حول كثرة تغيير المناهج الدراسية، ويشار إلى دور النائب مثنى السامرائي في هذا الأمر

 

 

ويرى الناس أن في هذا الإضراب فرصة للنهوض بالنظام التربوي بشكل كامل، والذي يصفه الكثير من التدريسيين بـ"القديم والمتخلف"، متأملين أن يصبح النظام التعليمي في العراق أكثر مرونة وانفتاحًا لا سيما مع طلبة المرحلة الابتدائية، مما يؤهلهم علميًا ونفسيًا للمراحل الدراسية التالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجامعات العراقية بين الإهمال والوزراء المسيسين

الدروس الخصوصية في العراق.. مدارس موازية