23-مايو-2021

كاريكاتير لـ تجيرد روياردس/ هولندا

"إسرائيل الديمقراطية". عبارة يستنجد بها من يريد الدفاع عن السياسات الإسرائيلية في فلسطين وجوارها. ويضاف إلى هذه الصفة صفة حداثة الدولة، في إشارة إلى تخلف تاريخي لدى خصومها وأعدائها بوصفهم ليسوا ديمقراطيين ولا حداثيين.

"إسرائيل الديمقراطية"، عبارة يستنجد بها من يريد الدفاع عن السياسات الإسرائيلية في فلسطين وجوارها

لكن أحدا لا يسأل نفسه حقا، ما هي مقومات الديمقراطية الإسرائيلية؟ فهي دولة بنت سلطانها على عواتق المهاجرين الأوروبيين. والتمييز بين يهود فلسطين التاريخيين ويهود الشرق الأوسط وبين اليهود الأوروبيين كان قائما وحالا في هذه الدولة منذ بدايات تشكلها.

اقرأ/ي أيضًا: انتصرت غزّة، ماذا بعد؟

بهذا المعنى يراد للمتعمق في هذه المسألة أن يعتقد أن الديمقراطية هي صفة تختص بالأوروبيين وحدهم، ويستحيل على الآسيويين أو الأفريقيين مثلا، الاتصاف بها. هذه الوصفة الجاهزة هي الحجة النظرية التي تبيح لمعتقديها إدانة أي مقاومة مسلحة ضد إسرائيل، وتبيح للدولة الإسرائيلية الدفاع عن مواطنيها بقتل الآخر الذي يهددها. ذلك أن الاتصاف بالديمقراطية والحداثة، لا يعني، للمدافعين عن إسرائيل وغير المدافعين عنها، أن الدولة الموصوفة بهاتين الصفتين، لا تتوسل العنف سبيلا لتنفيذ سياساتها. فالتاريخ الحديث يزخر بحروب بين الدول الديمقراطية الحديثة. والضحايا التي خلفتها حروب الدول الحديثة خلال القرن الماضي والقرن الحالي تفوق في حجمها وهولها ما خلفته حروب الممالك والإمبراطوريات، التي خيضت باسم الدين في أحيان كثيرة، عددا وهولا واستخفافا بمصائر البشر. مع ذلك يجدر بنا أن نسأل، أليست إسرائيل دولة دينية؟ وبالتالي، أليس وجودها في حد ذاته يطرح أسئلة عميقة وشائكة على الديمقراطيات الغربية الراسخة؟ إذ ماذا يعني لفرنسي أو نمساوي، لا يتحدر من أصول يهودية، أن يكون مواطنا كامل الصفات في بلده ويخضع لقوانينها، ولا يمكنه في أي حال من الأحوال أن يوالي دولة خارجية كائنة ما كانت العلاقات القائمة بين دولته وهذه الدولة. فيما يحق لجاره اليهودي أن ينتمي، كمواطن لدولة إسرائيل، من دون أن يطعن انتماؤه المزدوج هذا بمواطنيته في الدولة التي ولد فيها؟ أليس في هذا التمييز الصارخ بين المواطنين، ضربا للمبدأ الأساس الذي تقوم عليه رابطة المواطنة في الدولة الحديثة الديمقراطية؟

من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ومواطنيها. هذا ما يردده قادة العالم المتقدم. إنما من هم مواطنوها، ومن الذي يهددهم؟ وكيف يكون من حقها الدفاع عن مواطنها المستجد والذي هاجر إليها مؤخرا في مواجهة مواطنها الذي يقيم أهله وذووه في فلسطين منذ ما قبل قيام الدولة؟ وبمعنى آخر، ما هي رابطة المواطنة هذه إذا كانت لا تتصل بحدود جغرافية تقوم عليها سيادة الدولة؟ كما لو أن هذه العبارة تريد الإيحاء بأن إسرائيل تملك الحق في مهاجمة سويسرا بالطائرات والصواريخ دفاعا عن مواطن سويسري يهودي تعرض لاعتداء من مواطنه السويسري غير اليهودي. بوصف هذا المواطن السويسري اليهودي هو مواطن إسرائيلي بالقوة حتى لو لم يكن يفكر في الهجرة إلى إسرائيل.

من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ومواطنيها. هذا ما يردده قادة العالم المتقدم. إنما من هم مواطنوها، ومن الذي يهددهم؟

اقرأ/ي أيضًا: في ضرورة التحرر من نكبة الوهم والاستسلام للصهيونية

هذا كله يشير من دون إبهام إلى المعضلة الفكرية والنظرية التي يطرحها وجود إسرائيل على العالم الحديث برمته. وهي معضلة تجعل من الحديث عن قدرة النظام الديمقراطي على الصمود، أمام المتغيرات والتحولات العميقة التي تضرب المجتمعات كلها بتأثير الحدود المفتوحة وثورات الاتصالات السريعة، محط تساؤلات عميقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن عيد غزة.. جولة رابحة على طريق النصر

اليمين المتطرف آخر داعمي إسرائيل في أوروبا