22-مارس-2019

استفاد تنظيم الدولة من كل فترات ركوده في إعادة إنتاج نفسه والتأقلم مع المستجدات(Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

تقف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مدعومًة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على خطوات قريبة من الإعلان بشكل رسمي عن إنهاء تواجد تنظيم الدولة "داعش" في سوريا، بعد معارك دامية استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر في منطقة الباغوز شرق الفرات، الجيب الأخير الذي كان يتحصن داخله المئات من مقاتلي التنظيم قبل استسلام معظمهم لمقاتلي قسد بعد تضييق الحصار عليهم خلال الفترة الماضية.

على الرغم من محاولات داعش حث مقاتليه على ما وصفه المُهاجر بـ"الثأر" فإن العلاقة بين عناصره والقيادات من طرف، والعناصر أنفسهم من طرف آخر بشكل منفصل، تشهد فوضى ومشاكل داخلية

ماذا بقي لداعش من "دولة الخلافة"؟  

قبل أكثر من ثلاثة أشهر أعلنت قسد بدئها عملية عسكرية كبيرة لإنهاء تواجد داعش في منطقة الباغوز شرق دير الزور، حيثُ كان يتحصن مقاتلو التنظيم في آخر جيوبهم شرق الفرات، بعد خطة دفعت بهم للانسحاب مع عوائلهم للمنطقة، فيما كانت تتوارد المقاطع التي تظهر استسلام مئات المقاتلين لعدم تمكنهم من الانسحاب نتيجة إصابتهم خلال المعارك.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الخميس، إن مقاتلي قسد بدأوا بتمشيط الجيب الأخير لمقاتلي التنظيم، بعد أن بدأت قسد في العاشر من أيلول/سبتمبر الماضي عملية عسكرية للقضاء على تواجده في المنطقة الممتدة من بلدة هجين حتى الحدود السورية – العراقية شرق سوريا، جرى خلالها استسلام أكثر من ثمانية آلاف مقاتل مع عوائلهم، ومقتل أكثر من 400 مدني نتيجة الهجمات الجوية والبرية العنيفة التي نفذتها قسد مدعومًة من مقاتلات التحالف الدولي، وسط تقارير تفيد بارتكاب القوات الكردية مجازر بحق المدنيين خلال عمليتها العسكرية الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: الانسحاب الأمريكي من سوريا ومستقبل منبج.. تبادل أدوار لا تبديل اللعبة

من جهتها نفت قسد في بيان صادر عنها سيطرتها بشكل كامل على المنطقة، وقالت "مازال التمشيط جاريًا في مخيم الباغوز ولا صحة عن تحرير البلدة بشكل كامل"، كما اعتبر وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لو دريان الذي تشارك بلاده في التحالف الدولي أن هزيمة داعش النهائية في سوريا باتت على مقربة خطوات قليلة.

بعد أن كان داعش يسيطر على مساحات واسعة تصل بين بادية سوريا والعراق، أصبح اليوم بلا نفوذ تام غداة العملية العسكرية التي أطلقها التحالف الدولي لإنهاء وجوده في المنطقة، حيثُ تظهر خارطة توزع القوى العسكرية في سوريا خلوًا تامًا من اللون الأسود بعد أن كان حتى منتصف العام الفائت لا يزال يغطي مساحة واسعًة منها، في الوقت الذي يبقى مصير قيادات داعش مجهولًا، وعلى رأسهم زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي.

التسجيلات الصوتية مفتاح التواصل الأخير

قبل نحو أسبوع من إعلان قسد قربها الانتهاء من السيطرة على آخر معاقل داعش، بث الأخير عبر موقع تيلغرام مقطعًا مصورًا يظهر خلاله تماسك عناصره في منطقة الباغوز، وضمن التسجيل الذي لم تتجاوز مدته دقيقتين تحدث أحد العناصر متسائلًا: "ما ذنبنا؟ ما جريمتنا؟ لماذا تقصفنا الطائرات؟ لماذا نحن محاصرون؟ أردنا تطبيق الشريعة"، قبل أن ينهي حديثه بالقول: "غدًا، إن شاء الله، سنكون في الجنة وهم سيحترقون في جهنم".

ويبدو من التسجيل أنه جاء كمحاولة أخيرة للتأكيد على عدم نهاية التنظيم، ويعزز ذلك التسجيل الصوتي الذي نشر قبل أيام قليلة للمتحدث الرسمي باسم التنظيم أبي حسن المُهاجر يحث فيه أنصار داعش على "الثأر"، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي أشارت لاطلاع المهاجر على آخر الأحداث الراهنة متساءلة عن مكان اختبائه الذي أتاح له الاطلاع على الهجوم الإرهابي الذي نفذه يميني متطرف داخل مسجدين في نيوزيلندا الأسبوع الماضي.

كما تضمن التسجيل وصية للبغدادي نقلها المُهاجر للمقاتلين عندما حثهم على الابتعاد عن أجهزة الاتصال، مشددًا على أنه "لا ضير (في) إنجاز العمل من دونه في أسبوع إن أنجز به في يومين"، وهو ما ينفي التقارير السابقة التي تحدثت عن اغتيال البغدادي، ويثير التساؤل بالوقت نفسه حول المكان الذي يختفي فيه قياديو داعش، وإن كان في أحد الأماكن المدنية في سوريا أو العراق بحسب الصحيفة الأمريكية عينها.

وعلى ما يظهر فإن التسجيل الأخير هو المفتاح الوحيد لدى قيادات داعش للتواصل مع باقي عناصره المتوارين عن الأنظار في عمق البادية السورية، أو أولئك الذين وجدوا لأنفسهم مكانًا آمنًا للاختباء في المناطق التي تسيطر عليها قسد أو النظام السوري، وهو ما يجعل من إمكانية إعادة تنظيم صفوفه من جديد أمرًا واردًا بناءً على فترة الركود التي شهدها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عام 2008، قبل أن يعود ليضرب بقوة مرًة ثانية عام 2011 تحت المسمى الجديد.

"الخلايا النائمة" سلاح داعش الكلاسيكي

وفقًا لتسجيل المُهاجر الصوتي، يتضح أن داعش لم يسلم بالهزيمة نهائيًا، بالأخص أن قيادات الصف الأول لا يزال مصيرها مجهولًا، فقد أشارت تقارير صحفية بناء على مقابلات أجريت مع بعض العناصر الأسرى لدى قسد، أن داعش يتجه  في المرحلة القادمة لتشكيل خلايا نائمة في العراق وشرق سوريا، مؤكدين سعيه للرد على الهزيمة.

ويمكن الربط بين ما صرح به مقاتلو داعش وما تناقلته وسائل إعلام عن توجيه وصايا لمقاتليه من قبل مؤسسة تعرف بالمهاجرين، فقد أوصتهم بالعمل على اتباع أربعة نقاط للتواري عن الأنظار في البادية، ملخصها ارتداء ألبسة تشبه الألبسة التي يرتديها الرعاة، وتبرير وجودهم بالبحث عن مواشيهم المفقودة، أو البحث عن الكمأ، وضرورة التفاعل مع السكان المحليين.

يدعم هذه الفرضية ما نقلته مواقع إلكترونية عن مقتل أكثر من 20 عنصرًا من قوات النظام السوري والقوات الروسية يوم الثلاثاء الفائت في كمين نصبته خلايا نائمة لداعش على طريق دير الزور - السخنة قرب منطقة تدمر في عمق البادية السورية.

يشكل الحديث عن تواري عناصر داعش في البادية تساؤلًا مهمًا حول مصير مئات المقاتلين الأجانب في صفوفه المختبئين في أماكن مجهولة، أو حتى الأسرى لدى التحالف الدولي بعد اتجاه دولهم لتجريدهم من الجنسية، فقد تحدثت تقارير عن اتجاه بريطانيا والولايات المتحدة لاتخاذ قرار سحب الجنسية من الرجال أو النساء الذين التحقوا في صفوفه.

وكان مراقبون تحدثوا عن وجود أربعة مجموعات من المقاتلين الأجانب داخل داعش مقسمين وفق التالي: مجموعة عادت إلى بلادها بشكل رسمي ينتمي غالبيتهم لدول القوقاز، وثانية من القياديين دخلت البادية بعد ترتيبها لاتفاقيات مع قوات النظام السوري، وثالثة دفعت مبالغ مالية لمقاتلي قسد للنجاة من الاعتقال، والمجموعة الأخيرة معتقلة لدى مراكز الاحتجاز التي تديرها قسد أيضًا.

هل يستثمر دعش مشاكله الداخلية لإعادة تنظيم صفوفه؟

على الرغم من محاولات داعش حث مقاتليه على ما وصفه المُهاجر بـ"الثأر" فإن العلاقة بين عناصره والقيادات من طرف، والعناصر أنفسهم من طرف آخر بشكل منفصل، تشهد فوضى ومشاكل داخلية نتيجة هرب القياديين، وتخليهم عن المقاتلين المحليين والأجانب، ويشير لذلك التقرير الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية قبل أكثر من شهر عن فشل محاولة اغتيال البغدادي.

تقرير الصحيفة البريطانية قال إن محاولة الانقلاب جرى خلالها تبادل لإطلاق النار بين المقاتلين الأجانب، والحراس الشخصيين للبغدادي، الذين تمكنوا من إحباطها ونقل البغدادي لمنطقة صحراوية آمنة قرب منطقة هجين شرق سوريا، مضيفة أن داعش خصص مكافأة مالية لمن يقتل أبي معاذ الجزائري، الذي يرجح أنه مقاتل أجنبي يقف وراء عملية الانقلاب.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

بالإشارة لمحاولة اغتيال البغدادي، فإن تقرير لسيمون كوتي نشر في مجلة ذي أتلانتيك الأمريكية رأى أن مقتل البغدادي، إن لم يكن قد قتل بطبيعة الحال، يجعل من داعش فكرة منظمة تعيش لفترة طويلة نتيجة تفاعل وسائل الإعلام الغربية بطريقة مبالغ فيها مع أخبار داعش، حيث يتم الحديث عنه عبر وسائل الإعلام بشكل يومي، مع تضمن الأخبار تأكيد قدرته على إعادة بناء نفسه من جديد، استنادًا إلى ما نشره من مقاطع مصورة يظهر فيها وحشيته خلال الأعوام السابقة.

بموازاة ذلك، فيما تتجه الأخبار الواردة من سوريا إلى الإعلان رسميًا عن القضاء على داعش، فإن الأخير وفق تقارير مختلفة يتجه لتوسيع نفوذه في شرق آسيا من بوابة الفيليبين التي أعلنت فيها قبل أكثر من ثلاثة أعوام مجموعات إسلامية متشددة مبايعتهم للبغدادي، كما أنه من المتوقع أن يصبح أكثر شبكية بإيلائه اهتمامًا أكبر للمناطق الجديدة من جنوب شرق آسيا إلى جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا التي يملك فيها فرعًا بعد مبايعة جماعة بوكو حرام للبغدادي أيضًا.

فيما تتجه الأخبار الواردة من سوريا إلى الإعلان رسميًا القضاء على داعش، فإن التنظيم يتجه لتوسيع نفوذه في شرق آسيا من بوابة الفيليبين ودول أخرى

إذ وفقًا لهذه المعطيات، فإن هذه التقارير تناقض إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القضاء على داعش في سوريا أو  حتى العراق، ففي الوقت الذي تسعى واشنطن لإعلان نصرها في سوريا، يسعى داعش لإعادة بناء قوته مرًة أخرى في مناطق جديدة، وهو ما يفسر حجم التناقض في تعاطي الدول الغربية مع فكرة القضاء عليه، ويؤكد على ما أورده تقرير كوتي في الوقت ذاته عن طاقة داعش لاستدامة نفسه وعملياته وإعادة إنتاج وجوده.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

ماذا بعد هزيمة داعش؟