31-يوليو-2017

امرأة مصرية تصنع العيش (Getty)

تضاربت آراء المختصين والمواطنين حول الدراسة التي أعدتها الإدارة العامة للدراسات وبحوث التكاليف بوزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، التي اقترحت خفض نصيب الفرد من الخبز المدعم من 5 إلى 4 أرغفة مقابل مضاعفة نقاط الخبز بنسبة 100%، عن طريق صرف سلع بقيمة 20 قرشًا عن كل رغيف لا يتم استهلاكه بدلًا من 10 قروش، بحسب المعمول به حاليًا منذ بدء العمل بمنظومة لتوزيع الخبز بالبطاقات الذكية في نيسان/أبريل 2014.

أشارت الدراسة أن أقصى استهلاك للفرد من الخبز في مصر يوميًا لا يتعدَى3.8 أرغفة

وتوصي الدراسة بضرورة توجيه قيمة النقاط الجديدة، بعد مضاعفتها، لصرف سلع غذائية، من بينها الأرز والمكرونة باعتبارهما بديلين للخبز يمكن الاعتماد عليهما في تغيير النمط الاستهلاكي الحالي.

وأشارت الدراسة إلى أن أقصى استهلاك للفرد من الخبز يوميًا لا يتعدَى 3.8 أرغفة، من واقع البيانات الرقمية الصادرة عن شركات تشغيل الكروت الذكية، التي يستخدمها 81 مليون مواطن في صرف حصتهم من الخبز المدعم، وهو ما دفع الوزارة إلى اقتراح خفض حصة الفرد من الخبز المدعم بهدف القضاء على الفساد والهدر في الدقيق مع توفير القمح المحلي والحدّ من الاستيراد الأجنبي.

المسؤولون الرسميون لم يتوانوا عن الإشادة بالمقترحات الوزارية ودورها في توفير ملايين الجنيهات شهريًا وترشيد استهلاك الخبز وتخفيف العبء عن وزارة التموين وعلى الدولة التي تستورد كميات كبيرة من القمح.

اقرأ/ي أيضًا: قريبًا بأمر البرلمان المصري.. الدعم مقابل تنظيم النسل

حيث صرّح هشام كامل، وكيل أول وزارة التموين بالجيزة، بأن تنفيذ المقترحات خطوة في الاتجاه الصحيح، "لأنه مبني على دراسة حقيقية لاستهلاك الفرد للخبز يوميًا، ويعمل على الترشيد من استهلاك الخبز".

وأشار هشام كامل إلى أن وزير التموين علي المصيلحي يعمل حاليًا على "إصلاح التشوهات التي حدثت لمنظومة الخبز خلال فترة تولي خالد حنفي للوزارة"، خاصة بعد الانتهاء من تنقية البطاقات التموينية وسحب الكروت الذهبية من أصحاب المخابز، والتي اعتبرها "بابًا خلفيًا لتهريب وسرقة الدقيق المدعم".

واتفق مع الرأي السابق، نقيب بدَّالي التموين وليد الشيخ الذي يرى في المقترح نفعًا مزدوجًا سيعود على الوزارة والمواطنين معًا: "إذ يفوز مستحقو الدعم بزيادة البدل من 10 إلى 20 قرشًا على كل رغيف يستغنى عنه، أما الوزارة فستتمكن من تقليل استهلاك المواطن للخبز، وتخفيض قيمة الدعم الذى تدفعه الدولة".

في السياق ذاته، رفض عبد الله غراب، رئيس الشعبة العامة للمخابز بالغرف التجارية، مقترح وزارة التموين، مؤكدًا أن المصريين يعتمدون بشكل أساسي على الخبز، ولن يفيدهم في شيء مضاعفة قيمة نقاط الخبز، لأن غالبيتهم لا يتعاملون بصورة دائمة مع المأكولات البديلة الموجودة في السلع التموينية مثل المكرونة والأرز.

الأمر نفسه أشار إليه إبراهيم النجار، الخبير الاقتصادي والمتخصص في شؤون الدعم، في حديثه لـ "ألترا صوت" من أن الدراسة المقترحة لم تراع الواقع الاستهلاكي للمواطن بصورة حقيقية، نظرًا لأن "رغيف الخبز أصبح يمثل المكون الغذائي بنسبة 80% من مكونات الغذاء في مصر"، مطالبًا بعمل دراسة لنمط الاستهلاك في محافظات الدلتا والصعيد لاعتمادهم بصورة كبيرة على رغيف الخبز كمكون رئيسي للوجبة الغذائية.

خطة وزارة التموين لتقليل حصة المواطن من الخبز المدعم لن تأتي في صالح محدوي الدخل والأسر الفقيرة

وشكّك خبراء في صحة الدراسة الرسمية حول نسبة استهلاك الخبز، حيث أشار الدكتور محمد أبو شادي، أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق، إلى أهمية أن تجري دراسات مستوفاة حول كل ما يتعلق بحياة المواطن المعيشية من خلال مركز معلومات مجلس الوزراء أو عن طريق جهاز حماية المستهلك التي تمثل المستهلكين، وشدّد على أنه لا يجوز أخذ قرارات مثل خفض حصة المواطن من الخبز من جانب واحد.

وأكد الوزير السابق على عدم وجود دراسات جدية تؤكد بيانات الاستهلاك الحقيقي، لأن "هناك أسرًا بها كبار سن وأطفال لا يأكلون الخبز، وبالتالي لا قيمة لذكر أي متوسط لاستهلاك الخبز بدون الأخذ في الاعتبار مثل هذه العوامل".

من جهته، أكد مصدر مسؤول بوزارة التموين، في حديثه إلى "ألترا صوت"، أن هناك 3 سيناريوهات مقترحة في هذا الصدد، أولها أن يكون عدد الأرغفة لكل فرد على البطاقة التي تضم 4 أفراد هو 5 أرغفة، وبداية من الفرد الخامس سيحصل على 3 أرغفة فقط مع زيادة بدل نقاط الخبز.

والسيناريو الثاني حصول كل مواطن مقيد على البطاقة التموينية على 4 أرغفة مع مضاعفة بدل نقاط الخبز، وأما السيناريو الثالث فهو استمرار النظام المعمول به حاليًا بحيث يحصل المواطن على 5 أرغفة لفترة محدودة لحين الانتهاء من مناقشة الدراسة المقترحة.

وأوضح المصدر أن خطة وزارة التموين لتقليل حصة المواطن من الخبز المدعم لن تأتي في صالح محدوي الدخل والأسر الفقيرة كما تروّج التصريحات الرسمية، وذلك لأن "أغلبية هؤلاء المواطنين لن يستطيعوا شراء احتياجاتهم من السلع البديلة أو الأساسية نظرًا لارتفاع الأسعار".

لافتًا إلى أنه من الأفضل إجراء حوار مجتمعي حول قرار حسّاس يمسّ حصة المواطنين من الخبز المدعم، خصوصًا بعد ما شهدته بعض المحافظات المصرية في آذار/مارس الماضي من مظاهرات عفوية بعدما تفاجأ المواطنون بتقليل حصة الفرد من الخبز المدعم من خمسة أرغفة إلى ثلاثة فقط.

وأكد المصدر ذاته أن الحل الأفضل يجب أن يضمن استمرار منظومة صرف الخبز كما هي، مع تخيير المواطن المستفيد من الدعم بين زيادة دعم نقاط الخبز لصرف السلع التموينية مقابل الترشيد فى استهلاك الخبز المدعم، أو الحصول على حصته من الخبز كاملة.

المواطنون يرفضون
ادعاءات الحكومة المصرية لم تجد محلًا لتصديقها لدى عدد كبير من المواطنين، الذين يختبرون صعوبات معيشية واقتصادية بشكل يومي نتيجة سياسات الحكومة، وأعرب عدد منهم عن رفضهم المقترح تخوفًا من المساس بالدعم. "ألترا صوت" استطلعت آراء مجموعة من المصريين المستفيدين بدعم البطاقات التموينية حول القرارات المزمع تنفيذها خلال الأسابيع القادمة.

ترى منال عاطف (37 سنة، ربة منزل) أن مقترح وزارة التموين بخفص حصة الفرد من الخبز بمثابة استكمال لإجراءات الحكومة المصرية في "ذلك الشيء الذي تفعله بالمواطن المصري" والذي تعجز عن وصفه أو تبريره، على حد قولها.

اقرأ/ي أيضًا: "نموذج" انتفاضة خبز.. فقراء مصر في مواجهة النظام

"هم عايزين مننا إيه؟"، تقول السيدة التي تحمل بطاقة تموينية لـ5 من أفراد أسرتها، في محاولة يائسة لفهم آلية عمل الحكومة وقرارتها، قبل أن تضيف استنكارها لما يمكن أن تفعله الزيادة المرتقبة (10 قروش) في ظل ارتفاع الأسعار: "يعني هي الـ10 قروش اللي الحكومة هتزوّدها هتحل مشاكلنا اللي اتسببت فيها بقراراتها السابقة؟".

الاستنكار ذاته يمكن أن تجده في كلمات أيمن سمير (43 سنة، مدرس موظف حكومي)، الذي يؤكد في حديثه لـ "ألترا صوت" أنه لم يستطع هضم الزيادة الأخيرة في مخصصات الدعم التي أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية حزيران/يونيو الماضي، حيث أشار حينها إلى زوجته بأن هناك زيادات قادمة في الأسعار وأن الحكومة تحاول التمهيد لذلك باسترضاء مبكر للمواطنين.

"اعتقدت أن الأمر سيقف عند زيادة أسعار المحروقات والطاقة، ولكن يبدو أن هذه الحكومة خطر فعلًا على الشعب المصري"، يقول الموظف الحكومي بنبرة كئيبة.

رغيف الخبز أصبح يمثل المكون الغذائي بنسبة 80% من مكونات الغذاء في مصر

ولا يختلف الأمر كثيرًا مع إيمان الوكيل (29 سنة، موظفة في شركة خاصة) التي لا تفهم إلى الآن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحكومة في قراراتها وتأثيراتها على معيشة المواطنين واستقرارهم، فهي تتعامل مع مصالح الفقراء والطبقات الأدنى بطريقة لا مبالية تمامًا، بحسب كلامها.

وتقول الوكيل: "رغيف الخبز أهم شيء في حياة المصريين وجزء أساسي في أكلهم، ولا مجال لفهم ذلك التربص من جانب الحكومة بمحدودي الدخل"، لافتة إلى عمل زوجها في وظيفة إضافية لإعالة أسرته المكونة من 3 أبناء: "عندما تقرر الوزارة تقليل حصة الخبز فهذا يعني إرهاق الميزانية بتكاليف إضافية لشراء الخبز غير المدعم"، وتختم حديثها بالتساؤل حول مدى جدية الوعود التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزراء حكومته حول الرغد الذي ينتظر المصريين أثناء فترة حكمه.

تصحيح أخطاء الحكومة
هناك حوالي 90 مليون مصري، من بين 81 مليونًا يحصلون على دعم الخبز، تضم بطاقاتهم 4 أفراد، ما يعني حصول أغلب الأسر على 16 رغيفًا مدعمًا يوميًا، أو ما يقابلها من النقاط بواقع 3.2 جنيه يوميًا.

وتستهلك مصر سنويًا نحو 14.6 مليون طن من القمح، بينها 9.6 مليون طن مخصصة لإنتاج الخبز المدعم، بحسب بيانات وزارة التموين، وتعد مصر أكبر دول العالم استيرادًا للقمح بما يتبعه من تدبير لاعتمادات غير مسبوقة تستنزف رصيد البلاد من العملة الصعبة، والتي تستخدمها في استيراد القمح الذي يخلط مع القمح المحلي لإنتاج الخبز المدعم.

اقرأ/ي أيضًا: حفاظًا على مصلحة محدودي الدخل

ومنذ مجيئه على رأس وزارة التموين في عهد السيسي، وضع على المصيلحي تخفيض حصة المواطن من الخبز وتحرير سعر القمح والدقيق ضمن أولوياته، وهو ما يبدو في طريقه للتحقق قريبًا ضمن قائمة الإجراءات التقشفية التي تتخذها الحكومة المصرية ضد المواطنين، لتستكمل ما بدأته في نهاية العام الماضي من تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وما تبعه من رفع أسعار الأدوية والمحروقات والكهرباء، بالإضافة إلى إقرار زيادات ضريبية جديدة.

أسباب هذا الاتجاه يمكن فهمها جزئيًا في ضوء التراجع الذي شهده موسم توريد القمح المحلي، حيث صرّح وزير التموين بأن إجمالي كميات القمح المحلي المورّدة إلى الصوامع الحكومية بلغ 3.4 مليون طن، والوزارة تستهدف استيراد 7 ملايين طن خلال العام المالي الحالي.

وبمراجعة الأرقام الرسمية، وصلت كميات القمح المحلي المورّدة موسم 2015/2016 إلى 5.3 مليون طن، واستوردت مصر حوالي 4.4 مليون طن في هذا العام، ليتحقق الاكتفاء من القمح سنويًّا لإنتاج الخبز.

وصلت كميات القمح المحلي المورّدة موسم 2015/2016 إلى 5.3 مليون طن، واستوردت مصر حوالي 4.4 مليون طن في هذا العام

وفي العام التالي، انخفض معدل التوريد ليصل إلى 5 ملايين طن من القمح المحلي، وسط أزمات فساد شهدتها عمليات التوريد في ذلك الموسم نتيجة التلاعب في أرقام كميات القمح المحلي المورّدة إلى صوامع الحكومة، واستوردت مصر في هذا الموسم 5.5 مليون طن من القمح؛ لترتفع تكلفة الاستيراد عن الموسم السابق بـ1.1 مليون طن من القمح.

أما في الموسم الحالي، فقد شهدت نسبة توريد القمح المحلي تراجعًا كبيرًا، حيث بلغ نحو 3.4 مليون طن، ليكون على الحكومة استيراد ما يقارب 6.2 مليون طن ، لتضاف زيادة مضاعفة على تكلفة الاستيراد، خصوصًا بعد انخفاض قيمة الجنية المصري أمام الدولار نتيجة قرار التعويم.

الحكومة كعادتها حاولت استباق نتيجة قراراتها الكارثية، فقررت تحرير سعر الدقيق للمخابز والقمح للمطاحن بداية من آب/أغسطس القادم، دون اعتبار لشكاوى أصحاب المخابز ومعاناتهم مع الآثار اللاحقة للقرار. تجويع الشعب المصري نتيجة السير الأعمى وراء خطة صندوق النقد الدولي، هو ما يفسّر به عدد من المحللين ما يحدث في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد تعويم الجنيه؟.. إجراءات و"ثورة"؟

مثلما يؤكد المحلل الاقتصادي محمد شاكر في حديثه إلى "ألترا صوت" تخلّي الحكومة المصرية عن المواطنين وتركهم فريسة سهلة لجشع التجار وزيادات الأسعار الدورية، مشيرًا إلى أن تكرار الحديث الرسمي عن اتخاذ مثل هذه القرارات من أجل وصول الدعم إلى مستحقيه "غير صحيح ولن يحدث" في ظل التخبط وعدم وضوح الرؤية وانحياز السياسات الحكومية لصالح طبقة رجال الأعمال على حساب محدودي الدخل، وفقًا لكلامه.

وأضاف المحلل الاقتصادي أن الحكومة المصرية تؤكد بسعيها الحالي وبخطتها لـ "الإصلاح الاقتصادي" أنها لا تراعي صالح المواطن في كل الأحوال، بتجاهلها العدديد من الحلول الأخرى الأقل إضرارًا بمصالح المواطنين مقارنة بالقرارات الحالية.

"كان يمكن للحكومة فرض ضرائب تصاعدية وتفعيل الضرائب على الأرباح الرأسمالية في البورصة، وإعادة تشغيل الآلاف من المصانع المتوقفة والمتعثرة، ودعم الصناعات الصغيرة وتشغيل الشباب، وغيرها من الحلول والأفكار الأخرى الكفيلة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وتخفيف المعاناة عن كاهل المواطنين".

شهدت نسبة توريد القمح المحلي تراجعًا كبيرًا، حيث بلغ نحو 3.4 مليون طن، ليكون على الحكومة استيراد ما يقارب 6.2 مليون طن

يقول شاكر، ويضيف "ولكنها اختارت الطريق الأسهل والأقل ابتكارًا وتعرضًا لمصالح الطبقة الغنية المسيطرة فرفعت الدعم وتركت العملة المحلية في مهب الريح ومضت سريعًا إلى إثقال الموازنة بأعباء الاقتراض الخارجي".

الغضب من الإجراءات الحكومية المزمع تطبيقها لم يتوقف عند المعسكر المعارض، بل تعدّاها إلى خروج أصوات رافضة محسوبة على النظام المصري أعلنت عن رفضها للقرار الذي يتعلّق بأحد أكثر الأمور حساسية في مصر.

حيث أعلن رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع السابق، في تصريحات صحفية، خطورة الأوضاع الاقتصادية التي لا تدركها الحكومة بقراراتها العشوائية، مشيرًا إلى تحول الحكومة إلى أداة في يد صندوق النقد، "تصدر القرارات الصعبة كل يوم لتحمّل الفقراء مزيدًا من الأعباء".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأسعار ترتفع في مصر مجددًا.. جوع بأمر صندوق النقد

أين تذهب أموال المصريين؟