29-مايو-2018

ساهمت خطوة ماتاريلا بدعم الشعبوية الإيطالية من حيث لا يحتسب (Getty)

عندما استلم حزبا حركة النجوم الخمس ورابطة الشمال زمام الأمور بعد الانتخابات الإيطالية، وبدأت مقترحاتهم لتشكيل الحكومة الجديدة، عمت المخاوف في الأوساط المناصرة لليورو في البلاد، فإضافة إلى أن هذين الحزبين الشعبويين معاديان للأجانب، فإنهما أيضا يناصران فكرة انسحاب إيطاليا من الاتحاد الأوروبي. تعبيرًا عن هذه المخاوف، رفض الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، المقترحات الوزارية للحزبين، تحت مبرر الخلاف على اسم وزير المالية، المعروف برفضه للاتحاد. وأثارت هذه الخطوة جدلًا واسعًا، ولم يكن كل من رفضوا قرار الرئيس من مناصري الحزبين، ولكن أصواتًا قلقة مما ستؤول إليه الانتخابات الجديدة، استنكروا القرار أيضًا. يقدم  يانيس فاروفاكيس في هذا المقال المترجم عن صحيفة الغارديان البريطانية، رأيًا في ما حدث. 


يجب أن تكون الأحوال في إيطاليا على ما يرام. فعلى عكس بريطانيا، فإنها تصّدر إلى بقية العالم أكثر بكثير مما تستورد، إضافة إلى أن الإنفاق الحكومي (باستثناء مدفوعات الفوائد) أقل من الضرائب التي تجمعها. ومع ذلك فإن إيطاليا تعاني من الركود، حيث يعيش سكانها في حالة من التمرد بعد عقدين ضائعين.

تحتاج إيطاليا بالطبع إلى إصلاحات، لكن أزمة الركود ليست فقط في النظام الداخلي

تحتاج إيطاليا بالطبع إلى إصلاحات، لكن أولئك الذين يرجعون سبب الركود إلى عدم الكفاءة الداخلية والفساد يجب أن يفسروا سبب نمو إيطاليا بهذه السرعة خلال فترة ما بعد الحرب حتى دخول منطقة اليورو. هل كانت حكومتها ونظامها السياسي أكثر كفاءة وفعالية في السبعينات والثمانينات؟ بالكاد.

السبب الوحيد لمشاكل إيطاليا هو عضويتها في اتحاد نقدي مصمم بشكل سيئ، أي منطقة اليورو، حيث لا يستطيع الاقتصاد الإيطالي التنفس، وترفض الحكومات الألمانية المتعاقبة إصلاحه.

في عام 2015، انتخب الشعب اليوناني حكومة ذات توجهات أوروبية تقدمية مع تفويض للمطالبة باتفاق جديد داخل منطقة اليورو. في غضون ستة أشهر، وبتوجيه من الحكومة الألمانية، سحقنا الاتحاد الأوروبي ومصرفه المركزي. وبعد بضعة أشهر، سألتني صحيفة "كورييري ديلا سيرا" اليومية الإيطالية ما إذا كنت أعتقد أن الديمقراطية الأوروبية معرضة للخطر. أجبت: "لقد استسلمت اليونان، ولكن ديمقراطية أوروبا أصيبت بجروح قاتلة. وما لم يدرك الأوروبيون أن اقتصادهم يدار من قبل تكنوقراطيين غير منتخبين وغير خاضعين للمساءلة، يرتكبون خطأ فادحًا تلو الآخر، فإن ديمقراطيتنا ستظل مجرد فكرة في خيالنا الجمعي".

اقرأ/ي أيضًا: خطوة ماتاريلا المثيرة للجدل في إيطاليا.. إسكات الشعبوية بالقوة؟

منذ ذلك الحين، نفذت حكومة الحزب الديمقراطي الإيطالي المؤيدة للمؤسسة، السياسات التي طالب بها البيروقراطيون غير المنتخبين في الاتحاد الأوروبي، واحدة تلو الأخرى. وكانت النتيجة المزيد من الركود. وهكذا ، في آذار/ مارس، أسفرت الانتخابات الوطنية عن أغلبية برلمانية مطلقة لحزبين مناهضين للمؤسسة، على الرغم من اختلافاتهما، يشتركان في الشكوك حول عضوية إيطاليا في منطقة اليورو والعداء للمهاجرين. لقد كان الحصاد المرير لغياب الآفاق وتضاؤل الأمل.

بعد بضعة أسابيع من هذا النوع من صفقات ما بعد الانتخابات الشائعة في دول مثل إيطاليا وألمانيا، وقع زعماء حركة النجوم الخمس وحزب رابطة الشمال، لويجي دي مايو وماتيو سالفيني، اتفاقًا لتشكيل الحكومة. للأسف، استخدم الرئيس سيرجيو ماتاريلا السلطات التي منحها له الدستور الإيطالي لمنع تشكيل تلك الحكومة، وبدلاً من ذلك، سلم التفويض إلى تكنوقراطي، موظف سابق في صندوق النقد الدولي ليس لديه أي فرصة للحصول على ثقة البرلمان.

رفض ماتاريلا وزير المالية المقترح لأنه أعرب في الماضي عن شكوكه بشأن تركيبة منطقة اليورو

لو أن ماتاريلا رفض منح سلفيني منصب وزير الداخلية، غضبًا من وعده بطرد 500 ألف مهاجر من إيطاليا، فسأضطر لدعمه حينها. لكن لا، لم يكن لدى الرئيس مثل هذه الهواجس. لم يفكر ولو للحظة واحدة في الاعتراض على فكرة قيام دولة أوروبية بنشر قواتها الأمنية لجمع مئات الآلاف من الناس، ووضعهم في قفص، وإجبارهم على استقلال القطارات والحافلات والعبارات لإرسالهم إلى أماكن مجهولة.

كلا، لقد اختار ماتاريلا الاشتباك مع الأغلبية المطلقة من المشرعين لسبب آخر: رفضه للمرشح لمنصب وزير المالية. لماذا؟ لأن الرجل المذكور، رغم أهليته الكاملة لهذا المنصب، وعلى الرغم من إعلانه أنه سيلتزم بقواعد الاتحاد الأوروبي، كان قد أعرب في الماضي عن شكوكه بشأن تركيبة منطقة اليورو، وفضل رسم خطة للخروج من الاتحاد الأوروبي في حالة الحاجة إلى ذلك. كان الأمر كما لو أن ماتاريلا أعلن أن عقلانية وزير المالية المستقبلي تعتبر سببًا لاستبعاده من المنصب.

ما يثير الدهشة هو أنه لا يوجد عالم اقتصاد مفكر في أي مكان في العالم لا يشاطره القلق بشأن بنية منطقة اليورو المعيبة. لن يتجاهل أي وزير مالية حكيم وضع خطة للخروج من اليورو. في الواقع، أعلم جيدًا أن لدى وزارة المالية الألمانية والبنك المركزي الأوروبي وكل البنوك والشركات الكبرى خططًا للخروج المحتمل لإيطاليا، وحتى ألمانيا، من منطقة اليورو. هل يخبرنا ماتاريلا أن وزير المالية الإيطالي ممنوع من التفكير في مثل هذه الخطة؟

وإلى جانب إخفاقه الأخلاقي في معارضة توجهات حزب رابطة الشمال الكارهة للبشر، ارتكب الرئيس خطأ تكتيكيًا كبيرًا: لقد سقط في فخ سالفيني. إن تشكيل حكومة "فنية" أخرى، تحت قيادة مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، يعتبر هدية رائعة لحزب سالفيني.

اقرأ/ي أيضًا: هواجس الانهيار ترسم خارطة الاتحاد الأوروبي المستقبلية

يتوق سالفيني لإجراء انتخابات أخرى - والتي سيخوضها ليس باعتباره عدو البشر الشعبوي المثير للفرقة، بل باعتباره المدافع عن الديمقراطية ضد المؤسسة العميقة. لقد قام بالفعل بلعب دور الشخص المتمسك بالمثل العليا باستخدام العبارات الرنانة: "إيطاليا ليست مستعمرة، نحن لسنا عبيدًا للألمان أو الفرنسيين أو الانتشار أو التمويل".

يريد الحزبان الشعبويان أن يخوضا انتخابات جديدة بصورة مناصري الديمقراطية المسلوبة

إذا كان عزاء ماتاريلا حقيقة أن الرؤساء الإيطاليين السابقين تمكنوا من إنشاء حكومات تقنوقراط قامت بعمل المؤسسة ("بنجاح" لدرجة تحطيم الوسط السياسي في البلاد)، فهو مخطئ للغاية. هذه المرة، على عكس أسلافه، ليس لديه أغلبية برلمانية لتمرير ميزانية أو حتى للتصويت بمنح الثقة لحكومته المختارة. وهكذا، يضطر الرئيس إلى الدعوة إلى انتخابات جديدة، ستؤدي، بفضل اللهجة الأخلاقية والخطأ التكتيكي، إلى أغلبية أقوى من  القوى السياسية الإيطالية المعادية للأجانب، ربما بالتحالف مع حزب سيلفيو بيرلسكوني "Forza Italia".

ثم ماذا، سيدي الرئيس ماتاريلا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصفحة الأخيرة لماتيو رينزي.. تمزيق التحالف مع اليمين الشعبوي

كل ما تحتاج معرفته عن انتخابات إيطاليا 2018 وتأثيرها على الاتحاد الأوروبي