يتزايد الحديث في بيروت عن تحركات دبلوماسية غير معلنة باتجاه التطبيع وإمكانية عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل. ولم يعد الأمر مجرد تكهنات في الكواليس، خاصة من الجانبَين الإسرائيلي والأميركي، حيث تكثّف وسائل إعلام عبرية، في الأيام الأخيرة، من تمرير هذه الرسائل. وذكرت القناة 13 الإسرائيلية أن "المحادثات بين لبنان وأميركا وفرنسا تأتي في إطار خطة شاملة تهدف إلى التطبيع مع لبنان".
وفي خطوة مفاجئة وصفتها تل أبيب بـ"بادرة حسن نية"، أطلقت إسرائيل سراح خمسة أسرى لبنانيين، بينهم جندي في الجيش اللبناني، وذلك في إطار مفاوضات دبلوماسية قادتها الولايات المتحدة.
فيما لبنان لا يزال يتمسك باتفاق الهدنة وحدودها، بدأ الإسرائيلي بالحديث عن خط انسحاب جديد، وأن إقامته في المناطق التي دخلها في لبنان وسوريا وصولًا إلى أعالي جبل الشيخ ستطول
ونقل موقع "أكسيوس" عن مسؤول أميركي أن "إدارة دونالد ترامب تتوسط منذ أسابيع بين إسرائيل ولبنان بهدف تعزيز وقف إطلاق النار بين البلدين والتوصل إلى اتفاق"، مضيفًا أن "جميع الأطراف ملتزمة بالحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان وتنفيذ شروطه، ونتطلع إلى عقد اجتماعات سريعة لمجموعات العمل لحل القضايا العالقة".
ثلاث لجان
تزامن إطلاق الأسرى اللبنانيين مع الكشف عن مفاوضات لبنانية إسرائيلية، بوساطة أميركية وفرنسية حول ترسيم الحدود، حيث أعلنت المبعوثة الأميركيّة إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس "أننا أطلقنا مجموعات عمل دبلوماسية ستعمل على حلّ المشكلات بين لبنان وإسرائيل كالخطّ الأزرق وغيره، وإنني متفائلة باتفاق لحلّ قضية النقاط الخمس".
وفي التفاصيل، لقد جرى تشكيل ثلاث لجان ستتولّى هذه المفاوضات، وفق الآتي:
-اللجنة الأولى ستعمل على معالجة النقاط المحتلّة في جنوب لبنان، وهي تتعدّى في الحقيقة الخمس نقاط، خلافاً للمتداول، وتتجاوز الـ10 تلال الاستراتيجية التي تخوّل إسرائيل المراقبة والسيطرة على المناطق المحيطة في جنوب نهر الليطاني وشماله.
-اللجنة الثانية ستُعنى بملف ترسيم الحدود البريّة بين لبنان وإسرائيل، حيث لا تزال هناك 13 نقطة عالقة منذ رسم الخط الأزرق بعد إنسحاب إسرائيل من لبنان في 25 مايو/أيار 2000.
-اللجنة الثالثة ستكون مهمتها متابعة مسألة الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، وغالبية هؤلاء هم من عناصر حزب الله.
🔴إسرائيل ولبنان يتفقان على بدء مفاوضات لحل النزاعات الحدودية البرية
📌أفاد موقع "أكسيوس" بأن إسرائيل ولبنان اتفقا على بدء مفاوضات لحل النزاعات الحدودية البرية.
📌وقال بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إنه تم الاتفاق على إنشاء ثلاث مجموعات عمل مع لبنان وفرنسا والولايات… pic.twitter.com/osXHmLsZlF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 12, 2025
مفاوضات غير مباشرة
يوضح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، ناجي ملاعب، في حديث لـ"الترا صوت"، أن هذه اللجان ستلتقي بالجانب الإسرائيلي بوساطة أميركية، ولكن ليس من خلال محادثات مباشرة، بل عبر وسطاء. ومع ذلك، يضيف ملاعب: "الأمر يتجاوز المباحثات، فهي مفاوضات حقيقية، حتى لو لم يعلن لبنان الرسمي ذلك صراحة".
يشكّل موضوع الإنسحاب من المواقع المحتلّة الطبق الأساس، والخطوة الأولى قبل الانتقال إلى البحث في الترسيم. وهنا تبرز الإشكالية الكبرى، وهل فعلًا لا تزال إسرائيل تعترف بالخط الأزرق المرسّم بشكل مؤقت؟
وفيما لبنان لا يزال يتمسك باتفاق الهدنة وحدودها، بدأ الإسرائيلي بالحديث عن خط انسحاب جديد، وأن إقامته في المناطق التي دخلها في لبنان وسوريا وصولًا إلى أعالي جبل الشيخ ستطول، وهذا ما أعلنه صراحة وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس منذ أيام، كاشفًا أن بقاء إسرائيل في المنطقة الأمنية المستحدثة سيستمر إلى أجل غير مسمّى.
وفي هذا السياق، يذكّر العميد ملاعب بأن "الرئيس اللبناني جوزاف عون أشار إلى أن تطبيق اتفاقية الهدنة لعام 1949 والعودة إليها يضمن تحرير جميع الأراضي اللبنانية، وليس فقط الخط الأزرق، من الناقورة وصولًا إلى شبعا". لكنه يضيف: "أعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تتنازلا عن البقاء في النقاط الخمس والمنطقة العازلة التي أنشأوها حتى الآن، ويواصلون تعزيزها ضمن نطاق يتراوح بين كيلومتر أو اثنين، ما قد يُستخدم كورقة ضغط لدفع لبنان نحو التطبيع".
صراحة ويتكوف
تمتلك إسرائيل أوراق القوة والضغط، لا بل الإبتزاز، فهي التي تحتلّ الأرض، في حين أن السلاح الوحيد المتاح للبنان الرسمي هو الدبلوماسية، ما يطرح تساؤلات أساسية حول قدرته على التأثير على طاولة المفاوضات، وكيف سيضغط على الإسرائيلي للإنسحاب من أراضيه المحتلة، والتي أصبحت جزءًا أساسيًا من خريطة جديدة ترسمها إسرائيل لحماية حدودها من الجنوب السوري وصولًا إلى جنوب لبنان. ما يعزّز الاعتقاد بصعوبة إقناع إسرائيل بالانسحاب.
بالتوازي، يتركز الضغط الأميركي في عهد الرئيس دونالد ترامب على خفض نقاط النزاع في الشرق الأوسط، والدفع نحو "السلام مع إسرائيل" ، وإرساء واقع جديد.
أعرب مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، صراحة عن تفاؤله بجهود إقناع السعودية بالانضمام إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن سوريا ولبنان قد يكونان ضمن الدول التي تلحق بقطار التطبيع.
يؤكد الخبراء أن تداعيات العدوان الأخير على #لبنان ستظل قائمة لسنوات، سواء من حيث التأثير المباشر على القطاعات الاقتصادية المختلفة، أو من جانب التغيرات الديموغرافية التي طالت السكان.
اقرأ التقرير: https://t.co/nqIUvGKlLv pic.twitter.com/9ZmSpgIMMP— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 18, 2025
نفي لبناني
في المقابل، يتشدد لبنان الرسمي بموقفه المتمسك بهدنة 1949، وتنفي جميع دوائر القرار أي ضغوطات وصلت إلى لبنان من أجل التطبيع، أو أن تكون أي جهة دولية فاتحت لبنان بهذا الأمر. وإن كان الموضوع أثير على منبر البرلمان اللبناني من قِبل بعض النواب، خلال جلسة منح حكومة الرئيس نواف سلام الثقة، محذّرين من الضغط على لبنان لعقد "معاهدة سلام" مع إسرائيل.
لكن لبنان ليس بموقع تفاوضي جيّد في ظل المشروع التوسّعي الإسرائيلي الكبير، وصعوبة إعادته إلى حدود 1949. وهنا يسأل العميد ملاعب: "هل سيكتفي الإسرائيلي باتفاق الهدنة وينسحب؟"
تبادل أراضٍ
ويذكّر ملاعب بتصريح للموفد الأميركي السابق إلى المنطقة آموس هوكستين يتحدث فيه عن إمكانية تبادل أراضٍ بين لبنان وإسرائيل، فإسرائيل التي أقامت تجمعات ومنشآت سياحية في مناطق معينة كشبعا وكفرشوبا مثلًا، لن تدمّرها وتعطيها للبنان.
ويعتبر ملاعب أن "هذا الكلام لا بدّ من التوقف عنده حتى ولو تغيّرت الإدارة الأميركية"، مشددًا على أن "الخط الأزرق ليس منزلًا. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الخط ليس هو خط الحدود، حيث قامت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان اليونيفيل برسمه مؤقتًا في العام 2000، إنما خط الحدود الفعلي فرُسِّم عام 1949 باتفاقية الهدنة الموقّعة من لبنان واسرائيل آنذاك".
%47 من هجمات جيش الاحتلال على المرافق الصحية في #لبنان أسفرت عن استشهاد عامل صحي أو مريض واحد على الأقل، بحسب منظمة الصحة العالمية.
اقرأ أكثر: https://t.co/PEdJRtn7uK pic.twitter.com/fCGLkWcCo5— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 5, 2025
هدنة طويلة الأمد؟
من المقرر أن تباشر اللجان المشكّلة عملها بالتوازي مع اللجنة الدولية المكلفة بالإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أُقرّ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وتم تمديده حتى 18 شباط/فبراير 2025، دون أن تلتزم به إسرائيل حتى الآن. فإلى جانب استمرارها كقوة محتلة في الجنوب، تحتفظ تل أبيب بحرية التحرك العسكري جوًا وبرًا، مع استمرار الخروقات اليومية وعمليات الاغتيال التي لم تتوقف.
وبالتالي، فإن المفاوضات المرتقبة ستكون بطبيعة الحال محكومة بمنطق "دبلوماسية النار"، وسط تجاذب واضح بين الرغبة الإسرائيلية-الأميركية في تحقيق التطبيع الكامل، والموقف اللبناني الساعي إلى هدنة طويلة الأمد. وبينما يلقى الخيار الأول معارضة سياسية شديدة، فإن الخيار الثاني يبدو مكلفًا أيضًا، في ظل الشروط الإسرائيلية التي قد تدفع لبنان إلى تقديم تنازلات جوهرية وربما أكثر.