10-يوليو-2018

يمهد الإعلام السعودي للتطبيع الرسمي مع إسرائيل (تويتر)

تبقى النظرة لإسرائيل ككيان مستعمِر نظرة أخلاقية قبل أن تكون عروبية، فيها دماء الفلسطينيين وحقوق أراضيهم المغتصبة منذ أكثر من نصف قرن، لكن بعدها العربي لا يزال ينبض، ولا يتفاجأ المتابع في أن الشعوب العربية، لم تتنازل عن هذه النظرة واستمرت بالتفاعل مع القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل باعتبارهما مسألتها الأولى.

تسببت حالة الاستلاب وإفرازات فشل الدولة العربية بشكل عام، ببروز المطبعين

لكن حالة الاستلاب وإفرازات فشل الدولة العربية بشكل عام، وعمالة الأنظمة العربية، جعلت بعض من يسمون أنفسهم "نخبًا" أو عاملين في "صناعة الرأي" يجيدون الزحف بإتقان نحو الدعوة للسلام والخضوع أمام الكيان الصهيوني، بشكل لا يتحدثون فيه حتى عن حقوق الشعب الفلسطيني، هذا إذا أراد المتابع أن ينظر لهم بنوايا حسنة.

في 22 آذار/ مارس 2018 نشر كاتب عراقي مقالًا بعنوان "العلاقة مع إسرائيل مصلحة عراقية سيتراتيجية"، وبغض النظر عن كتابته لمصطلح استراتيجية بهذه الطريقة التي أثارت سخرية العراقيين، لكن المقال لاقى رواجًا وتلقفته صفحات إسرائيلية، خاصة تلك التي بالعربية، ونشرته على أنه هدية من "كاتب عراقي" يدعو للتطبيع مع إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة إيلاف.. صوت إسرائيل بأموال مملكة ابن سلمان

ولا يطالب الكاتب في هذه المقالة بالعلاقة مع إسرائيل بشكل منفصل عن حقوق الفلسطينيين كما جرت العادة عند المطبعين العرب، لكنه يروج لسردية أن حالة "التعاطف الشعبي العراقي مع إسرائيل في وسائل الإعلام" سببها "تنفيذ عمليات انتحارية من قبل الكثير من الفلسطينيين في مناطق شيعية". وبغض النظر عن البعد الطائفي الذي استخدمه في مقاله، فإنه لا توجد أي إحصائية حتى الآن عن صحّة هذا الرأي، إنما توجد دراسات موثقة عن أن الفلسطينيين لا علاقة لهم بالعمليات الانتحارية التي حدثت في العراق.

 وينزعج الكاتب في مقاله من أن "العراق لا يزال من الناحية القانونية في حالة حرب مع إسرائيل"، لكن الغريب أنه يعترف ضمنًا، وكأنه يقول دون أن يشعر "إسرائيل سبب مصائبنا" فلم لا نتصالح معها، ونترك فلسطين وقضيتها وقضيتنا وراء ظهورنا إلى الأبد؟

ولم يجد المقال أعلاه، له مكانًا في وسائل الإعلام العراقية، حتى غير المهتمة بالصراع العربي الإسرائيلي، فهي مؤسسات إعلامية لا تزال تستحي من الرأي العام بخصوص القضية الفلسطينية وآلامها في الوجدان العراقي المتضامن معها، لكنّه نشرها في صحيفة إيلاف السعودية، ومن ثم نشرتها صفحة إسرائيل بالعربية من مصدرها "السعودي" وقالت إن "المقال على ذمة الكاتب"، ووضعت رابط الموقع السعودي.

لا تشعر المؤسسات الإعلامية السعودية، خاصّة بعد ما يسمى بـ"صفقة القرن" بأي خجل من مديح إسرائيل والثناء على هذه الصفقة، وإنهاء حالة الصراع مع الكيان الصهيوني، ولا تتحدث أبدًا عن حقوق الشعب الفلسطيني، ولا تذكر الدماء التي تنزف منذ أكثر من نصف قرن، إنما تطالب دائمًا بنسيان الماضي دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى رأي العرب بهذه القضية، فالحديث عن هذا الكيان الغاصب يتضمن الرأي الإسرائيلي "المهيمن" عليهم فقط، ولا يقول العرب أمامه شيئًا وليس لهم أي إرادة أو وجود.

صحيفة إيلاف السعودية ذاتها، كانت نافذة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، وأطلت السردية الإسرائيلية على العرب من خلالها أكثر من مرة. وقد كان الحوار مع ليبرمان في "إيلاف" قد كشف عن "وجود حوار بناء وتفاهم تام مع الدول العربية حول قضايا المنطقة المفصلية". وهي المعلومة التي لا يحتاج المراقب إليها في خضم التحرّك على "صفقة القرن" ومسار محمد بن سلمان منذ صعوده وحتى اليوم.

لا تشعر المؤسسات الإعلامية السعودية، خاصّة بعد ما يسمى بـ"صفقة القرن" بأي خجل من مديح إسرائيل

وقد نشرت صحيفة الخليج الإلكترونية، ضمن مشهد زحف وسائل الإعلام السعودية نحو إسرائيل، في 5 تموز/ يوليو الجاري مقالًا للكاتب دحام العنزي بعنوان "نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض وعلاقات طبيعية ضمن المبادرة السعودية"، بدأه بالقول إن "ولي العهد محمد بن سلمان لن يتردّد لحظة واحدة في إلقاء كلمة بالكنيست الإسرائيلي إذا وُجّهت له دعوة لذلك". كما دعا الكاتب في المقال إلى "علاقات طبيعية بين السعودية وإسرائيل"، معتبرا أن "المصلحة" تقتضي بأن تصبح إسرائيل حليفًا في مواجهة ما وصفهما بالمشروعين الفارسي والعثماني في المنطقة.

اقرأ/ي أيضًا: سعوديون مع التطبيع..أصوات شاذة في ركب الأمير الجديد

وفي إطار حثه على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، طالب الكاتب بـ"افتتاح سفارة إسرائيلية في السعودية، وأخرى سعودية في عاصمة إسرائيل القدس الغربية"، على حد وصفه، وأضاف: "كلي ثقة في أن كثيرًا من السعوديين وأنا أحدُهم سيسعدنا السفر إلى دولة إسرائيل والسياحة هناك ورؤية الماء والخضرة والوجه الحسن".

لكن الغريب في هذا المقال المنشور في الموقع السعودي، أن الكاتب يرى أنه "لا بد من حل للقضية الفلسطينية لأنها أزعجت الجميع عقودًا طويلة". رغم طول التغزل بإسرائيل والتملق لها، وذم الفلسطينيين، وهو ما قد يعكس التوجه السعودي نحو صفقة القرن، التي تفرض حلًا للقضية الفلسطينية على مزاج اليمينين الأمريكي والإسرائيلي، وبدون تمثيل حتى السلطة الفلسطينية.

ومنذ أشهر تتوالى المقالات والتقارير السعودية في الدعوة للتطبيع مع إسرائيل، والإشادة بمحمد بن سلمان في تحركاته نحو ما يسمى "صفقة القرن"، لكن ذات المنصات الإعلامية لا تتطرق مثلًا إلى مسيرات العودة الكبرى، أو الضحايا العزل الذين سقطوا بنيران الإسرائيليين، رغم أنها تصدرت الصفحات الأولى في كبرى الصحف العالمية، فهذه القضايا بالنسبة للإعلام السعودي "مزعجة"، ما دامت لا تصب في مسار صفقة القرن الموعودة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"عرّاب التطبيع".. أنور عشقي يعترف بمؤامرة السعودية وإسرائيل

المطبعون.. ليسوا منا ولسنا منهم