17-ديسمبر-2022
احتجاجات جنوب الأردن

من إضراب حافلات النقل العام في الأردن (Getty)

يشهد الأردن، وتحديدًا المناطق الجنوبية منه، إضرابًا لقطاع النقل والشاحنات وغيرها منذ 3 كانون أول/ ديسمبر الجاري. وانطلق الإضراب من مدينة معان ليشمل لاحقًا المدن الأخرى الأردنية بشكلٍ متفاوت من ناحية الاستمرارية والاتساع والالتزام. لكن معان نفسها، شهدت يوم الخميس، ذروة الإضراب بعدما اتسع ووصل إلى المحلات التجارية، وخلال ليل الخميس، قتل نائب مدير شرطة محافظة معان وأصيب 49 رجل أمن أثناء الاحتجاجات في المدينة.

يشهد الأردن، وتحديدًا المناطق الجنوبية منه، إضرابًا لقطاع النقل والشاحنات وغيرها منذ 3 كانون أول/ ديسمبر الجاري

لماذا الإضراب في الأردن؟

انطلق الإضراب نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، وبالأخص السولار الذي تعمل عليه معظم مركبات النقل والشاحنات، وجاءت مطالب السائقين بالتراجع عن رفع أسعار المحروقات الذي أقرته الحكومة مؤخرًا. وامتدت المطالبات للحديث عن رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة لا تقل عن 40% وربط ارتفاع وتخفيض سعر المحروقات بالأجور بشكلٍ مستمر. وتوسع الإضراب ليشمل صهاريج نقل المياه ومركبات الأجرة.

تأثير الإضراب الأبرز، كان في ميناء العقبة، الذي يعد المنفذ البحري الوحيد للأردن، والذي تستقبل من خلاله البضائع والاحتياجات غير المتوفرة في الأردن، بالإضافة إلى تصدير البضائع الأردنية وأخرى عربية من خلاله. وجاء التأثير الكبير نتيجة رفض سائقي الشاحنات نقل البضائع من الميناء وتنفيذ عدة اعتصامات في محيطه.

getty

وكانت لجنة تسعير المشتقات النفطية الأردنية، قد أعلنت عن زيادة أسعار الوقود في الأردن مطلع الشهر الجاري لأول مرة منذ 4 أشهر، وهي الزيادة رقم 16 خلال عامين. ويتضرر من القرار عموم المواطنين في الأردن، نظرًا لأنه يأتي ضمن ظروف اقتصادية صعبة، كما تأتي في فصل الشتاء الذي تزداد فيه الحاجة لوسائل التدفئة. لكن الاحتجاج الجماعي من قبل سائقي الشاحنات تحديدًا، جاء لكونه من القطاعات الأكبر التي تعتمد على المحروقات بشكلٍ جماعي، حيث يتواجد أكثر من 20 ألف شاحنة في الأردن، بالإضافة إلى قطاع النقل الواسع.

ما هو موقف الحكومة؟

الحكومة الأردنية رفضت التجاوب مع مطالب المحتجين، وجاء ذلك على لسان رئيس الوزراء بشر الخصاونة، الذي قال إنّ "خزينة الدولة لا تمتلك ترف أن تدعم المحروقات، وسنعكس السعر العالمي لأسعار المشتقات النفطية صعودًا وهبوطًا". 

ورفض رئيس الوزراء دعم المحروقات باعتبار أن الدعم يرفع مديونية الحكومة ويزيد من عجز الموازنة، مشيرًا إلى أن الحكومة تستدين ملياري دينار أردني لتغطية النفقات. وجاء حديث الخصاونة هذا خلال جلسة لمجلس النواب عقدت يوم 6 كانون أول/ ديسمبر الجاري، وانتقد خلالها النواب الحكومة، خاصةً أن هذه الارتفاعات تأتي في فصل الشتاء. وتحدث النواب في حينها عن أن الحكومة تجني مليار و200 مليون دينار سنويًا من الضريبة الثابتة على المشتقات النفطية. فيما تصاعدت احتجاجات مجلس النواب على الحكومة، وفي 12 كانون أول/ ديسمبر، طالب 17 نائبًا في مجلس النواب بحجب الثقة عن الحكومة. ويشار إلى أن حركة احتجاج النواب لم تكن واسعةً.

هل هناك حلول؟

في محاولةٍ منها لحل الأزمة، أعلنت هيئة تنظيم قطاع النقل البري عن توصلها لاتفاق مع النقابة العامة لأصحاب الحافلات الأردنية والنقابة العامة لأصحاب المركبات العمومية ومركبات الأجرة عن استمرار وزيادة تقديم الدعم النقدي لكافة أنماط نقل الركاب في المملكة ضمن اختصاص الهيئة. وتم الاتفاق على وقف الإضراب، مقابل زيادة الدعم النقدي لمدة ثلاثة أشهر يتم مراجعتها وتجديدها دوريًا.

ولم يوافق سائقو المركبات على هذا الاتفاق، وأعلنوا استمرار الإضراب، وهذا ما حصل لاحقًا، رغم حديث عدة مصادر حكومية عن أن هناك بعض سائقي الشاحنات توقفوا عن الإضراب وعادوا إلى العمل.

getty

بالإضافة إلى ما سبق قامت الحكومة الأردنية بثبيت سعر الكاز خلال الشهر الحالي. وأعلنت قبل يومين عن زيادة أجور شحن الحاويات بمبلغ يصل لـ52 دينارًا لتصبح 500 دينار على طريق عمّان- العقبة، والاستمرار بدعم بعض السلع الأساسية بمبلغ 390 مليون دولار خلال عام 2023، وصرف دعم للمحروقات من صندوق المعونة الوطنية للأسر الفقيرة والمحتاجة للشهر الحالي، وإيقاف خصم أقساط القروض من البنوك الأردنية لهذا الشهر، وتلبية مطالب قطاع النقل العام بتقديم دعم مالي بواقع 8.4 مليون دولار، خلال الأشهر الأولى الثلاث من عام 2023، وغيرها من القرارات، التي لم تساهم في تراجع موجة الاحتجاجات، مظهرةً أن الحراك والاحتجاجات الحالية في الأردن أعقد من أن تحل في قرارات سريعة وآنية، وأن هناك أزمةً اقتصادية عميقة يواجهها الاقتصاد الأردني، تحتاج إلى معالجة جذرية.

وفي السياق نفسه، ظهر في مشروع الموازنة الأردنية للعام القادم، نية الحكومة اقتراض 12.4 مليار دولار، من أجل تغطية قروض داخلية وخارجية وعجز في الموازنة. 

خريطة الاحتجاجات

كانت محافظة معان جنوب الأردن، مهد الإضراب الحالي، الذي يستمر منذ حوالي 14 يومًا، وخلال الأيام الأخيرة شهدت إضرابًا للمحلات التجارية، تضامنًا مع سائقي الشاحنات. بالإضافة إلى محافظة الطفلية التي استمر فيها إضراب وسائل النقل العام، إلى جانب إضراب تجاري جزئي. كما شهدت محافظة مادبا احتجاجًا على رفع أسعار المحروقات، وحدثت فيها أول حوادث التصادم بين قوات الدرك الأردنية والمحتجين. كما انتشرت مقاطع مصورة لاحتجاجات في مدينة إربد.

كما شهدت محافظات أردنية أخرى احتجاجات وإضرابات متفرقة وجزئية لسائقي مركبات الأجرة، وعادت حافلات النقل المتوسطة للعمل بعد رفع الأجور بنسبة تصل إلى 10% على العديد من خطوط النقل في عمّان والمحافظات الأخرى. 

كما توقف العمل في ميناء العقبة في معظم الأيام الماضية نتيجة تراكم البضائع على رصيف الميناء نتيجة عدم عمل سائقي الشاحنات على تفريغ الميناء. بالإضافة إلى إضرابات في منطقة الكرك. فيما قامت بعض الجامعات في جنوب الأردن بتحويل التعليم الجامعي "للتعليم عن بعد". كما تراجعت نسب الحجوزات الفندقية في فنادق منطقة العقبة والبترا، نتيجة إضراب قطاع النقل العام، وفي السياق نفسه، منعت السفارة الأمريكية موظفيها من الوصول إلى مناطق جنوب الأردن، وتحديدًا محافظات الكرك والطفيلة ومعان والعقبة، نتيجة الاحتجاجات فيها.

ماذا حصل في معان؟

قالت المصادر الرسمية الأردنية إن هناك "أحداث شغب" اندلعت في محافظة معان في منطقة الحسينية، وخلال عمل القوات الأمنية هناك تعرضت لإطلاق نار، مما أدى إلى مقتل نائب مدير شرطة محافظة معان العقيد عبد الرزاق عبد الحافظ الدلابيح وإصابة 49 عنصرًا آخرين. وبحسب مقاطع متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت معان وعدة مدن أردنية احتجاجات واسعة، تخللها إغلاق طرق واشتباكات مع الأجهزة الأمنية.

getty

في الوقت نفسه، تحدث نشطاء في الأردن عن توقف منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" عن العمل، وهو ما أكدت عليه وحدة الجرائم الإلكترونية الأردنية، التي قالت إنها تواصلت مع التطبيق الذي لم يتجاوب معها "ولا يتعامل مع إساءة استخدام المنصة"، بحسب قولها. كما أشارت إلى أنها تعمل على مراقبة ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أجل ملاحقة خطاب الكراهية ودعوات التخريب، على حدّ قولها.

وقد شارك ملك الأردن عبد الله الثاني، في عزاء العقيد الدلابيح، وتحدث عن الظروف الاقتصادية الصعبة، مشيرًا إلى الحق في الاحتجاج السلمي، ومؤكدًا على أنه سيتم التعامل بحزم مع "من يرفع السلاح في وجه الدولة".

أما وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، فقد أعلن في مؤتمر صحفي يوم أمس الجمعة، إن الأجهزة الأمنية ستتخذ "خطوات صارمة"، من بينها نشر المزيد من قوّات مكافحة الشغب في أماكن التوتّر والاحتجاجات،  وذلك في أول تعليق للوزير بعد مقتل الضابط الدلابيح. 

واقع سياسي متوتر

ويشهد الأردن مستويات عالية من التوتر السياسي خلال السنوات الأخيرة، خاصةً مع ارتفاع أعداد الأشخاص الموقوفين إداريًا. وكان آخر الاعتقالات السياسية، قبل أيام، حيث اعتقل الأمن الأردني عدة نشطاء سياسيين من بينهم الناشط السياسي البارز سفيان التل (86 عامًا)، ومجموعة أخرى كانت برفقته.

وفي 5 كانون أول/ ديسمبر من الشهر الجاري، منع الأمن الأردني وقفةً احتجاجيةً لنقابة المعلمين، واعتقل 40 معلمًا خلال توجههم إليها. وذلك على خلفية احتجاجهم على قرار الحكومة الأردنية، بإيقاف معلمين عن العمل أو إحالة عدد منهم إلى التقاعد المبكر. وتشهد العلاقة بين الحكومة ونقابة المعلمين نزاعات متواصلة منذ أيلول/سبتمبر 2019، حيث سعت الأولى إلى حّل النقابة ومنع نشاطها ومعاقبة المضربين.