07-أغسطس-2016

مصلون مسلمون سنة عراقيون يحضرون صلاة الجمعة في مسجد مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار Photo credit should read MOADH AL-DULAIMI/AFP/Getty Images

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق تم وضع قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، حيث كان بمثابة دستور مؤقت في العراق، تم التوقيع عليه في 8 آذار/مارس 2004 من قبل مجلس الحكم في العراق، وبدأ العمل به في 28 آيار/مايو 2004 عقب نقل السيادة العراقية، من سلطة الائتلاف الموحدة إلى الحكومة العراقية المؤقتة، والتي اعتبرتها قوات الاحتلال حكومة ذات سيادة.

بعد عامٍ ونصف تقريبًا حلّ الدستور العراقي الدائم محل قانون إدارة الدولة، بعدما جرى الاقتراع العام أو الاستفتاء الشعبي على مسودة الدستور، حيث وافق العراقيون على الدستور الجديد في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005 بنسبة تجاوزت 78% من الأصوات. وقد أكد الدستور أن جمهورية العراق دولة اتحادية، وأنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.

في فترة الحراك السياسي المصاحب لكتابة نص دستور 2005، كان هناك تعارض أو "صراع إرادات" بين نزعتين، بين نزعة الأغلبية الشيعية من جهة، وبين بقايا عناصر التوافقية في دستور المرحلة الانتقالية من جهة أخرى، الصراع الذي انتهى إلى إقرار دستور 2005، والذي قد قضى على عناصر التوافق الأساسية في دستور المرحلة الانتقالية.

إذا نحينا جانبًا أسباب الموروث الديني لظهور داعش، فيمكن القول إن داعش هي نتاج مشكلة سنية في نظام حكم ما بعد 2003، ولهذا يجمع أغلب المراقبين بأنه لا يمكن هزيمة داعش عسكريًا ما لم يتم إصلاح الترتيبات السياسية، الترتيبات التي تعيد مكانة وضع السنة في مؤسسة الحكم، وليس إعادة مؤسسة الحكم للسنة، والفرق هنا كبير.

وثيقة المطالب الـ14 لاحتجاجات المحافظات السنية والتي استمر لعامٍ كاملٍ (21 كانون الأوّل/ديسمبر 2012 - كانون الأوّل/ديسمبر 2013)، ضُمنت جميعها في برنامج الحكومة الحالية (حكومة العبادي) والتي كانت من المفروض أن تعيد مكانة السنة في مؤسسة الحكم، لكن أيًا من تلك المطالب لم ينفذ.

اقرأ/ي أيضًا: اقتحام الجماهير للسياسة.. أفكار عن الإسلام والسلطة

وثيقة المطالب الـ14 لاحتجاجات المحافظات السنية ضُمنت جميعها في برنامج حكومة العبادي أن تعيد مكانة السنة لمؤسسة الحكم، لكن أيًا من تلك المطالب لم ينفذ

والسبب ليس مجرد أنه ليس هناك إرادة سياسية لتنفيذ تلك المطالب فحسب، لا بل هناك صراع وخلاف داخل النخبة السياسية الشيعية الحاكمة حول تلك المطالب. جزء كبير مما يحصل حاليًا في بغداد، والفوضى السياسية في إدارة البلد، مرتبط بهذا الخلاف أو هذا الصراع، وشكل التنافس السياسي أو التدافع حول السلطة مع السنة، هذا من جهة، وبكيفية عزل الصراع العسكري مع داعش من جهة أخرى.

لهذا يبدو أن العودة الأمريكية للعراق وتمركزها في قواعد استراتيجية، ما هي إلا من أجل الترتيبات العسكرية في الحرب ضد داعش، والتي باتت تقع تحت إدارة الأمريكان، حيث تسير خطواتهم بمعزل عن تلك "الفوضى" السياسية التي يتدخل فيها الجميع. على سبيل المثال لا الحصر، فترتيب معركة الموصل تحديدًا، قد يكون ليس من أجل دعم حملة الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية فحسب، بل من أجل عزل تلك الترتيبات العسكرية بعيدًا عن حراك الترتيبات السياسية وبعيدًا عن تلك الفوضى.

ما أريد أن أصل إليه، هو أنه هناك سؤال جوهري وإشكالي في نفس الوقت، تتغافل أو تتحاشى نقاشه النخب السياسية الشيعية كما يبدو، ولا تريد الإفصاح عنه في سجالاتها المعلنة. ما هو تعريف السلطة الشيعية في بلد متعدد الطوائف والهويات؟ ما معنى أن أحكم كشيعي في نظام الشراكة الوطنية أو التوافق أو التمثيل النسبي؟ وكيف يتم إصلاح هذا النظام في ظل طبقة سياسية شيعية، ما زالت تؤمن بإمكانية استمرار هذا النظام؟ عبر آليات ظاهرها تدعي الإصلاح، وباطنها تدوير المشاكل والأزمات.

ولهذا أيضًا يمكن أن نفسر بأن أيّ تصعيدٍ داعشي، ليس مرتبطًا بالتقدم العسكري في الحرب ضد داعش فحسب، بل مع أيّ مناقشةٍ أو نيةٍ أو حتى رغبةٍ لتنفيذ جزءٍ من تلك المطالب. ليضعف ذلك من عزم الحكومة ويحرج النخبة السياسية الداعمة لنضوج مثل هذه الترتيبات، ويضغط باتجاه عرقلة عقد أي تسوية للصراع الطائفي، وهو ما يحدث منذ سنتين، وهو عمر الحكومة الحالية تقريبًا.

اقرأ/ي أيضًا:
العراق: خارطة التحالفات السياسية في طريقها للتغيير
حرب المائة عام بين السنة والشيعة